فرمان شنكال وما بعده
رؤوف كاراكوجان
مضى 9 أعوام على الإبادة الجماعيّة التي وقعت في شنكال، وما حدث خلال هذه الأعوام يحتاج سرداً جيداً.
يُعد الفرمان ال 74 الذي تعرّض له الشعب الإيزيدي إحدى أكثر الأحداث دمويّةً خلال القرن الأخير، ولم تمنع أي قوّة هجوم مرتزقة داعش على أبناء هذا المعتقد لإبادتهم، بل على العكس فقد اكتفى العالم أجمع بمشاهدة هذه الإبادة.
ونزل كريلا حزب العمال الكردستاني إلى شنكال لوضع حدّ للفرمان رغم إمكانياتهم المحدودة، وأنقذوا أهالي شنكال بمختلف دياناتهم وثقافاتهم ومنعوا تعرّضهم للإبادة تماماً، وقد قدّموا تضحيات كبيرة لتحقيق ذلك، ثمّ تمكّنوا من إجلاء مئات الآلاف من الأشخاص عبر الممر الإنساني وإيصالهم إلى المناطق الآمنة، وواصل حوالي 500 قياديّاً ومقاتلاً الدفاع عن أهالي شنكال منذ اليوم الأول على الرغم من احتماليّة الاستشهاد.
وتمّ الثأر من داعش والانتقام لأهالي شنكال والنساء المستعبدات والعديد من الأشخاص غيرهم، ومُنع داعش من التقدّم أولاً في كوباني ثمّ هُزمت قواته في الرقة ثمّ اُقتلعت جذوره وتمّ دحره في الباغوز. وأسفرت محاربة داعش عن ارتقاء آلاف الشهداء وإصابة عشرات الآلاف، وعلى الرغم من أنّ وجود داعش لم ينته تماماً إلى أنّه خطره يقترب من الانتهاء، فلم يعد داعش خطراً على العالم أجمع، لذا فإنّ البشريّة في العالم أجمع مدينة لحزب العمال الكردستاني وثورة روج آفا، وهذا يُعدّ أحد جوانب المقاومة والنضال خلال الفرمان، وأيضاً سبباً غيّر مجرى التاريخ.
ويتمثّل أحد جوانب الفرمان بهجمات هؤلاء الأشخاص الذين يقومون بحسابات ويحيكون خطط وألاعيب باسم مرتزقة داعش والذين يُعدّون استمراراً لداعش، والتي تمثّل هذا الأمر هي الدولة التركيّة الفاشيّة، فحكومة الديكتاتور أردوغان هي القوة التي تحمي داعش، وتحتضنه وتستخدمه عند الضرورة وتحتلّ روج آفا وتفسح له المجال وتحميه، وتشنّ هجمات يوميّة على حزب العمال الكردستاني في كل مكان، وتصعّد من عدائها للشعب الكردي على المستوى الدولي سواء على الصعيد الميداني أو على الطاولة.
وهناك جانب آخر يجعل الناس يخجلون من كونهم بشراً، وهو يتمثّل بقضية آلاف الشهداء الذين قُتلوا خلال الفرمان ولا يزالون ينتظرون إخراج رفاتهم من المقابر الجماعية التي دفنوا فيها، وحرق النساء في أقفاص حديديّة، واختطاف واستعباد 4 آلاف امرأة كغنائم حرب والتسبّب بنزوح 400 ألف نازح لا تزال قراهم ومدنهم المحروقة شاهدةً على ما حصل. هذا ولم تنتهِ الصدمات ولم تلتئم الجروح التي تسبّب بها الفرمان بعد، ويُعدّ الأشخاص الطامعين بغنائم الفرمان وتحقيق المكاسب منها ألعن الوحوش.
ومن يعيد انتهاج هذا الأسلوب الجديد من الظلم هو الحزب الديمقراطي الكردستاني، يدّعون أنّهم حاربوا دفاعاً عن شنكال ولهم حق فيها، ويقومون بذلك دون الاكتراث لأي مبادئ أو روادع أخلاقيّة، إنّهم يطاردون الناس في شنكال جنباً إلى جنب مع دولة الاحتلال التركي، ويقتلون العشرات من أبناء المجتمع الإيزيدي، ويواصلون الهجوم على قوات حماية شنكال بذريعة حزب العمال الكردستاني.
أساليب الحزب الديمقراطي الكردستاني في تحقيق المكاسب من الفرمان كثيرة، ففي مثل هذا الوضع، يؤثّر على القادة الروحيين للإيزيديين ويستغلّ حوالي 200 ألف نازح في المخيمات، ويستولي على التبرعات والأموال الدوليّة المرسلة لأهالي شنكال، ويجنّد الشبان الإيزيديين في البيشمركة ويستغلّهم للتجسّس ويستغلّ الحالة العاطفيّة والنفسيّة الناجمة عن الفرمان، ويستخدمها وفقاً لمصالحه الاقتصاديّة والسياسيّة والدبلوماسيّة. ولا شكّ أنّ الأمر الأهمّ هو سعيه لاستقطاب الأهالي وتقسيم الشعب الإيزيدي على أساس معاداة حزب العمال الكردستاني.
وأولئك الذين يتبعون الحزب الديمقراطي الكردستاني مستغلّين الإيزيديّة لخدمة مصالحهم الشخصيّة أيضاً ليسوا قلّة، فأولئك الذين يستغلّون الإيزيديّة ويفضّلون مصالحهم على مصالح الشعب والذين يحاولون القيام بذلك من خلال الهجوم على حزب العمال الكردستاني هم في نفس الفئة مع الحزب الديمقراطي الكردستاني.
إنّنا ندخل العام التاسع للفرمان، لكنّ مشكلة شنكال والغموض الذي يكتنف الإيزيديين مستمران. ولم تتحقّق بعد النتيجة المرجوة من العلاقات مع الدولة العراقيّة، ولن تُحلّ المشاكل ما لم تُحقق شنكال كياناً سياسيّاً. إنّ الإدارة الذاتيّة والدفاع الذاتي أمران أساسيان، ولا يمكن التنازل عنهما. وأهمّ درسٍ يمكن استخلاصه من الفرمان هو عدم السماح بتكرار أي فرمانات أخرى.
إذا سُمح للحزب الديمقراطي الكردستاني بالعودة إلى الميدان باتفاقية الخيانة المبرمة في ال 9 من تشرين الأول عام 2020 فهذا سيؤدّي إلى تمركز الدولة التركيّة في شنكال. فشراكة الحزب الديمقراطي الكردستاني والدولة التركيّة أصبحت اليوم شراكة مصير، فأينما حلّ الحزب الديمقراطي الكردستاني حلّت الدولة التركيّة أيضاً، وكما نعلم فإنّ قواتهما يتمركزون في التحصينات والقواعد والمقرات ذاتها في مناطق الدفاع مديا ويرتدون نفس الزي العسكري.
إذا رفع الحزب الديمقراطي الكردستاني علمه في عفرين، فإنّ المقاتلين الأتراك يرفعون علمهم في كافة أنحاء باشور، إنّهم يقتلون الناس في المدن، وإذا سقط شنكال فسيكون وضعه مماثلاً لذلك، لذلك من أجل عدم تعرّض أهالي شنكال لفرمان آخر، يتوجّب عليهم التصدّي للهجمات من خلال تطوير وتعزيز الإدارة الذاتيّة، التنظيم، الأنشطة النسويّة والنشاطات الشبابيّة، أي باختصار شؤون الشعب وتنظيماتهم الجماهيريّة. يجب ألّا يتركوا مهمّة الدفاع عنهم بعد الآن لأي قوات أخرى ولاسيما الحزب الديمقراطي الكردستاني، كما يجب محاكمته (الديمقراطي الكردستاني) على الإبادة وهجمات الإبادة وجرائم الحرب، فجريمة عدم الدفاع عن شنكال، ومنع وصول الأهالي إلى المناطق الآمنة، وعرقلة الخروج من الجبل تُعدّ جريمة ثابتة، يجب المحاسبة عليها بالتأكيد.
هذا ويستحقّ أهالي شنكال بمقاومتهم حياةً كريمة على الرغم من الفرمان، والخيانات الداخليّة والهجمات الخارجيّة، فقد حقّقوا منجزات مهمّة أكثر من أي وقتٍ مضى، واقتربوا جدّاً من تحقيق هدفهم، وأنا استذكر شهداء الفرمان وجميع شهداء شنكال بإجلال مجدّداً.[1]