أقدم جسر للعلاقات العربية الكردية.. كيف تصاهر المصريون القدماء مع أميرات مملكة ميتاني
تعود العلاقات المصرية الكردية إلى ما قبل التاريخ، وحتى إلى ما قبل الديانات السماوية الثلاثة، حيث وصلت الجيوش المصرية إلى مملكة ميتاني الكردية ثم ما لبثت أن تحول الصدام العسكري إلى علاقات دبلوماسية ومصاهرات بين نساء البيت الحاكم في ميتاني والأمراء المصريين. كشفت درية عوني، المؤرخة المصرية ذات الأصول الكردية، أن وثائق تل العمارنة تعد من أهم المصادر التي تشتمل على معلومات مهمة عن الميتانيين منذ أوائل القرن الخامس عشر قبل الميلاد، فمن خلالها يوضح أولى بوادر العلاقات الدبلوماسية بين هؤلاء وبين الفرعون تحتمس الثالث الذي دخل آسيا عنوة، وقاد حملة على مملكة قادش 147 قبل الميلاد.
وأكدت درية في كتابها الكرد في مصر عبر العصور، أنه تبدو مظاهر العلاقات المصرية الكردية في الرسائل المتبادلة بين ملوك ميتاني وفراعنة مصر الآخرين من الأسرة الثامنة عشر، وخاصة بعد أن أقيمت مصاهرة بينهم ثلاثة أجيال على الأقل وحتى انهيار الإمبراطورية الميتانية بيد شوبيولبوما الحبشي، وقد تأكدت هذه القرابة من خلال وثائق تل العمارنة، والتي جرت الحفريات الأولى فيها عام 1887م، وساعدت المؤرخين في تصحيح جوانب مهمة من الأحداث المتعلقة بتاريخ العالم القديم.
وأضافت المؤرخة المصرية ذات الأصول الكردية، أنه لم يقتصر الأمر على ما جاء في وثائق تل العمارنة فحسب، حيث أشارت كتابات مسمارية مدونة على قوالب طينية ومتبادلة منذ أواسط الألف الثاني قبل الميلاد بكلمات تعبر عن الروابط القوية التي قامت بين الميتانيين و فراعنة الأسرة الثامنة عشر من الدولة الحديثة، وخاصة في بين الملك شوتتارنا بن ارتاتاما ومحاصرة تحتمس الرابع و ابنه أمنحوتب الثالث الذي ولدته أمه الميتانية جيلو حيبا المشهورة في مصر بموت اوماويا، حيث جلب من بلادها بعض القيم الدينية في مصر على حد قول فيليب قائد تيبرج.
وأوضحت عوني، أنه كان من أهم طموح الملك الحيثي شوبيولبوما فيما بين أعوام 1380- 1340قبل الميلاد، أن يقضي على المملكة الميتانية، لأنه كان يعدها أقوى حلفاء مصر في آسيا، ومسؤولة عن سوء الحالة التي وصلت إليها بلاده، فدخل واشوكاني العاصمة مدمرا عوائلها، ومن هنا يتضح سر الانهيار السريع للمملكة الميتانية. بينما كشف فرانتس ماشفيسكي، عالم الاجتماع الألماني، إن مصر عندما تولى تحتمس الرابع العرش كانت في حالة حرب مع مملكة ميتاني، تلك الإمبراطورية العظيمة عند منابع الفرات التي أرادت السيطرة على شمال سوريا والهيمنة بالتالي على الأمراء المحليين، و قاد امنحوتب الثاني أبو تحتمس عدة حملات على الحدود الشمالية لمناطق النفوذ المصرية محققا درجات متفاوتة من النجاح، وبعد ذلك عقد معاهدة صداقة مع الحيثيين الطرف الثالث الكبير في الحرب، بتلك المعاهدة مع كورش تاما والتي أشار إليها الملك مورشيلي في صلاة الطاعون تمكن من وضع نهارين الاسم المصري لمملكة ميتاني تحت ضغط.
وأكد ماشيفسكي في كتابه إخناتون وهم التوحيد، أنه في عهد تحتمس انقلبت الصفحة عندما انتصرت مملكة ميتاني على الحيثيين، وفي الجانب المصري كانت أيام سياسة الغزو الفعال تنتمي إلى الماضي، وظهرت علامات سياسة الانفراج وخفض التوتر، وفي أول حملة منتصرة كان الأمر يتعلق بعمل عسكري محدود، فيذكر في مقبرة نب آمون الذي شارك في القتال كحامل لواء أن الغنائم أطفال أمير نهارين أحضروا إلى مصر، وكان هذا الحدث بالنسبة للملك من خبرو رع (اسم العرش لتحتمس الرابع) مناسبة جديرة بإصدار جعران تذكاري.
وأضاف عالم الاجتماع الألماني، أنه لفترة طويلة كان تحتمس الرابع يمد رسائل جس النبض نحو محادثات سلام بينما لم يكن الجانب الميتاني الذي يمتلك ميزة عسكرية في عجلة من أمره ولا نعرف بالضبط متى تم التوصل إلى اتفاق سلام لكن المؤكد أن مفاوضات مطولة سبقته وينطبق هذا أيضا بشكل خاص على الزواج الدبلوماسي المنشود بين تحتمس الرابع وإحدى بنات الملك الميتاني أرتا تاما الأول الذي ختم التحالف بين الأعداء السابقين.
وبين ماشيفسكي، عن وجود سلسلة من زيجات بين الأمراء المصريين وأميرات البيت الميتاني، وبعد عدة سنوات كان الملك توشراتا حفيد أرتا تاما آخر سلسلة منفذي ذلك التقليد بتزويج ابنته تادو خيبة لامنحتب الثالث حيث يقول في رسالة (لوحة 29 من لوحات تل العمارنة) عن بدايات العلاقات الودية بين مصر وميتاني، في خليط من الغرور والحزننظرا للتحول في توازن القوى.
وأوضح عالم الاجتماع الألماني، أن إحدى الرسائل تكشف طريقة مفاوضات الزواج بين مملكتي مصر وميتاني، حيث تذكر أنه عندما كتب مان خيبريا، (من خبرو رع) إلى جدي ارتاتاما، يطلب يد ابنة جدي، شقيقة أبي، خمس مرات، ست مرات، وفي المرة السابعة التي راسل فيها جدي، أعطاه إياها على الفور زوجة.
وبيّن ماشيفسكي، أنه على الرغم من أن المراسلات الدبلوماسية تخفي عنا اسم الأميرة التي يريدها تحتمس الرابع زوجة فإنها تعطينا معلومات غير متوقعه تسمح لنا على الأقل أن نحدد تقريبا التاريخ الذي وصلت فيه الأميرة الميتانية إلى البلاط المصري فنسمع أن الفرعون كتب خمس أو ست مرات إلى أمير النهرين وهذا يعني أن الرسل قاموا برحلات في فترات متقاربة تستغرق كل منها نحو ثلاثة أسابيع إلى عاصمة ميتاني والشوكاني لتقديم رسائل سيدهم المكتوبة باللغة المسمارية على أنواع على ألواح طينية ونعلم من حالات مماثلة أن الرسل الأجانب لم يكونوا يعاملون بشكل مهذب دائماً وغالباً ما يضطرون للانتظار حتى يمكنهم القيام برحلة العودة محملين بالرد على الرسائل.
وأوضح عالم الاجتماع الألماني، أنه على العكس من ذلك وحفاظاً على ماء وجهه لم يبعث تحتمس الرابع البرقية التالية عن طريق البريد العائد وكان موضوع المساومة التي تدور حولها الرسائل هو التوفيق بين قوائم الهدايا كما هو موجود في المفاوضات الزواج المؤسسة جيداً في رسائل العمارنة بين أمنحتب الثالث والملكين الميتانيين شوتارنا وتوشار والتي تعتبر سوابق أصيلة.
وأشار ماشيفسكي، إلى أنه ينبغي ألا نتجاهل تردد ارتاتاما باعتباره تكتيك للمماطلة خرقاء، فإلى جانب استعراض القوة يمكن أن نفترض بثقة قناعته بأن يرفع ثمن العروس، وعندما أرسل تحتمس في النهاية السعيدة بعثه بالهدايا سار كل شيء على ما يبدو بسرعة، وكانت الهدايا المقدمة أخيرا من بينها بالتأكيد ذهب وملابس وأقمشة ثمينة وتجهيزات للعربات الحربية مرضية.
وأردف عالم الاجتماع الألماني، أنه عندما نستقرئ كم من الوقت استغرقته الحملة بأكملها سيكون افتراض عامين فترة محدودة نوعا ما.[1]