للعرب 22 دولة.. فلماذا لا يكون للأكراد دولة؟!
هم أكبر أقليّة في العالم، أمّة ذات تاريخ عريق، يقدر عددهم بحوالي 30 مليون نسمة، موزعون بشكل أساسي في مناطق تمتد من إيران مروراً بالعراق وتركيا فسوريا، عدا عن انتشار أعداد أقل في بلدان أخرى كأرمينيا ولبنان. هي خلاصة بحث سريع عن الأكراد الذي يشكلون هذه الأيام مادة إعلامية، بعد قرار تركيا مواجهة الأحزاب الكردية في سوريا التي تصفها أنقرة بالإرهابية.
ليست المرة الأولى التي يشكل فيها الأكراد أزمة للمحيطين بهم. ففي تركيا، لا يكاد يمر خطاب للرئيس رجب طيب أردوغان إلا ويضمّنه انتقادات واتهامات لهم، رغم حرصه على الفصل بين الأكراد الذين يصفهم ب إخواننا، وبين الأحزاب الكردية. في العراق، لم يكن صوت الأكراد مسموعاً، لكن بعد سقوط صدام حسين، علا الصوت الكردي مطالباً بدولته المستقلة، ونال الأكراد حكماً ذاتياً في كردستان. في سوريا، علاقة الأكراد بنظام الأسد الأب والابن تأرجحت بين العداء وبين الخصومة.
للأكراد حق بدولة مستقلة، لكن الدول التي يعيشون فيها ترفض منحهم هذا الحق، وهو موقف مفهوم. فلا يوجد دولة تقبل باقتطاع جزء من أرضها ومنحها لجماعة تعيش على أرضها
مشكلة الأكراد الأزلية وحلمهم هو دولة مستقلة خاصة بهم. يريدون بقعة جغرافية تلتقي فيها قوميتهم ولغتهم وتاريخهم وعاداتهم. هذه الرغبة تواجهها الدول التي يعيشون على أرضها بالحرص على طمس وجودهم، وإلغاء لغتهم، وتهميش رموزهم، والتشكيك بولائهم، وعدم الاعتراف بأحزابهم، وملاحقة قياداتهم. أوروبا مقسمة لقرابة خمسين دولة رغم أن معظم هذه الدول متقاربة بالتاريخ والعادات والامتداد الجغرافي. للعرب 22 دولة تتشابه بالتاريخ والجغرافيا واللغة، فلماذا لا يكون للكرد الذين ينفردون بتاريخ وجغرافيا وقومية وحضارة ولغة وتراث دولة مستقلة بهم؟!
بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى قسّم الغرب منطقتنا كما يشاء، ومنح جماعات بشرية دولاً لا تستحقها. ورغم وعد الأكراد بمنحهم دولة مستقلة، إلا أن الغرب لم يفِ بوعده ولم يمنحهم دولتهم الموعودة، وتركهم منتشرون مشرّدون في عدد من الدول، فهل كان ذلك سهواً أم متعمّداً؟!
الجواب على هذا السؤال يتمثل بالمواجهات العسكرية شمال سوريا اليوم، وبالتفجيرات التي تشهدها تركيا بين الحين والآخر، وفي الخلافات السياسية في العراق، وفي كل المحطات التي شهدت نزاعاً بين الكرد والدول التي يعيشون على أرضها. فالغرب حرص على إبقاء الجرح الكردي نازفاً لإضعاف الدول التي يتواجدون فيها، وكي يستغلّ ويستخدم مظلمة الأكراد ساعة يشاء لتنفيذ مخططاته وتأمين مصالحه، ثمّ يتخلّى عنهم حين تنتفي هذه المصالح، كما فعلت الولايات المتحدة مع أكراد سوريا مؤخراً حين تركتهم لمواجهة مصيرهم في مواجهة تركيا.
للأكراد حق بدولة مستقلة، لكن الدول التي يعيشون فيها ترفض منحهم هذا الحق، وهو موقف مفهوم. فلا يوجد دولة تقبل باقتطاع جزء من أرضها ومنحها لجماعة تعيش على أرضها. لذلك نفهم رفض تركيا وسوريا وإيران لتحقيق الحلم الكردي، لكن من جهة أخرى، يجب أن نفهم كذلك أن الأكراد سيواصلون نضالهم لتحقيق ما يعتبرونه حق لهم، ومواجهة الرفض والعداء ومحاربة وجودهم ولغتهم وحضارتهم التي تمارسها الدول التي يعيشون فيها، وهم مستعدون للتحالف مع كل من يقدم لهم يد العون، ولو كانت إسرائيل، التي تستغلّهم كما يستغلّهم الآخرون.
ليس من المنتظر أن تقوم الأنظمة بالتبرع للأكراد بدولتهم، لكن ما يجب أن تدركه الشعوب العربية هو أن الأكراد ليسوا إرهابيين وليسوا عملاء ولا خونة. فغالبيتهم الساحقة مسلمون سنّة، جاء منهم الصحابي الجليل أبو ميمون جابان والقائد صلاح الدين الأيوبي وابن تيمية وبديع الزمان النورسي، وهم لا يطالبون بأكثر مما يستحقون، وسيظل جرحهم نازفاً حتى تحقيق حلمهم بدولة مستقلة، وسيظلون يشكلون تهديداً للدول التي يعيشون فيها، طالما أنهم يتعرضون للتهميش والإهمال والقمع والإقصاء.[1]