تطور الفكر القومي الكردي.. نظرة عامة
هذا الإحساس والشعور سيكونان الإرادة المشتركة للأشخاص الراغبين في العيش المشترك ومنها ينبثق مبدأ حرية التصرف للشعوب، بمعنى حق كل شعب في تقرير مستقبله السياسي(4)، وهذا يعني أنه لتأسيس الدولة يجب توفير قاعدة قومية. ولذلك نلاحظ أن مبدأ القوميات بدأ ينتشر في تلك الفترة بأوروبا مما دفع العديد من الحركات القومية إلى الظهور فيها، ومنها: حركات وحدوية قومية في إيطاليا وألمانيا(5).
تاريخ الكرد طويل ومعقد وقد كان لهم دوما دور بارز في الشرق الأوسط
وفي الواقع فإن هذه الحركات لم تكن لتظهر بالشكل الذي ظهرت به دون مساهمة الفلاسفة والمفكرين الذين قدموا تنظيرات لدعم أهداف تلك الحركات ومشروعيتها. لقد كان نشاط المفكرين حاسماَ في الأصل: لقد أحيوا الذكريات التاريخية وأظهروا ديمومة التقاليد المشتركة، فهموا وأفهموا أهمية اللغة المشتركة وعرفوا كيف يدركون ويعبرون عن الأحاسيس الغافية فأعطوها قوة(6).
وعند التصدي لهذا الموضوع يبرز التساؤل الآتي: هل هناك حقاً فكر قومي كردي يعبر عن حالة أمة موجودة لها الإرادة في العيش المشترك؟
إن تاريخ الشعب الكردي كما يقول -مينورسكي- تأريخ طويل ومعقد(7)، وكان له دوماَ دور بارز وحاسم في تاريخ الشرق الأوسط والتاريخ الإسلامي(8)، وتشير الدراسات الحديثة إلى أن المنافسة الشديدة العنيفة بين الإمبراطوريتين العثمانية والصفوية في القرن السادس عشر (التي بدأت مع حملة السلطان سليم الأول 1514) قد أدت إلى تزايد دور الكرد في المنطقة(9)، حيث تحولت منطقتهم إلى (مناطق تماس Buffer Zones ) في الصراع بينهما وازدهرت في هذه الفترة العديد من الإمارات الكردية شبه المستقلة منها: بوتان، هكاري، بادينان، سوران، بابان في الإمبراطورية العثمانية. وأردلان وموكريان في الإمبراطورية الصفوية(10).
إن هذا الصراع المستمر الدائم العنيف أدى إلى تقسيم واقعي، فعلي لكردستان كنتيجة لمعركة (جالديران) 1514 وتم تثبيت هذا التقسيم عن طريق معاهدة دولية بين الإمبراطوريتين عام 1639(11).
لقد كان لهذا الحدث أثر سيكولوجي على الشعب الكردي (إلى جانب آثاره السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية) حيث وضع عوائق أمام إقامة العلاقات والاتصالات بين الكرد في الإمبراطوريتين. وهذا ما أثر بعمق على بدايات الفكر القومي وتكون الشعور القومي لدى الكرد.
يقول الباحث (جيلنرGellner) إن القومية ليست هي إيقاظ الوعي الذاتي للأمم، بل هي إيجاد ذلك حيث لا يوجد، وتعلق الباحثة (Oshea) على فكرة (جيلنر) بقولها إن هذه الفكرة يجب أن لا تكون مرادفة للتحريف أو التزوير بل يجب أن تكون إشارة إلى عملية إبداعية تتخيلها جميع المجتمعات.
وعليه فإن الكرد كما تقول (Oshea) لهم اسم مشترك (على الرغم من تعرضه للعديد من التغيرات) ولهم تخيلات معينة حول تاريخهم وأصلهم وهم يتكلمون لغة واحدة (بلهجات مختلفة12).
وفي كتاب تاريخي مهم حول الكرد ألفه (شرف الدين خان البرليس) بعنوان (شرفنامه) باللغة الفارسية عام 1596 إشارات مهمة حول موطن الكرد- كردستان.
وقد أثرت حالة الكرد على شاعر مهم من شعراء الكرد هو (أحمد خاني 165/1708) حيث ظهر في ديوانه الشهير (مم وزين) بعض ملامح نواة الفكر القومي الكردي إذ أدرك أن أهم الأسس لبناء كيان قومي لأي شعب هو اللغة ثم التاريخ المشترك(13)، ويقول الباحث (فرهاد شاكلي) إن هذه الملحمة تكشف عن أوضاع وأحوال الشعب الكردي وهمومه… وتعبر عن الطموحات التي ناضل الكرد من أجلها(14).
شهد القرن التاسع عشر بداية انتشار الوعي القومي الحديث للكرد الذين أصبحوا ينادون بالاستقلال عن الدولة العثمانية
و مع ذلك فإن ظهور الحركة القومية الكردية قد تأخر إلى نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، حيث يكتب الباحث الدكتور عيسى ما يأتي: كانت ثورة الشيخ عبيد الله 1878-1881 ثورة قومية بالمفهوم الحديث وكان الشيخ عبيد الله ابن الشيخ الديني الذي سكن كردستان التركية وهو أول من دعا إلى الوحدة الكردية والاستقلال الذاتي للكرد (15).
وهكذا كما يقول الدكتور عيسى شهد القرن التاسع عشر بداية انتشار الوعي القومي الحديث للكرد الذين أصبحوا ينادون بالاستقلال عن الدولة العثمانية(16).
ومع ذلك فإن الحركات والثورات الكردية لم تتمكن من تحقيق ما كانت تريده وأدى ذلك إلى اهتمام الكرد بصورة متزايدة بالتنظيمات السياسية والحزبية(17). وبدأ الشعور القومي ينتشر بين المتعلمين والوطنيين من التجار الذين انتبهوا إلى أهمية الإعلام في نشر أفكارهم وخدمة القضية الكردية ولذلك فقد صدرت أول جريدة كردية باسم (كردستان) في إسطنبول عام 1898 من قبل الأمير مدحت بدر خان ثم نقلت إلى القاهرة ثم إلى جنيف وعادت إلى إسطنبول بعد إعادة العمل بالقانون الأساسي العثماني. لقد كان للجريدة اتجاه ليبرالي تنويري ثم اتجهت نحو معارضة الإمبراطورية.
وبعد هذه الفترة فإن مرحلة جديدة من النضال الكردي قد بدأت بتأسيس جمعيات وأحزاب سرية تزامنت مع الفترة الأخيرة من الإمبراطورية العثمانية التي انهزمت في الحرب العالمية الأولى 1918 ثم انهارت وتأسست الجمهورية التركية 1923، حيث دخلت الحركة القومية الكردية عهدا جديدا تميز بكونها أخذت بعدا جديدا، فداخليا تجزأت إلى ثلاث دول، ودولياَ لم تعد القضية الكردية محصورة في داخل الدولة التركية (كوريثة للإمبراطورية العثمانية) بل إن التدخلات الإقليمية والدولية بدأت تلعب دورا مهما في مسيرة هذه القضية وما زالت الحركة القومية الكردية لم تفقد هذه الخاصية وأصبحت إحدى أكثر المسائل المعقدة والمتفجرة التي تواجه الشرق الأوسط في الوقت الحاضر وهي تمثل مكانة بارزة بين العديد من المشكلات العرقية –القومية في فترة ما بعد الحرب(18).
إيديولوجية الفكر القومي الكردي
بعد استعراض تطور الحركة القومية الكردية يبرز التساؤل: هل ارتبطت هذه الحركة بإيديولوجية قومية وكيف بدأت الظهور؟
إن بدايات انتشار الوعي القومي الكردي لدى المتعلمين ورجال الأعمال في أواخر القرن التاسع عشر يمكن اعتبارها بدايات حقيقية لانبثاق فكر قومي كردي ويمكن اعتبار جريدة (كردستان) عاملاَ مهماَ في بث الفكرة القومية التي تركزت على توحيد القوى الكردية وجمعها حول الفكرة الوطنية الداعية إلى إنقاذ كردستان وتحريرها من السيطرة التركية وتشكيل دولة كردية مستقلة(19).
فقد أصبح المتعلمون قادرين لأول مرة على التأثير في قيادة الحركة القومية الكردية وقد أثرت فيهم الأفكار التي احتوت عليها النقاط ال14 للرئيس الأميركي ويلسون وعلى الأخص النقطة 12 حول وجوب ضمان الفرصة للأقليات بالإمبراطورية العثمانية في التطوير والاستقلال الذاتي(20). إن انهيار الإمبراطورية العثمانية أدى إلى ظهور هويات قومية جديدة وبالأخص القومية العربية والقومية الكردية.
ويركز الباحثون في هذه الفترة الحساسة والحرجة بالنسبة للحركة القومية الكردية على دور الفئة المتعلمة في تطوير فكرة القومية الكردية، ويرجع ذلك في الأساس إلى التحولات الاجتماعية والاقتصادية في الدول التي تَوزَع الكرد عليها (21).
ولكن هذه النخبة المتعلمة لم تكن تملك النفوذ القوي في المجتمع الكردي، ولذلك احتفظت القوى التقليدية بموقعها وصدارتها في توجيه وقيادة الأفكار القومية ولعبت دوراًَ حاسماً في الثورات والانتفاضات التي ظهرت في تلك الدول.
لم يتبلور الفكر القومي الكردي في حركة فلسفية يقودها مفكرون وسياسيون فبقي يتأرجح بين الأفكار والمفاهيم الرجعية والليبرالية والاشتراكية والماركسية
إن الفكر القومي الكردي لم يتبلور في حركة فكرية فلسفية يقودها مفكرون وسياسيون كالذي حدث في الحركات القومية بأوروبا أو في الشرق الأوسط، ولذلك فإنه وإن كان إطاره العام معروفاً (كمفاهيم الاستقلال، الحرية، التمتع بالحقوق القومية المشروعة) فإن الحركة القومية الكردية بقيت تعانى من أزمة فكرية فلسفية لكونها لا تملك فلسفة خاصة بها ولذلك أيضا فإنها بقيت تتأرجح بين الأفكار والمفاهيم الرجعية والليبرالية والاشتراكية والماركسية، ونشأت صراعات عنيفة فيها أثرت وبعمق على توحيد هذه الحركة.
إن الفكر القومي الكردي (ويسمى باللغة الكردية كورداية تي وتوازي ما اصطلح على تسميته فى الفكر القومى بالعروبة) له الإطار العام فقط، بينما التفاصيل يتناولها كل حزب أو حركة سياسية أو تجمع قومي حسب رؤيته الخاصة.
وهكذا فإنه لم يظهر مفكر قومي كردي يستطيع أن يبلور الإطار الفلسفي للحركة القومية الكردية، فبقيت تلك الحركة بيد قادة سياسيين يقودون أحزابا سياسية أو حركات ثورية أو انتفاضات شعبية(22).
ومن أهم هؤلاء القادة الذين ساهموا في دفع الحركة القومية الكردية نحو الأمام والتطور (حتى وإن لم يتمكنوا من تحقيق أهداف حركتهم):
الأمير بدر خان 1821الذي استمرت حركته للفترة من عام 1821 ولغاية العام 1847
الشيخ عبيد الله النهري واستمرت حركته للاعوام 1878 – 1883
الشيخ سعيد بيران 1925 (تركيا)
الجنرال إحسان باشا 1927 – 1930 (تركيا)
الشيخ محمود الحفيد وقاد حركات مسلحة في الاعوام 1918 ، 1920، 1923(العراق)
الشيخ أحمد البارزاني 1943 (العراق)
مصطفى البارزاني وقاد حركات مسلحة في الاعوام 1945و 1961 -1975 ( العراق)
القاضي محمد 1946-1947 (إيران)
وكذلك لعبت التنظيمات الكردية دورها في نشر الوعي القومي الكردي.
ومن أهم هذه التنظيمات السياسية القومية والوطنية( مع تواريخ تأسيسيها):
في تركيا:
جمعية تعالي وترقي الكرد 1908
حزب خويبون – الاستقلال 1927
حزب العمال الكردي وتأسس 1978
الحزب الديمقراطي الكردستاني 1965
في إيران:
جمعية كومه له ي زيانه وه ي كردستان – بعث كردستان 1942
الحزب الديمقراطي الكردستاني 1945
في العراق:
جمعية كردستان 1922
الحزب الشيوعي لكردستان العراق شورش – الثورة 1945
حزب رزكاري كورد – الخلاص الكردي 1945
الحزب الديمقراطي الكردستاني 1946
الاتحاد الوطني الكردستاني 1976[1]