العلاقات الحضارية بين الكورد الميديين والمصريون
ا . د . قاسم المندلاوي
الكورد الميديين الذين استوطنوا مناطق جبال زاكروس ، واسسوا اكبر امبراطورية ” 678 – 549 ق م ” بنو جسور العلاقات الطيبة مع قدماء مصرمنذ فجر التاريخ .. وتدل الاستكشافات الاثرية على اوجه التشابه بين حضارة الميدية و المصرية في مختلف الجوانب .. لقد اهتم الميديين بالاعداد البدني و القتالي و العسكري ، فهم اول من وضعوا قوانين الحرب في زمن القائد الميدي ” كياكسار ” عام 625 ق.م وقد قام هذا القائد بتقسيم الجيش الميدي الى اقسام وكل قسم منه يختص بنوع خاص من الاسلحة .. فالمشاة من حملة الرماح ، والمشاة من حملة السهام والفرسان ومجموعة اخرى من حملة السيوف .. ان هذا النظام و التنظيم الذي احدثه القائد ” كياكسار ” في صفوف الجيش الميدي بالاضافة الى تدريب قواته على افضل اشكال استعمال الاسلحة ، كان له دور كبير في تحقيق الانتصارات لدولة ميديا ” دياكونوف . م 1978 بيروت ” . لقد استفاد الميديين من خبرة واساليب الاشوريين في القتال وفي فنون حرب المشاة و حيل محاصرة القلاع .. كذلك استفادوا من اساليب ” الاسكيتين ” في فنون الفروسية و الدقة في استعمال السهام في القتال .. يذكر الاستاذ ” علي سامي ” في المجلد الثاني من كتابه ” المدينة الهخامنشيه ” ان علماء الاثار اكتشفوا في عام 1949 في كهف ” بيستون ” قرب مسلة بيستون الات مصنوعة من الحجر كالسهام ، و روؤس الرماح وسكاكين صخرية ذا حد واحد و ذو حدين والات خاصة بالشحذ تقدر قدمتها بين 30 الى 35 الف عام ، و يذكر المؤرخ ” مورتنس ” عالم الاثار بان هذه المجاميع من الالات الحجرية مشابهة للالات الحجرية التي تم اكتشافها سابقا في ” جه م بازار ” و ” اسكي كه له ك ” و ” بردابالكا ” الواقعة في جنوب كوردستان و يعود تاريخها الى العصر الجليدي ، وان قدمها هي 80 الى 100 الف عام ” جليل الفيلي 1999 السويد ” لقد اهتم الكورد الميديين بالمصارعة و المبارزة الى جانب فنون القتال ، و استخدموا الادوات والاحجار الثقيلة خلال التمرينات لاكتساب القوة وبناء الجسم ، كانت الدولة الميدية تنافس الدولة الاشورية ، لذا كان الاعداد القتالي و العسكري و التدريبات البدنية العنيفة عنصرا هاما في نظام حياة الجندي الميدي ” محمد امين زكي – خلاصة تاريخ الكرد وكردستان – بغداد 1961 ” يذكر الدكتور ” كراتكي فرنتيشيك استاذ مادة التاريخ الرياضي – كلية التربية الرياضية – براغ في مؤلفة – تاريخ الرياضة في العالم – 1962 ” .. لقد شمل برامج الاعداد البدني لدى الجندي الميدي تدريبات خاصة و شاقة على قدرة التحمل في الجري لمسافات طويلة والمشي عبر جبال عالية وشاهقة و تضاريس وعرة و غابات مكثفة بالاشجار و المخاطر و اجواء مناخية متنوعة ، فضلا عن تعليم و اتقان فنون الفروسية و الرماية و المبارزة … ” لقد استخدم الميديين السهام للهجوم على الاعداء ومحاولة السيطرة على المرتفعات و القلاع الحصينة .. وكان التدريب على السهام يشمل حيزا كبيرا في اعداد الجندي الميدي لمجابهة الحياة الاجتماعية و للدفاع ” جوزيف كليما – براغ 1963 ” كما استعملت العربات الحربية من قبل الميديين ، وهو علامة تقدمهم انذاك ، لان العربات الحربية لم تكن متوفرة في ذلك الزمان ” دياكونوف . م ” ميديا ” بيروت 1978 ” . ويعتبرالهوريين والميتانيين هم اول من ادخلوا العربات والخيول الى المنطقة و حتى مصر لاحقا واستخدموها في الصناعة الحربية . وفي تلالات ” تيرعستان ” في جبل بيستون – قرب مدينة ” كرماشان ” تم العثور على صورا للعربات الحربية مكتوبة ب “هيرودوت ” يعود الى زمن ” داريوس الاول ” كما عثر في ” اور ” من قبل البرفيسور ” وولي ” على الهياكل العظمية الخاصة بافراد الحاشية من الرجال و النساء وكذلك على المركبات وهياكل الثيران التي كانت تستعمل في الحروب الى جانب استعماله في الحفلات و المناسبات الترويحية و الالعاب الرياضية ، كذلك اهتم الكورد القدماء ايضا بالصناعات و الفنون اليدوية ، فقد عثر في ” شوش ” خلال التنقيبات الاثرية على اواني فخارية و اشكال هندسية وصور للاشجار و الطيور و الحيوانات و خاصة العنزة الجبلية تعود في قدمتها الى حوالي ” 4000 عام ق م ” وهي مشابهة للصور و النماذج المكتشفة في ” تل سيلك ” في – كاشان و كيان – في نهاوند ” عبد الجليل فيلي – نفس المصدر السابق ” وفي عامي 1920 و 1930 تم اكتشاف اثار في منطقة ” لورستان ” في ” هرسين ” على طريق ” كرماشان – خورم اباد ” مصنوعات يدوية نادرة مثل هياكل الانسان و العنزه الجبلية و النمر و الاسد و الثور والحصان و غير ذلك .. وهنالك معالم و المنقوشات الاثرية الميدية الايلامية العريقة تم اكتشافه في قبور ملوك الميديين التي تشير الى عصرهم الذهبي و تثبت على مدى التقدم الفني في ذلك العصر لدى الكورد ” المستشرق باسيل نكيتين – بغداد 1936 ” من جانب اخر فان قدماء الكورد اهتموا في فلسفة حياتهم ايضا الى الجانب الفني والترويحي من خلال ممارسة الفولكلور ” الرقص الشعبي التراثي ” و الغناء و الموسيقى والالعاب الرياضية ، كانت المرأة الكوردية تشاطر الرجل في كافة الانشطة و الاعمال الفنية و الترويحية ، فقد شاركت المرأة الكوردية في الرقص و الغناء و الموسيقى و الشعر وفي الخروج للطبيعة بهدف التسلية و الترويح النفسي ولا ننسى اهتمام الكورد ايضا بالجوانب التربوية والاخلاقية و الانسانية في تربية الصغار منذ المراحل الاولى من حياتهم .. اما قدماء مصر فقد اهتموا ايضا بالجوانب الفنية و بالرقص و التمارين البدنية و تمارين ” الاكروباتيك ” اي التمارين الارضية في المفهوم الحديث ” وكانت الرغبة شديدة لدى الشباب في ممارسة واتقان هاتين الفعاليتين ، وقد ادخلوا تمارين ” الاكروباتيك ” وتمارين تسلق الاعمدة والمرتفعات والمصارعة و المبارزة والفروسية في برامج الاعداد العسكري ، يقول البرفيسور” شاينر 1890″ براغ : .. ان قدماء مصر كانوا يمارسون المصارعة و تمارين الاكروباتيك بطريقة مشابهة لعصرنا هذا “، وفي مقابر ملوك الفراعنة و صحراء سيناء عثر على الكثير من الرسوم المنقوشه تدل على انواع مختلفة من الالعاب و التمارين كالرماية و المصارعة و حمل الاثقال و الرقص والمبارزة و الفروسية على الجمال و الخيول واللعب بالكرة والاحجار و العظام و العصا و قد اكتشف المؤرخ البرفيسور ” سيلابا 1921 براغ ” خلال دراسته للمنقوشات والرسوم و النحوت التي عثر عليها خلال التنقيبات المختلفة ان الفتاة المصرية كانت تمارس قبل اكثر من ” 4000عام ق م ” العابا مختلفة وبعدة كرات في وقت واحد ، وتدل هذه المنقوشات والرسوم على كيفية اللعب بالكرة كطريقة رميها بيد واحدة ومسكها بكلتا اليدين ، وكيفية ضربها ، وطريقة اللعب باربعة كرات ” ويظهر من الاستكشافات الاثرية انه كان هنالك قاعات رياضية خاصة لهذا الغرض وكانت الكرات التي عثر عليها مصنوعة من الطين والجلد محشوة بالشعر او الرمل ، ولا يزال القسم الكبير من هذه النماذج محفوظا في متحفي لندن و برلين . كان قدماء مصر مولعين بانواع مختلفة للالعاب بشعائرهم الدينية ، لان فلسفتهم في الحياة لم تكن من الفلسفات العميقة كما لم يكونوا قوما محبين للحرب ، بل كانوا مسالمين يحبون قضاء وقتهم بطرق سلمية ، ولعب الالعاب دورا مهما في حياتهم الاجتماعية ” زاهي حواس – الالعاب و التسلية و الترفيه عند المصري القديم – القاهرة 2011 ” ، فقد كانت السباحة شائعة في ذلك الوقت ، حيث شاركت المرأة و الرجل فيها ودلت الصور القديمة على انهم مارسوها على نطاق واسع ، وكانت المسابح موجودة في بيوت النبلاء ، كذلك عثر المنقبون ايضا على رسوم يشير الى المرأة وهي تمارس تمارينها على جهاز العارضة ، وكانت رياضة الاكروباتيك من الالعاب المشهورة حتى عند النساء ، وكانت الفتيات المصريات يمارسن تمارين بدنية بطريقة مشابهة لطريقة اليوم وكانت هناك مدارس خاصة لافراد الشعب يتعلمون فيها تمارين القوة والسرعة و المرونة و المصارعة و الرقص و الصيد و وجدت آثار تدل على انتشار الالعاب الصغيرة للاطفال ، كالتي يلعب بها الاطفال في الوقت الحاضر ولم يقتصر قدماء مصرعلى رياضة الكرة و الجمباز ، بل اهتموا بالمصارعة بشكل خاص ، حيث كانوا يطبقون اوضاعا مختلفة وكانت تجري بنظام و قواعد خاصة ، ولها حكام ، وقد وجدت آثار تمثل صورا لبعض مسكات المصارعة من وضع الوقوف وكان يشترط للفوز ان يجبر المغلوب على ان يضرب الارض 3 مرات ، كما هو معتاد الان وقد وجدت اثار تمثل صورا لبعض المسكات في المصارعة من وضع الوقوف واكد ” علي ابو دشيش – عضو اتحاد الاثريين المصريين في بحثه ” الفراعنة لعبوا المصارعة وحمل الاثقال وبرعوا في المبارزة #23-02-2018# … ان قدماء المصريين اهتموا اهتماما كبيرا بالرياضة البدنية حيث كشفت ” متون ” الاهرام عن وجود نوعين من الرياضة البدنية : نوع يسير خفيف الاداء كان الغرض منه الرشاقة و المتعة ، ونوع من الالعاب يستلزم اداؤها جهدا و مهارة كبيرة .. وقال ايضا .. انه من اهم الالعاب عند الفراعنة كانت المصارعة و حمل الاثقال و القفز و العدو و السباحة و التجديف و الرماية واكد ان مصر هي اول بلد في العالم نظمت دورة للالعاب الاولمبية فمنذ 2000 ق م نظم الفراعنة المسابقات الدولية بصفة دورية واول من اسس تلك الالعاب ” الملك رمسيس الاول ” … و ان المصارعة كانت من ضمن الالعاب التي اهتم بها المصريون القدماء بصفة خاصة واضاف ايضا الى ممارسة حمل الاثقال وقد برعوا في المبارزة و استخدام السلاح وكان المتسابقون يستخدمون عصى من الخشب تحمى اطرافها قطع من الرصاص مثل مباريات الشيش الحديثة و اوضح انه في مقابر ” بني حسن بالمنيا ” و مقبرة ” امنحتب ” حاكم الاقليم السادس في مصر العليا عثر على مجموعة من الرسوم التي تصور الرياضيين المصريين وهم يمارسون المصارعة الحرة و المبارزة و الرماية و رفع الاثقال و الملاكمة و الجمباز و الجري و غيرها من الالعاب و كانت هذه الالعاب تقام في الاحتفالات بمصر القديمة كما تبين من خلال قراءة النصوص المكتوبة على تلك الرسوم ” المصدر : علي ابو دشيش – الفراعنة اول من نظموا دورة الالعاب الاولمبية – القاهرة 2018 .. كما وان هذه الالعاب كانت جزء من حياتهم الدينية وفي ” تل العمارنه ” تم العثور على المؤشرات الفنية ” السومرية ” الطابع مثل رسم الثعابين المتشابكة وبطل بين اسدين التي وجدت على مقابض السكاكين المصرية ” الناضوري 1967 القاهرة ” و يستدل من الاثار المكتشفة في مصر على الارتباط القائم بين مدينة ” شوش ” عاصمة الكورد الايلاميين و بلاد مصر
[1]