جلجامش المقروء كرديا (حول ترجمة أ. دحام عبدالفتاح، نموذجاً) 1/2
ابراهيم محمود
تشكل قراءة الملحمة متعة لا تضاهيها متعة أخرى، من وجهة نظري، لأنها تضع القارىء في جو مختلف تاريخاً ومجتمعاً وتخيلاً، عما هو معاش واقعاً، إنها سيرورة الكائن في حياة لا تستعاد، بقدر ما يستفاد منها ودلالياً!ولملحمة جلجامش التي يعود تاريخها إلى قرابة خمسة آلاف عام، متعة مغايرة للكثير من الملاحم الأخرى، لاحتوائها على مزايا ملحمية إضافية، ولأنها قريبة منا جغرافياً وتاريخياً، من خلال الكثير مما تثيره، في نسيجها الأدبي الملحمي، أما قراءتها كردياً، ففي ذلك نكهة قائمة، لأنها تبرز فتنة الملحمة، جمالها في السرد الأدبي، استثارتها لذاكرة مكانية، وتذكيرها بأصول حكايات قارَّة في ذاكرتنا الجمعية والشعبية كردياً، ومدى إمكانية التفاعل والتواصل معها، بلغات شتى.
والاستاذ دحام عبدالفتاح، دخل معترك ترجمتها، أرادها بلسان كردي (باللهجة الكرمانجية، وبالحروف اللاتينية)، وقدمها في حلة كردية، باذلاً جهداً لافتاً، ليكون المنتصَر، كما هو المتصور: اللغة، وربما إرادة الإنسان في أن يبقى أطول مدة ممكنة، بطرق أخرى هنا.
صدرت الترجمة بطبعتها الأولى هكذا (Dastana GIL GA MÊŞ : ملحمة جلجاميش)، سنة 2006، في دهوك، والثانية، في ذات السنة، في ستانبول، باسم المعهد الكردي في آمد، وهذا يضفي على الملحمة، وعلى الترجمة معاً، بعداً تاريخياً وثقافياً واعتبارياً آخر طبعاً!
الكتاب يتكون من (128) صفحة، ثمة صفحة باسم المعهد المذكور، باعتبارها مقدمة ( Pêşek)، ومقدمة طويلة نسبياً، للمترجم نفسه، في ست وعشرين صفحة ( 7-32)، ليكون المخصص للملحمة (88) صفحة (33-120).
قراءة الملحمة، تتطلب تركيزاً مضاعفاً، لأن الترجمة تتعلق بملحمة، قيل، مثلما أثير حولها الكثير، والتفعيل هنا لم يتوقف بعد، لهذا تحتاج الترجمة هذه، بالمقابل، إلى الكثير من التأني في القراءة، ومتابعة كيفية التفاعل مع اللغة التي كتبَت بها أصلاً، واللغة التي ترجمت عنها هنا، وتلك التي قبلها، فثمة ترجمات تتابعية، وإشكاليتها لا تنكَر في الحالة هذه، من خلال اللغة ذاتها، والمترجم الوسيط، وبصدد الكردية ذاتها كذلك، للمزيد من الفائدة اللغوية والفقهية معاً.
ما يضاف إلى كل ذلك، هو حضور المترجم، بصفته أكثر من اعتباره مترجماً، إذ جاءت مقدمته تعرَف به باحثاً في التاريخ، وفيما هو انتروبولوجي، وناقداً، في الآن عينه، وهذا يصعّد من إشكالية الموقف مما هو مترجَم، كما تقول المقدمة مباشرة، وكيفية الدخول في المسبك التاريخي والثقافي لنص الملحمة الشائك تماماً.
إذ بغض النظر، عما يمكن التوقف عنده من ملاحظات في الحالتين، لا يخفى الجهد المبذول من قِبل الكاتب المترجم، في ممارسته اللغوية والأدبية، فهو ذاته ينم في الكتابة، عن شخصية شاعر، ولا يمكن ترجمة أي ملحمة، دون امتلاك ذائقة شعرية مطلوبة، وهو جهد محفوظٌ حقوقاً، ولكي يكون التفاعل في مستوى الجهد المبذول، وتكون اللغة المقروءة (الكردية)، في مستوى المأمول فائدةً، بغية تفعيل حدث الترجمة وما ثُبِت باسمها، لا بد من مكاشفة ثقافية، تنيرطقس الحدث المركَّب هذا، وأسميه طقساً، نظراً لقناعتي الراسخة، أن كل كتابة، هي توضعٌ طقسي، وأن ترجمة من هذا المأتي على ذكره، طقس عريق في تاريخه، ولعلي في محاولتي هذه: محاولة قرائية نقدية، سأتوقف عند أمرين اثنين: بصدد الوارد في المقدمة، وكيف تسللت المقدمة تلك إلى الكتاب، كيف انبت، كيف تمت صياغتها، ماذا قدمت وأخَّرت في مسعاها التعريفي الثقافي النقدي من جهتها. وحين أعتمد مفردة من نوع (تسللت)، فلأن علامة ما، ألسنية الطابع، تمنح الموسوم قيمة علائقية، هي إرسالية قيمة، مثلما أنها تضع القارىء، في نطاق المرسَل من جهة المترجم، باعتباره ناقداً هنا، وأي نوع من الوفاق يكون بينهما، وهما واحد في المحصّلة، دون التطابق بينهما تماماً. ففي ترجمة الكاتب ما هو لافت للنظر، في الكثير مما عالجه ودبجه لغوياً، وفي مقدمته ثمة الكثير مما هو لافت للنظر أيضاً، إنما في مسار معاكس للحالة الأولى، لأن بين التمكن اللغوي، والقدرة النقدية، مسافة، لا أظنها ممكنة القياس بسهولة، وهذا يدخَل العمل في مجموعه في نطاق مغامرة الكتابة ذاتها، وأظنها كذلك، طالما أن كل عبارة، تتطلب رهاناً على تصور لغوي دون آخر.
في مغامرتي النقدية هذه، سأخالف العرف المتداول كثيراً، حين أقف عند نص الترجمة بالذات، تاركاً شأن المقدمة إلى ما بعد، انطلاقاً من تصور مدروس، وهو أن التعرض للترجمة، وبالطريقة هذه، قد يكون مثمراً، في تحفيز القارىء، كما سيتضح لاحقاً، ليكون معايناً حقيقة المقدمة، وهو أكثر هدوءاً، أكثر قدرة على الانفتاح، والتهيؤ لما سيأتي بصدد الموضوع المثارً، كون المقدمة، وفي الطريقة التي تشكلت بها، تضع القارىء هذا، في إطار مغاير، في استعداده النفسي تماماً.
الدخول في النص:
الاستاذ دحام، يعتمد على ترجمة فراس السواح العربية، للنص الملحمي، بصورة رئيسة، كما ورد ذلك في المقدمة( ص 23)، دون أن يخفي استفادته من قراءات أخرى لذات الملحمة، بغية الاستنارة أكثر، من جهة الإحاطة بالنص،ولتأتي ترجمته أدق. ويمكن هنا النظر إلى نص دحام الكردي، مقابل نص السواح بالعربية (جلجامش) ملحمة الرافدين الخالدة: دراسة شاملة مع النصوص الكاملة وإعداد درامي)، وهو كتاب منشور عن دار علاء الدين، في دمشق، ط2، 2002، ولكن دحام، يستفيد أيضاً، من كتاب مترجمه الآخر، أعني السواح، وهو (كنوز الأعماق قراءة في ملحمة جلجامش)، ذلك الكتاب الصادر في نيقوسيا- قبرص، ط1، 1987، لأن ثمة ترجمة لاثني عشر لوحاً، في ترجمة دحام، وهذا الكم موجود في ترجمة السواح (كنوز الأعماق)، أما في الترجمة الأخرى، فثمة أحد عشر لوحاً، معتبراً أن اللوح الثاني عشر، لا يشكل (جزءاً عضوياً من السلسلة. ص 236)، طبعاً، يُذكَر هنا، أن هذا الكتاب هو الثالث، للسواح، والمتعلق بنص الملحمة، وهو يعتبر تطويراً لكل ما يخص النص السالف معنى ومفهوماً، وربما أمكن التذكير بما يتجاوز ذلك، من ناحية الاهتمام، كما في كتابه ( مدخل إلى نصوص الشرق القديم)، دار نشرعلاء الدين، دمشق،ط1، 2006 (ص: 278-307)، أما بالنسبة لدحام، فقد اعتمد على ذات النص الملحمي، في الترجمة الثانية، للسواح، وهي الموضحة أكثر في الثالثة، من ناحية الشروح والتعاريف، كما هو مقروء عند المترجم الكردي هنا.
كيف قارب دحام النص الملحمي، وفي ترجمته العربية، النص الوسيط هنا؟
حاول أن يقدم أقصى ما عنده، تلك هي حدوده الاجتهادية، كما هو المتلمَّس، في الكثير من العبارات، حيث لا تضيّع أثر الثقافة الذاتية والمعايشة اللغوية لما هو مفكَّر فيه هنا وهناك.
جميلة هي لغة الترجمة عنده، مطواعة، مرنة، وهي بذلك، تشكل ترجماناً حياً ناطقاً بخبرة قائمة، ولا يمكن التوقف عند أمثلة من هذا النوع، طالما أن ثمة الكثير مما هو مترجم، يدخل في هذا النطاق.
لكن، في منحى جمالية الترجمة، وطواعيتها ومرونتها، ثمة ما هو لافت، خلاف المرغوب فيه، حيث تبدو اللغة قلقة، مجانبة للصواب، التباسية، مراوحة بين مد وجزر في أمكنة مختلفة. وهنا يمكنني التحرك، وأنا أقابل بعضاً مما ورد في نصه، وما هو مأخوذ عنه، في نص السواح المترجَم أصلاً عما هو مترجَم بدوره، وهو (كنوز الأعماق)، من ناحية المتن!
إن تجلّي النص في فقرات مرقمة، يسهل مهمة المراجعة، وتسيير المقارنة، إذ الجمل تكون قصيرة، وإمكانية القراءة سهلة، رغم أن الحروف التي تشكل نص الترجمة الكردية، جاءت صغيرة، أما الشروحات فقد جاءت أكثر صغراً، ولا أدري أي حكمة في ذلك.
سأعمد، وبغية مقاربة ما أشرت إليه، إلى فرز ثلاث خانات: أبواب، لتكون القراءة أوضح:
أ- باب الالتباس وعدم الدقة:
أتحدث هنا، عن تلك الكلمات التي توضع ترجمة لها، ملتبسة، أو غير دقيقة، وخصوصاً، عندما تشترك أكثر من كلمة في معنى واحد، أو توضَع مفردة، كردياً، مقابل، عدة مفردات ، عربياً، رغم وجود البديل، إضافة إلى مسألة عدم الدقة، إلى جانب الملتبَس في المقروء النصي:
في النص العربي (أعني هنا: كنوز الأعماق، كما ذكرت)، وذلك في (ص:88)،الفقرتان (11-12)، ترد مفردة( انظر- وانظر): انظر، فجداره الخارجي يتوهج كالنحاس- وانظر، فعتباته (قد ارسيت) منذ القدم..
النظر هنا، أكثر من كونه حسياً، إنه مطلوب عقلياً، ودحام يضع مقابلهما معاً (temaşe bike)، دون أن يضيف في الثانية (û)، لتأكيد أهمية الموضوع، واستمرارية مؤثّره. هذه المفردة تقابل: النظر، ولكنه النظر الحسي، وهي أقرب إلى (تفرَّج)، والفرجة للمتعة خارجياً غالباً، ولهذا تكون مفردة (binêre) صائبة أكثر هنا.
واللافت هو أن المفردة تلك، تأتي مقابل (تفحَّص)، في ذات الصفحة (ف:17)، بينما الأدق هنا، وجود مفردة أخرى، كما في (pirave bike).
مقابل مفردة( نسل) في الصفحة (34)، الفقرة (33)، يستخدم (Ji pişta ) : لوجال بندا،أي (من صُلب..)، بينما في الصفحة (37)، الفقرة ( 35)، فيستخدم (neviyê: حفيد): ننورتا، والالتباس واضح.
في مجمل النص، يتم الخلط بين ما يخص (اليوم) و(الشمس)، ولا أظن أن ذلك بخاف على المترجم، لكنه يترجم الاثنين ب( roj)، كما في الصفحتين (94- 186)، في النص العربي، والمقابل كردياً، في الصفحتين (37- 88).
في ذات الصفحة (ف 39)، نقرأ عبارة: يرعى مع الغزلان، وتتكرر في الصفحة (98-ف 3)، لتأتي مفردة الغزلان مقابل الأولى (asikan- ص37)، ومقابل الأخرى (mambizan-ص38).
وفي الحالتين، تكون المفردة، مقابلة للغزال، ولكن لماذا التغيير، رغم شرح المعنى في الحالة الأولى؟ طالما أن مفردة (xezalan) مألوفة ومعبّرة.
وهذا ما نتلمسه، في مكان آخر، إنما بصيغة أخرى، حيث أن مفردة (çolan)، وهي جمع، توضع مقابل ثلاث مفردات في الصفحة (196، ف : 7-14-15)، وهي التالية: القفار- البراري- الفلاة، وكما هي واردة في النص المترجم (ص 94).
ففي البراري، من البر، ثمة( çol)، أما إزاء القفار، من القفر، وكذلك الفلاة فثمة (çolistan).
في النص العربي (ص 98- ف 11)، نقرأ: فإنه لمقاربك إذا رآك ! فتأتي العبارة هذه كردياً، وفي النص المترجَم (ص39- ف11): إذا رآك سوف يرتمي عليك ٍ:
Ku te bibîne ew ê xwe bavêje ser te
بينما الأقرب، هو: te bike ku te bibîne ew ê xwe nêzî
في الهامش الخامس (ص 59)، يعرّف المترجم الكردي مقياس المسافة الزمني والمكاني (الساعة المضاعفة)، عند البابليين، على أن الساعة الواحدة تساوي (102كم)، وهذا ليس صحيحاً طبعاً
إذ إن طه باقر في هامش ترجمته ل(ملحمة كلكامش)، وذلك في (ص 85)، على أنها تساوي( 10,8كم)، وعند فراس السواح، في ( مغامرة العقل الأولى، ط 1975)، وفي (ص 296)، على أنها تعادل (10كم)، وأظن أن الخلل هو في عدم التدقيق، ليس إلا، كما هو الملحوظ في الكتابة!
في النص العربي (ص105-ف 52)، نقرأ: [...] فليبتسم لي حظ عميق!
أما في المقابل الكردي (ص 42)، فنقرأ: [...] فليبتسم لي شمش جيداً.أي هكذا:
[...]EMŞ, bi min re baş bibiş ire Ş bila
ويبدو أن الخلل هو في مفردة( شمش): إله الشمس السومري،حيث أن المتوقع كردياً، هو في تجلي شمش، هكذا:şens ، رغم أن المفردة كتبَت بحروف كبيرة، دلالة على اسم العلم، أو خصوصية معينة، لا تفسير محدداً لها، وإلا، فما العلاقة بين المفردتين،دون احتمال من هذا النوع؟
في النص العربي ( ص 121- ف 18)، حيث الحديث يدور حول قوة حارس الغابة (حواوا)، نقرأ( وحواوا يزأر كعاصفة الطوفان)، ليأتي المقابل كردياً أقل دلالة بكثير من ذلك، ومختلاً في المعنى كذلك (وصراخ حواوا كموج الطوفان)، فنتذكر الوصف المقدَّم به جلجامش سابقاً، في قوته( كموج الطوفان)، والوارد في النص الكردي هناك (ص 51)، هو:
Û qîrîna HUWAWA tê de wekî pêla tofanê ye
إن مفردة (صراخ)، لا تؤدي المطلوب كلياً، عدا عن سلبية الصورة كقرين وصفي، بينما الدقيق هو كيفية تمثيل القوة الخارقة زثيراً (والزئير هو صوت الأسد)، والأسد كائن الغابة الأقوى، أي:
Û HUWAWA dinirîne wekî bahoza tofanê
وأنا أعتمد الفعل من الصوت: الزئير: nirîn، باعتباره في حالة استمرار! ويتكرر هذا لاحقاً(ص54)، مقابل النص العربي (ص 126).
ونقرأ أيضاً في النص المترجَم عنه (ص108-ف 34)، عبارة: حيث الحظائر..! ليأتي بالمقابل كردياً، إنما بعيداً عن الصورة الموجزة والمعبّرة هناك: guheran cihê mexel û (ص45)، بينما الأدق:
Cihê kozan، أو على الأقل، لا داعي لوضع المفردة الثانية هناك.
في النص العربي (ص 121- ف: 23- 24): نقرأ: انقضاض لا دافع له- ذلك [هو انقضاض] حواوا! ليكون اختلاف في المقابل لا تبرير له في النص الكردي( ص 52)، حيث مفردة (الانقضاض: xwedadanke) تستحيل (هجوماً: إغارة) في الثانية (êrîş).
في النص العربي (ص 123- ف :9- 13)، نقرأ : أراك خائفاً من الموت وما زلنا هنا- فإذا سقطتُ اصنع لنفسي شهرة.
أي أن المخاطَب هو صديقه، وهو الذي يجب أن يقوم بما يقال له.
تتعرض الفقرتان لخلل التحويل، في المقابل (ص 52):
أراك، خائفاً من الموت، وما زلت هنا:
Ez dibînim , hîn tu li vir î, tu ji mirinê ditirsî.
و: فإذا سقطتُ أصنعً لنفسي شهرة:
Heger ez mirim ezê navdariyekê ji xwe re çêbikim
في النص العربي (ص137)، يشير السواح، بعد (العمود الخامس)، إلى أن (البداية تالفة)، وليأتي الترقيم بدءاً من (39)، بينما المترجم الكردي، وفي أكثر من مرة، كما الحال هنا، يرقّم الملحوظة هذه، كما لو أن المرقَّم جزء من النص، وهذا إخلال بالنص، يجب التنبه له، كما في النص المقابل (ص60)، وبعبارة طويلة( لا تقرَأ السطور في بداية العمود)!
في النص العربي (ص 143- ف: 4- 15) ثمة فعلان (يرتعش- اهتزت)، حيث يأتي فعل واحد في المقابل كردياً (ص 63)، وهو (lerizandin)، أي (bilerize) و(lerizî)، رغم معرفة أن الأقرب إلى الفعل الثاني هو( hejiya).
يخاطب جلجامش عشتار،في النص العربي (ص 150- ف 44): تعالي أفضح لك حكايا عشاقك!
بينما في النص المترجَم كردياً، فثمة خلل ملحوظ: تعالي أظهر (أكشِف) حكايا عشاقك):
De were, ez ê çîrokên evîndarên te diyar bikim !
ولا أدري ما إذا كان المترجم قد التبس عليه المعنى من ناحية التفكير في فعل (أفصح)، بدلاً من (أفضح)!
وفي ذات الصفحة (ف 46)، نقرأ: على تموز ، زوجك الشاب! يأتي المقابل الكردي، أقل دقة ومعنى طبعاً: li ser DOMOZÎ, mêre xwe yê ciwan!
أي : على تموز زوج (ذاته) الشاب! والمطلوب هو (te) بدلاً من (xwe)!
ثمة مفردة، هي صفة للعدو، في النص العربي (ص 171- ف 7)، وهي (شيطاني)، تستحيل صفة أخرى، لها منحى أخلاقي في متخيَّل المترجم، وكأنه هو المعني بها مباشرة، أو ما هو مقدَّر عنه، إذ يوضع محلها ما يدل على (القذارة- النجاسة: çepel)، وهذا إخلال بمبدأ الترجمة التي يجب الحرص على دقتها.
وفي الصفحة التالية (ص 173- ف 22)، نقرأ: ويطرح عن جسمه [ثيابه] الجميلة. ليأتي المقابل مغايراً تماماً في النص المترجَم: شق ثيابه، ونزعها (كأنها اتسخت)، أي هكذا:
Çillên xwe çirrandin û ji xwe kirin, (weke ku gemarî bûbûn).
إن الخلل في النص واضح، من جهة الموقع والعلاقة طبعاً!
ب- باب الزيادة:
أشير هنا، إلى تصرف المترجم من جهته، بالنص، بوضع مفردة زائدة، وكان يمكن الاكتفاء بواحدة، وهذا من ناحيته، يربك النص، أو يوحي إلى أن المقابل هو هكذا كذلك:
في الصفحة (35)، يضع مقابل (النطوح) صفة للثور (qoçel ê poşan)، وكما وردت في النص العربي (ص 89- ف 28)، حيث تكفي الثانية،وهي الدالة على النطح، بينما الأولى فتدل على (القرون).
إزاء مفردة (الصعاب- ص 89)، يضع مفردتين، هما واحدة (asteng û tengavî-ص34).
يضع مقابل (وارتاد أصقاع الأرض بحثاً عن الحياة. ص90-ف 39)، جملة طويلة (وارتاد أصقاع العالم الأكثر بعداً، بحثاً عن الحياة الخالدة. ص36).
مقابل (بأس سلاحه بلا شبيه)، في النص العربي (ص91- ف9)، ثمة زيادة في المقابل كردياً (ص36- ف 9): بأس سلاحه الشديد وبلا شبيه :hempay hêza çeka wî tund û bê.
الفقرة( 31- ص 117): مخلوق فذ( أنت). وأمك... تكون في المقابل كردياً (ص 49):
(أنت) كرجل فذ ولا نظير له. وأمك..
في النص العربي (ص 128- ف 21)، نقرأ: لا تعتمد على قوتك يا جلجامش! وهو حديث موجَّه من شيوخ أوروك، إلى جلجامش، ليكون معتمداً على انكيدو بداية، لهذا يطالَب بأن يكون في أثره، حتى يكون الآخر حامياً له، وعند ظهور خطر ما، يكون المتعرض له انكيدو، كمضحٍّ هنا، بينما في النص الكردي (ص55)، فالمعنى جلي خلافاً، إذ يكون المطلوب هو أن يعتمد على انكيدو إضافة إلى قوته أولاً، وهذا تحريف، وذلك من خلال إيراد (فقط): لا تعتمد على قوتك وحدها (أو فقط)، يا جلجاميش:
Xwe nespêre hêza xwe tenê, Gilgamêşo!
إزاء الفقرة (19- ص 148)، من النص العربي: سيبز حمار أثقالك البغال! والمعنى واضح، من ناحية وصف حماره ذي الشهرة المتوقعة، أو المرسومة، في حمل الأثقال، على أنه أقوى من البغال، وبصيغة المبالغة، بينما في النص المترجَم كردياً، فالمفرد ينقلب جمعاً في (الحمار)، والصيغة تختلف: وحمير أثقالك ستسبق البغال.
ج- باب النقصان:
أتحدث هنا، عن أن ثمة كلمات، أو عبارات لم تترجَم ، أو بدت أنها غير مطلوبة للترجمة، وهذا يقلل من فاعلية الترجمة، ومن دقة المترجم، وشمولية إحاطته المطلوبة بنصه:
في الصفحة( 89- ف :32)، من النص العربي ثمة حديث عن وصف قوة جلجامش (وكموج الطوفان الصاخب..)، كما تم التذكير بذلك سالفاً، يأتي المقابل أقل من ذلك (وكأمواج الطوفان: û mina pêlên tofanê- ص35).
في الصفحة (91)، من الترجمة العربية، الفقرة (2): ما لجسمه من نظير! لا نجد مقابلاً، في النص المترجَم (ص36- ف 2)، إنما ثمة توزيع لعبارة الفقرة الأولى في فقرتين: ثلثاه إله- وثلثه بشر.
في ذات الصفحة (ف:14)، تصبح عبارة: وهو الراعي لأوروك المنيعة، في المقابل الكردي، في ذات الصفحة كذلك (ف: 14)، أيضاً: إنه راعي أوروك!
ومقابل (توجَّه)، الفعل الدال على مجموعة آلهة، في الصفحة ذاتها، يأتي الفعل الدال على المفرد، في الكردية، وهذا خلل، أي بدلاً من : gazî kirin، يأتي فعل: gazî kir، ولعل هذا الإجراء ملحوظ في الكثير من العبارات والجمل، كما في حال الجمع والمفرد، كما في الفقرة (30)، في الصفحة ذاتها، كذلك.
في النص العربي (ص 105- ف:17)، نقرأ: ننسون الحكيمة المحنكة بكل الأمور، قالت لجلجامش.
بينما في المقابل الكردي (ص 42)، فثمة نقص، أي دون (بكل الأمور)، هكذا:
NINSÛNa pendeyar û zîrek ji Gilgamêş re got!
في النص العربي، نقرأ في الصفحة (114- ف 25): البطل الكامل الوسامة، بينما يكون في المقابل كردياً: للبطل الوسيم (ص 48): ji qehremanê bedew re
الفقرة (20- ص 116): أمسك كل منهما الآخر! لا وجود لها في النص المقابل (ص 48)!
في النص العربي (ص145 – ف 17)، يأتي ذكر حواوا بالاسم : وضربَت عيني حواوا! بينما المترجِم الكردي، فيسقِط الاسم: وضربت عينيه !
في النص العربي (ص 189- ف14)، نقرأ: فقال له سورسنابي، قال لجلجامش! حيث لا وجود للفقرة هذه في النص المقابل (ص91)!....الخ.[1]