المرأة الكردية، رؤى وآفاق
#خالص مسور#
تشكل المرأة الكردية النصف الآخر من مجتمعها الكردي، وتتميز بصفات إيجابية عديدة، أبرزها الذكاء، والأخلاق والإخلاص للزوج ولعائلتها، وإذا تطلب الأمر فإنها تحارب إلى جانب الرجل دفاعاً عن شرفها وكرامتها ووطنها. ومنهن نساء شهيرات في التاريخ الكردي أمثال (روكسانا) ابنة الملك الميدي التي تزوجت الإسكندر المكدوني، و(حبسخاتون) زوجة الملك الكردي محمود الحفيد، ثم أميرة حلبجة (عادلة خاتون) زوجة عثمان باشا الجاف، وقد ذكرها الإنكليزي (ميجرسون) في مذكراته عام 1914م. و(ميتا خانم) زوجة القاضي محمد رئيس أول جمهورية كردية في مهاباد 1946م.
ومنهن سياسيات بارعات استطعن أن يبزن الرجال في أصعب المواقف واشهرهن (سعيدة مامه خاتون) و(كارة فاطمة) التي دافعت عن الأكراد ممثلة عنهم في محكمة استانبول عام 1856م. وهناك أميرات ومقاتلات قدن عشائرهن الى الحرب ضد الروس، ومنهن (مامه مريم) زوجة الشيخ محمد صادق النقشبندي التي دافعت بقوة عن موطنها نهرى عام 1916م. ومنهن من تولين الحكم في بلادهن ك (دولت خاتون) الفيلية التي تولت حكم لورستان الكبرى بعد مقتل زوجها عزالدين محمد عام 1705م (شرف نامة). – وهناك غيرهن الكثير حيث لا يحصرهن قلم ولا قرطاس.
إلا إن المرأة الكردية لا تزال تعيش في مرحلة لاتناسب وميزاتها الإنسانية في مجتمع متخلف هضمها الكثير من حقها وحقوقها، مما أدى إلى تهميش دورها في المجالات الإجتماعية، والإقتصادية، والسياسية، والثقافية...رغم تقدمها أشواطاً في كل من هذه المجالات، ألا أنها لا تزال تعيش متقوقعة على نفسها، بالإضافة إلى الإغتراب عن محيطها الإجتماعي.
وتأثرسلوكها وامكانياتها بالظروف القائمة التي ساهمت في تكريس هذا الواقع الشاذ الخاص بها، حيث لم يتسن للمرأة الكردية حتى اليوم احتلال مواقعها كشخصية لها حضورها في مجالات الحياة المختلفة، ويتم تقيمها من منطلق المفاهيم الذكورية وهي مفاهيم تتصف بالذاتية والبراغماتية والنفعية من جانب واحد أي لنصف المجتمع فقط، فإذا كان الرجل الكردي يعاني من اضطهاد واحد هو الإضطهاد القومي، فإنها تعاني من ثلاث اضطهادات كل واحدة منها أصعب من الاخرى، وهي اضطهاد مجتمعي، وأهلي، وقومي، ويعود هذا التخلف النسبي للمرأة الكردية في رأينا إلى النقاط التالية:
1 – ان المجتمعات الكردية ليست سيدة نفسها، إذ أنها تخضع لقوانين المجتمعات السائدة التي لا تراعي الخصوصية الكردية.
2 – البيئة البطريركة الأبوية المتخلفة، التي تعتبرجسد المرأة شرفاً للرجل ومنها كرامته، ولهذا فلا يحق لها الخروج أو العمل بدون أذن الرجل، لأن في ذلك مساس بكرامة العائلة ككل. ومأساة الفتاة الكردية التي قتلها والدها في السنوات الفائتة في السويد لهي خير شاهد على مانقول.
3 – النظرة الدونية إلى المرأة وتفضيل الأخوة الذكور عليها مهما اتصفت بالنباهة والعقل، فهي التي تجلب كأس الماء لأخيها مهما يصغرها وليس هو.
4 – انتشار نسبة الأمية والتسرب بينهن في المدارس وفي سن مبكرة من حياتهن.
5 – الزواج المبكر وإثقال كاهلها بأمورالزواج والولادات المتكررة.
6 – عدم توفير فرص العمل أمامها أسوة بالرجل.
إن تخلف المجتمع الكردستاني في جميع المجالات، وتحكم المفاهيم الدينية والعشائرية الإقطاعية فيه، أو في أغلبه أدى إلى وضع المرأة خارج إطار مجال التحرك الفكري للمجتمع، وإلى خلق جو من الخنوع والإذلال حولها، فالتزمت بيتها ونسقت من العمل المثمرخارجه، ولم تتوفر أمامها فرص الإنتساب إلى المدارس بالشكل المطلوب، مما أثر على مستوى تأهيلها العلمي والمهني وعدم صلاحيتها للعمل المتخصص، أو القدرة على منافسة الرجل خارج المنزل، لأن العمل المثمر الناتج عن التقدم الإقتصادي، هو أحد المكونات الأساسية لتحرير المرأة اليوم، ولذا وفي ظل الظروف الراهنة تكون هي الأقل شأناً من الرجل في مجتمعها، فهي الأرخص أجراً والأ بخس ثمناً، في أماكن العمل والمؤسسات الخاصة والعامة على السواء.
وبما أن معظم النساء الكرديات هن من منشأ ريفي، فإنهن كن على الدوام بعيدات عن المراكزالحضارية التي تتوفر فيها مؤسسات التعليم والخدمات الإجتماعية، فكن يعشن مع الزراعة وتربية الحيوان، ولم يتم تأهيلهن ثقافياً ناهيك عن عدم إلمامهن بأبسط قواعد اللغة الكردية، وحتى من سكن منهن المتربولات والحواضر،فقد انتزعن من جذورهن واعتدن التكلم بلغات الشعوب المجاورة، كما في المتربولات التركية مثلاً. ومن هنا نود الإشارة إلى نقطة هامة جداً تتعلق بالمرأة الكردية التي تعيش خارج مجتمعها وخاصة من يعشن منهن في تركية وأوربا، عليهن جميعاً أن ينظرن بمنظار الموضوعية إلى حياتهن العامة، ويتمسكن بالثوابت الكردية ويميزن على الدوام خصوصياتهن القومية، وتلقينها لأبنائهن جيلاُ بعد جيل، وأن لا ينجررن إلى الإنبهار بمدنية اقيمت على مفاهيم وتراث شعب معين هو غير الشعب الكردي، فيحتفظن بالصالح من هذا التراث في صدرهن ويضعن الفاسد منها جانباً، إذ ليس كل ما يلمع ذهباً. أي أن يطورن أنفسهن دائماً إلى الأمام على أساس راسخ الجذور من التراث الكردي العريق، والإقتباس من المدينة الغربية وعلومها وآدابها بما لايسيء إلى خصوصيتهن الثقافية والتراثية.
هذا ولا تزال المرأة الكردية العصا المكسورة في مجتمعها فالرجل ضدها ويقف أمام طموحاتها وإنسانيتها، وهي ضد نفسها كذلك فهي غير قادرة مع ثقافتها الناشئة على التمرد على واقعها المزري، بل رضيت بمصيرها ودونيتها ضمن إطار كل من العلاقات الإجتماعية الراسخة الجذور، حيث لا يزال يعيش المجتمع الكردستاني في مرحلة الإقطاع أو إن شئت بدء المرحلة البرجوازية. هذه العلاقات التي استطاعت أن تكرس الواقع المتخلف للمرأة وضعفها ودونيتها، لا بل قتلها تحت يافطة الشرف، فهي ترزح الآن تحت ثقل مفاهيم أيديولوجية تبريرية قائمة على تشيؤ المرأة ودورها في مجتمعها الكردستاني، وبالتالي دفعها إلى كنف زوج يسترعليها ويقيها من مآسي الزمان وغدره الذي لا يرحم من فاتهن قطار الزواج، وبذلك يساهم المجتمع بقوانينه البالية وتخلفة بتضيق الخناق على المرأة أو لجم مواهبها التي لا تقل بحال من الأحوال عن مواهب الرجل، وهو ما يؤثر سلباً على تنشئتها لأبنائها وتربيتهم التربية الوطنية المطلوبة. وهو ما يسهل عملية الاندماج في المجتمعات السائدة. ومن هنا تنبع الضرورة في تحرير المراة الكردية من قيودها التي فرضها الرجل عليها على أن يكون هذا التحرر ضمن إطارمن المسؤلية والمعقولية.
وهكذا فما نلحظه من اختلافات بين الجنسين في المجالات الاجتماعية والفكرية، أو في نسبة التعليم فمرد ذلك الى العوائق الإجتماعية أمام المرأة التي منعتها من الإحتكاك مع المؤسسات العلمية والإجتماعية، ومن المفاهيم التربوية الموجهة.
وليس ذلك – كما قلنا- براجع الى قلة ذكاءها وفهمها للأمور. حيث يقر كل من العالمين (يونغ) و (بييرداكو) بمساواة المراة بالرجل من حيث الذكاء. ومع هذا فنقول: أن وضع المرأة الكردية ليست قاتمة الى هذا الحد الذي قد نتصوره، حيث يقرالكثيرمن الباحثين المهتمين بالشؤن الكردية على أن المجتمع الكردي يعطي للمراة دوماً مكانة متميزة. فالمراة الكردية كانت ولاتزال تشارك الرجل في في ادارة شؤون البيت، والمشاركة في الحرب والفاع عن القبيلة، وفي الحقول والمراعي وما يترتب على ذلك من سفور وحرية التجوال، في أزقة القرية وساحاتها، والمشاركة في عقد الاجتماعات العامة وخاصة بين نساء الخواص، ثم الإدلاء برأيها في الحوادث المهمة. واليوم انخرطت المراة الكردية في صميم مجتمعها فاصبحت طبيبة، ومعلمة، ومحامية، وصحفية، ومقاتلة ...الخ. ويقول العلامة الروسي (مينورسكي) في كتابه ملاحظات وانطباعات: والنساء الكرد غيرمحجبات يجلسن مع الرجال بشجاعة وبدون استحياء، وغالباُ ما يشاركن الرجال في الحوار. هذا ورغم هذا الفضاء الذي تتحرك فيه المراة الكردية اليوم ألا أنها عجزت عن مجاراة الرجل في الجوانب الحقوقية والسياسية، رغم انخراطها في مجالات السياسة والحرب، فان التاثيرات الخارجية والداخلية العنيفة أدت الى تهميش دورها في الحياة العامة حتىاليوم، في مختلف المجالات وعلى أرض الواقع حيث عجزت ميكانيزما المجتمع الكردستاني عن تحريك هذا المجتمع والإعلاء من شأن المرأة في سياقات وظروف يمكن استغلالها، عندما تتوفر العزيمة الصادقة والشفافة في التفكير والتعامل الداخلي، وفي ظل خطاب سياسي وحضاري بدأ ينتاب المجتمع الكردي نتيجة انفتاحه على المجتمعات الأكثر تطورا وجدية في مسيرتها التاريخية، وضمن إطار ذهني عقلاني منفتح على الطرق الحضارية لمسيرة الشعوب وارتقائها، وهنا يمكن للمرأة الكردية أن تلجأ الى الإرتقاء بنفسها، بالتعاون مع الرجل في الإنتظام في مؤسسات المجتمع الكردستاني ومشاركتها في اتخاذ القرارات المتعلقة بها، واللجوء الى محاولات التوعية والتثقيف، وانتشال نفسها من الجهل والغرق في مستنقع الأمية، والدخول في ميادين العلم والعمل، حتى لاتبق عالة على الرجل من جهة ولتوسيع مداركها الفنية والتقنية من جهة أخرى.
أومساعدة زوجها في إعالة الأسرة، وتضافر جهودها مع جهود الرجل نحو تعزيز المشاركة في تنمية مجتمعها، والتقريب بين الجنسين في كل ما يخص العلاقات الاجتماعية والإدارية والحقوقية، والعمل على القضاء على الفقر ومشكلة المهوروالزواج وتوعية الآباء والأمهات، بان بناتهم لسن سلعا يعرضن في المزادات في أسواق الزواج، وعليهم تزويجهن لمن يرضون أخلاقه وعمله. وبرأيي أهم نقطة يجب التركيز عليها اليوم وفي الظروف الحالية، هو تعليم المراة ودعمها للحصول على الشهادات المتوسطة والعالية فالشهادة ضمان وأمان، وهي التي تؤهلها للإنخراط في العلاقات الاقتصادية الى جانب الرجل، والقضاء على جهل المرأة الأمية الذي يسبب ضياع الكثير من وقتها وقيمها الاجتماعية في الثرثرة، ودخولها في لعبة المهاترات مع أهل زوجها وجيرانها، وبالتالي مساهمتها في خلق أجواء من البلبلة والفوضى وعدم الاستقرار في العلاقات الاجتماعية ضمن العائلة الواحدة، لأن أمية المراة تضيق من سعة أفقها ونظرتها الى الحياة تكون قاصرة، ويضيع تفكيرها في الأمور التافهة، حيث لاتتعدى نطاق تفكيرها عائلتها وعائلة زوجها فقط، فيكون همها الأوحد الإيقاع بين أفرادها، بعكس المراة المتعلمة التي تهتم وتنشغل بالعلم، والسياسة، والأدب، والمجتمع وعلاقاته بالمجتمعات الاخرى، وبوضعها كإمراة تحترم نفسها ضمن مجتمعها، والإنشغال بقضايا رفيعة وأهداف سامية، فتصبح بذلك عضواُ نافعاُ لنفسها ولشعبها أيضاً، وتكون قادرة على تربية أطفالها على فضيلة الحب، والخير، والوطن.
فما هو واقع المرأة الكردية اليوم...؟.
جواباً على هذا نقول: أن المرأة الكردية تسير اليوم، بخطوت حثيثة وموزونة نحو الحرية والإنعتاق من محبسيها الإجتماعي والقومي، حيث حققت في الأول تقدماً، لكنها لاتزال تعاني من أسرالمحبس الآخر ومضايقاته، وفي هذا يشاركها الرجل أيضاً، لكنها في كلتا الحالتين تبدوأنها حرية من نوع معولم، خطية المسار وبدون لافتات إرشادية، مما أدى بالمراة الكردية هنا، إلى الإبتعاد - وبشكل مريع - عن تراثها العريق التي حافظت عليه الاجيال في الصدور وعلى الخصور، وخاصة في حالة المرأة التي تعيش في الخارج، وفي المدن الحضارية(المتروبولات) للشعوب التي يعيش الكرد بين ظهرانيها، وهي تسير بخطوات متسارعة نحو قيم ومفاهيم الحداثة( Modernity) دون الإستناد إلى مرجعية كردية، الأمر الذي يؤدي إلى فقدان المرأة لخصوصيتها الكردية، وانبهارها وانجرافها في غالب الأحيان- نحوالمظهر البراق للحداثة، وترك ما هو جوهري فيها، والسعي نحو الموديلات والتقليعات الحديثة، في ظل غياب برامج منهجية للتطوير والتحديث (Modernizatin) حيث بدت تستوحي معظم الأشياء من الخارج، سواء في داخل الوطن أم خارجه، وهذا يعود – بالدرجة الأولى- إلى أن الشعب الكردي ليس سيد نفسه بعد، فلم يستطع تربية المرأة، تربية وطنية كردية صحيحة إلا ما كانت تتلقى منها في البيت وحده، لدى الأحزاب الكردية جزء منه، وحتى هذه فقد حوصرت في إطار ضيق ومحدود، بالمقارنة بما تتلقاه من المدرسة والأقران من الشعوب الاخرى، أي أن المرأة الكردية تأخذ الكثير من مفاهيمها التربوية، من الاقوام التي يعيش الكرد بين ظهرانيهم، فتتكلم لغتهم، وتتخلق بأخلاقهم، وتتزيا بزيهم، وتأخذ الكثير من قيمهم ومفاهيمهم أيضاً.
وفي النظام البطريركي السائد في المجتمع الكردي، يتم استغلال المراة سياسياً واجتماعياً واقتصادياً بالإكراه وتحت ضغط العادات والتقاليد، وفي كثير من الأحيان يتم اللجوء إلى استغلال العقائد الدينية، لشرعنة انتهاك حقوق المرأة الإنسانية، وتفشي وتبرير حالات المسكوت عنه اجتماعياً، ويعتبر الرجل الطرف العقلاني المنضبط والمحافظ على القيم الاخلاقية في هذا المجتمع الأبوي ، بينما المرأة هي عاطفية وتتحكم بها نزواتها الجنسية، حتى بات لدينا الكثير من القصص الفولوكلورية للتندر على شهوانية المرأة وجنسانيتها في المجتمع، مع العلم أن الوقائع تثبت إنضباطية المرأة الكردية أكثر - وبما لاتقاس- من نساء الشعوب المجاورة، وعزوفها عن الإقدام على التابوهات الأخلاقية أكثر من الرجل ذاته بكثير، ومع هذا يتم دوماً تبرير وصاية الرجل على المرأة، فيتم تناولها وفق خطاب ثقافي اجتماعي ومفاهيمي قار ومتحجر، تعجز فيه المراة دوماً عن الدفاع عن نفسها بالشكل المطلوب، ولكن المراة الكردية - وكما قلنا- بدأت تفك طوق العزلة المفروض عليها بقفزات متلاحقة، ولكنها قفزات قد تبدو غير طبيعية وغير موزونة في الكثير من معالمها، فافتقدت معها الكثير من أصالتها وقيمها الكردية، وتحولت نحو التقليد أكثر منها نحو التطور المتزن، وهذا بعكس الشعوب التي يعيش الأكراد بين ظهرانيهم، من عربية، وفارسية، وتركية، والتي تستميت في إمداد نسائها ومجتمعاتها، بنسغ من قيمها وتراثها، عن طريق تدريس تاريخها والمطبوعات العلمية التوجيهية والتراثية وغير التراثية، التي تصدرها بين الفينة والأخرى، مما مكنها ذلك من الحفاظ على إنقاذ ما يمكن انقاذه من أصالتها، وتراثها، تاريخها، والتقليل من الإنجراف، وراء التقليعات التي لاطائل من ورائها، بينما المرأة الكردية بقيت محرومة من ذلك وانجذبت بشكل عام نحو النقل والتقليد، ولم تستطع التوجه نحو العلم، والحصول على الشهادات العليا بشكل كاف لافي الداخل ولا في الخارج، بسبب عدم فسح المجال أمامها كالبعثات الخارجية وفتح المعاهد والجامعات في بلادها، وتجريدها من الجنسية...الخ. أسوة بزميلتها العربية أو التركية والفارسية، هذا الأمر أدى إلى التضييق على ذهنية المرأة الكردية، وجعلها تفتقر إلى التخييل الإستيراتيجي البعيد المدى في الفكر السياسي والإجتماعي بشكل خاص، ولا أعتقد أن للأحزاب الكردية دور يذكر في تخلف المراة الكردية، كما ذكره الإستاذ حواس محمود، فهذه الأحزاب لها دور ثانوي وغير أساسي في ذلك، لأنها لاتملك أموالاً كافية، ولا مؤسسات تعليمية، ولاكوادر علمية مؤهلة، وتعاني بدورها من القمع والإضطهاد المسلطين عليها، ولكني أعتقد بأن هذا يعود بالإضافة إلى ماذكرناه من العوامل، يمكن أن نعدد عوامل أخرى منها:
1- الوضع الإقتصادي والإجتماعي المترديين للعائلة الكردية، وتحكم العادات والتقاليد البالية في المناطق الكردية أو في معظمها، وعدم انفتاح أبواب العمل أمام المرأة لعدم وجود معامل في المناطق الكردية، وللمضايقات السياسية في ذلك، لأن بالعمل تتطور المرأة وتستقل عن نفقات الرجل وسطوته، ثم بعد الجامعات الرسمية بالنسبة لمناطق المرأة الكردية وخاصة في سورية، بالإضافة إلى تعرضها لتأثير ثلاث مرجعيات قيمية متباينة فيما بينها، وهي المرجعية البيتية، والمحلية للشعب الآخر(العربية الفارسية والتركية)، ثم المرجعية الخارجية(الأوربية)، مما يؤدي إلى حالة من التشظي القيمي والمفاهيمي لدى المراة الكردية، والمهاجرات منهن إلى خارج أوطانهن بشكل خاص.
2- العنوسة التي بدأت تتفشى بقوة بين الفتيات الكرد، بسبب هجرة الشباب إلى الخارج، أو عزوف الكثيرين ممن بقوا في الداخل عن الزواج إنتظاراً للرحيل أيضاً، مما خلق ذلك حالة من القلق، والإرباك، والخوف، من المستقبل لدى الفتيات الكرد، ومن عدم الزواج في مجتمع، ليس للفتاة العانس فيه مكانة محترمة.
3- زواج الشباب المهاجرين من أجنبيات، أدى إلى انتشار ظاهرتين سلبيتين، الأولى، هي الإخلال بالتوازن القائم بين نسبة الذكور والإناث في المجتمع الكردي، أي زيادة عدد الإناث عن عدد الذكور في الداخل حصراً، والثانية ظهور مشاكل عدم الإنسجام بين الشاب الكرد وزوجاتهم الأجنبيات، مما يؤدي في أغلب الحالات إلى الطلاق المبكر، واستحواذ الزوجة الأجنبية المطلقة على الأولاد، وتربيتهم بعيداً عن آبائهم الكرد، فينسون لغتهم وكرديتهم، وحتى إذا ما عرفوا أنهم أكراداً، فلن يستسيغوا كرديتهم في مجتمع أوربي منفتح، ومجمل هذه الأمور قد تؤدي إلى ظاهرة نقص عدد المواليد الكرد، حسب قوانين إحصاءات السكان والنمو السكاني.
4- إن البقية الباقية من الزيجات الناجحة، والتي يبقى فيها الأب على رأس أسرته وأولاده من زوجة أجنبية، فإن هؤلاء الأولاد يتربون في احضان أمهاتهم في دول المهجر، ويكونوا - إلا في النادر من الحالات- عديمي الإهتمام، بالحالة الكردية وقضاياهم المصيرية.
ومن الملاحظ بشكل عام، عدم توجه المرأة الكردية في الخارج نحو الدراسة، واستغلال وجودها بجوار أرقى الجامعات الأجنبية، لتحصل منها على شهادات عليا تخدم بها وطنها وشعبها، ولكن شيء من ذلك لم يحصل إلا بشكل زهيد وغير كاف، وأعتقد أن الأمر يعود هنا، إلى عدم تشجيع الأهل لهن، وعدم شعورهم بالحاجة إلى دراستهن، نظراً للأموال التي توفرت لدى بعضهم، وعدم الخوف من المستقبل، أو أن هناك الفقر لدى البعض الآخر منهم، ممن لايستطيعون تعليم بناتهم بالشكل المرغوب والمطلوب، وكثيرون منهم يستفيدون من عملهن في المعامل والمصانع الأوربية.
[1]