إضاءات في الميثولوجيا الكردية.. بحث في الميثولوجيا الإجتماعية
#خالص مسور#
الأساطيرهي قصص نبتت في مخيلة الإنسان يإيحاءات من الظواهر الطبيعية والإجتماعية والإقتصادية، أي أنها في معظمها عبارة عن تفسير لظواهر طبيعية كالبراكين، والزلازل، والرعود، والبروق، والحرائق، وعوالم ماوراء الطبيعية(ميتا فيزيقية)...الخ. حيث عجز الإنسان البدائي عن تفسيرها إلا بهذه الطريقة اللاعلمية وغير المنطقية. وهي تعيد في غالب الأحيان إحياء لوحة اجتماعية مفقودة، عن حالة المجتمعات الدينية والإجتماعية والإقتصادية على شكل حكاية مقدسة كما يقول السواح أوغير مقدسة كما نذهب إليه.
كان الإغريق القدماء ينعتون الإسطورة ب( (Mythoiأو الإسطورة، والميثولوجيا تعني – فيما تعنيه- القصص والحكايات التي تتوارثها الأجيال لشعب من الشعوب، للتعبير عن حلم هذا الشعب وخياله المحلق في فضاءات بيئاتها الطبيعية والإجتماعية الأثيرة.
وبمعنى آخر أي فإن الإسطورة هي لوحة لمرحلة إنفصال الإنسان عن الطبيعة لكبح جماح الغرائزفيه، والتحول من الفردانية نحو الحياة الإجتماعية وتبلور القيم الإنسانية وتحقيق فضيلة الإيثار والتضحية من أجل الآخرين. بالإضافة إلى المحافظة على الإستقرار والتوازن في النفوس البشرية. ومن جانب آخر فإن الإسطورة بما تحمله من معان هي إنفصال بين العقلاني واللاعقلاني في المجتمع البشري، أنها محاولة تنويرية للإنسان والقول بأنه غير تلك الطبيعة العمياء، وأنه يمكن تسخير الطبيعة لفائدة الإنسان.
ولكل إسطورة جانبين هما الجانب المدروس والمتعمد، والذي يعبر عن تصويرنمط الحياة وأسلوب المعيشة للفرد والجماعات حسب رؤية الإنسان البدائي لها، وهي نقيض الفكرالعلمي تماماً. ثم الجانب العفوي الذي يرد خلال نشاة الإسطورة ذاتها ويمكن اسنخلاص الكثير من اللوحات الحياتية منها وعلى طريقة النقد الحديث النص وموت المؤلف. وسنرى ذلك لاحقاً وبالتفصيل. وقد استطاع الإنسان أن يقنع نفسه بتفسيراته والتي – كما قلنا- بأنها أعطته شيئاً من الإستقراروالراحة النفسية والذهنية في مواجهة رهبة الطبيعة والموت، وتحريضاً قوياً لمحاولة إخضاع الطبيعة وترويضها لمشيئته وإرادته، وإضفاء الحياة على الطبيعة والصخر والحجر. وفي هذا يقول عالم الإنتروبولجيا الشهير (آشيلي مونتاجيو): (وأساطير الإنسان توضح فعل الخيال على المواد الخام، وتحويل هذه الأخيرة بواسطة خيال ناتج عن التفكير يمليه التمني إلى تفسيرات مقبولة وتعليلات مطئنة) ص 213. هذا وبما أن الأسطورة لها علاقة بتفسير وتعليل ظواهرالكون انطلاقاً من الرغبة في التحكم به وبما فيه فلابد من القول: بأن أساطير كل شعب من الشعوب انطلقت ونشأت بتأثير بيئاتها الطبيعية - الإجتماعية الخاصة بها، ثم لتصبح قيمة اجتماعية أو شعائر دينية وطقسية تنتقل عبر الأجيال المتعاقبة وإنما مع إضافات وتحوير حسب العصر الذي استقر فيه، كما تنقل نظرة المجتمع إلى الحياة والتفكير السائد فيها وهي تساهم في تكوين المجتمعات وأنماط معينة من المعيشة وتلقنهم ثقافتها وعاداتها وتقاليدها.
ولكل شعب من الشعوب أساطيره وخياراته الخاصة بها يشكل جانباً هاماً من تراثه على الرغم من اقتباس الشعوب من بعضها البعض، فأصبحت بعضها عالمية الطابع أو لها صبغة إقليمية واضحة، إلا أن كل شعب يحاول أن يضفي عليها نوعاً من خصوصياته ويبرر بها بما يوافق عقول أبنائه وبيئاته الإجتماعية والطبيعية. وفي هذا يقول هارل. شابيرو(الاساطير هي القصص التي تماثل الطقوس، وتتأكد فيها مؤسسات المجتمع وتوقعات بشكل مسرحي شيق في صيغة تلاوة). ثم يتابع القول: (وماهي إلا أشكال تقليدية وجماعية يذكر شعب من الشعوب بنفسه من خلالها بما هو مهم بالنسبة إليه فهي إماءات يقوم بها شعب لنفسه).
فمثلاً هناك تشابه كبير من حيث المغزى والهدف، بين إسطورية للهنود الحمر وأخرى كردية.
ويورد البروفسور) (Lowi لوي، عن هنود الكرو (Grew)في أمريكا أسطورة بالشكل التالي: يصعد الجندي الذي يريد تطهير نفسه إلى قمة جبل منعزل ليصوم عن الطعام والشراب وليتدرب هناك... وينهض مع طلوع النهار يتوجه نحو المشرق عندما تطلع الشمس، ويضع سبابة يده اليسرى على عصا ويقطع منها سلاميته، ويضعها على جلد جاموس يرفعها بوجه الشمس مخاطباً إياها، ياعم من أحد عشر آنية أنت تراني إنني بحالة يرثى لها هذا جزء من جسدي أقدمه إليك واعطني شيئاً مفيداً. أي أن الهندي الأحمر يقدم جزءاً من جسده لما يمكن أن نسميه بإله الشمس، ليعطيه مقابله شيئاً ينفعه ويفيده. وإن كان يقول (دور كهايم): يعتقد البعض بأن تقديم الذبائح هو محاولة لتوطيد الصلة بين المقدس والمدنس أو الرجس. ويعتقد أن تقديم السن الذهبية أو السلامية للشمس هونوع من بقايا عادة تقديم الاضاحي البشرية التي كانت تقدمها الشعوب للآلهة، وقد اختصرت هنا في جزء من جسد الإنسان لا كله. وربما كان ذلك بعد أن ازداد الوعي البشري لدى تلك الشعوب فكفت عن عادة تقديم الأضاحي البشرية، واكتفت بجزء منه للتقرب من الإله كما هو اليوم في تطهيرالأطفال مثلاً. ومن الغريب أن نشاهد إسطورة موازية تنتشر بين الكرد حتى اليوم وبنفس الفكرة تقريباً. والإسطورة الكردية الموازية لإسطورة الهنود الحمر هي، أن الكرد يعلمون أطفالهم الصغار وفي سن معينة، بأنه إذا ما سقطت لهم سن من أسنان الحليب، أن يحملوها متوجهين بها نحو الشمس كما يفعل هنود الكرو تماماً، وأن يطلبوا عوضاً عنها سناً ذهبية جميلة مغزولة بلون الشمس، ويأتي الطلب في بضع جمل موزونة ومقفاة فيقولون ) (Rokê rokê ji te diranekî kerînî ka yekî zêrînî أي أيتها الشمس خذي سناً كسن الحمار وامنحيني سناً ذهبية.
وهنا يتبادر على الذهن سؤوال هام وأساسي في سياق الموضوع وهو، هل كانت لدى الكرد أيضاً وفي العصور الغابرة عادة تقديم الأضاحي؟ قد نقول وبكثيرمن الإحتمال نعم كانت العادة منتشرة بينهم أيضاَ، ويكاد يكون من المؤكد أن نبي الله ابراهيم كان يسكن منطقة سكانها من الكرد في منطقة اورفة الحالية، في وقت كانت فيه المفاهيم الدينية لشعوب بلاد الرافدين متقاربة، وعادة تقديم الأضاحي منتشرة فيها. ولذلك كان ابراهيم أول من حرم هذه العادة البشرية المقززة بإيحاء من ربه في منطقة كردستان منذ ما يقرب من أربعة آلاف عام مضت، عندما هم بذبح ولده اسماعيل حسب الرواية القرآنية واسحاق حسب الرواية التوراة، ولكن فداه الله بذبح عظيم(وفديناه بذبح عظيم) الصافات-107. وبخلاف ما يقوله تركي علي الربيعو الذي يذهب إلى القول: بأن تقبل قربان هابيل الراعي وعدم تقبل قربان قابيل المزارع من قبل الله، يدل على بداية إبطال عادة تقديم الضحايا البشرية في المنطقة، ولكني أذهب إلى أن هذا التفسير فيه الكثير من السذاجة والسطحية، لأن معنى تقبل قربان هابيل الراعي يرمز وبجلاء، إلى انتصار الرعاة من بني إسرائيل على مزارعي بلاد الرافدين، حيث كان الصراع على الدوام محتدماً ومنذ القديم بين الرعاة والمزارعين في الشرق الأدنى القديم، والذي استمر حتى يومنا هذا.
وكلنا يدرك الصراعات التي تجري في مواسم حصاد القمح بين مزارعي الجزيرة ورعاة البادية اليوم، وبما أن بنو إسرائيل الذين ظهرت الإسطورة بينهم كانوا رعاة فأصبحوا بهذا القربان من المقربين من الله(يهوه)، والآخرون هم منبوذون منه، وليبرهنوا بهذا الشكل أنهم شعب الله المختار بدون منازع، ولهذا نقول: أن عادة تقديم الأضاحي أبطلها النبي ابراهيم بفدية الكبش، بالإضافة إلى أن أبناء آدم لم يكونوا كثيرين ولم تكن السنون قد طالت بهم على الأرض بعد حتى تبدأ العادة وتنتهي في غضون جيل واحد لاغير. وهنا نعود إلى القول ثانية: بأنه لايستبعد أن تكون عادة تقديم الاضاحي كانت منتشرة وشائعة في مناطق الكرد أيضاً، هذا إذا استبعدنا المصادر الكردية التي تعتبر ابراهيم نفسه كردياً من منطقة أورفة أو الرها الحالية. وأن قذف السن هنا لدى الأطفال الكرد هو تعويض عن التضحية بالجسد كله لإله الشمس التي كان الأكراد يعبدونه مع النبي ابراهيم والذي ورد في القرآن الكريم على لسانه قوله: (فلما رآى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبرفلما أفلت قال ياقوم إني بريء مما تشركون) الأنعام- 76. وهكذا ندرك بان التضحية بالسن لدى الطفل الكردي، قد ترمزإلى جذور عادة موغلة في القدم كما ألمحنا سابقاً، وتشبه عادة تقديم الأضاحي على مذبح الآلهة كما هو الشأن التضحية بسلامية السبابة لدى هنود الكرو تماماً. ولكن كيف أتى التشابه بين هاتين الإسطورتين رغم مابين الشعبين من مسافات وبعاد، ذلك ما تفسره لنا نظرية كلود ليفي شتراوس القائلة بنشوء مفاهيم بشرية متشابهة في بيئات طبيعية متشابهة أيضاً.
وبهذا الشكل قد ننظراليوم إلى الإسطورة على أنها تحكي حدثاً تاريخياً صحيحاً وإنما بكثير من المبالغة والتهويل. يقول يوليوس ليبس – في كتابه بدايات الثقافة الانسانية و أصل الاشياء (إن الأساطير التي ابدعها وحافظ عليها خيال الشعوب، التي ليس لها تاريخ مكتوب،عبارة عن محيط مليء بالجواهر، وما طغت على سطحه سوى جزء يسير مما يختزن في أعماقه) ص- 370. ويقول فراس السواح في كتابه الاسطورة والمعنى ص-14.(ان الاسطورة هي حكاية مقدسة، ذات مضمون عميق، يشف عن معاني ذات صلة بالكون والوجود وحياة االإنسان)
ويقول فراس السواح أيضاً: إن الإسطورة ليس لها راو محدد، وإنما انبثقت من الخيال الشعبي. ولا أعتقد أن ذلك صحيحاً بما فيه الكفاية، وأعتقد أن الإسطورة لها راو بدئي محدد، ولكن جاء الخيال الشعبي فيما بعد ليضفي إليها المزيد والمزيد مع مرور الزمن، حتى تسلمها الكهنة في الأديان الحضارات القديمة وأصبحوا القيميين عليها. وكانوا ينشدونها في الأعياد والمناسبات. كما لا أعتقد أن الإسطورة تحكي فقط تاريخ الآلهة كما يقول السواح، بل هناك أساطير لاتلعب فيها الآلهة دوراً يذكر، مثل الإسطورة الكردية لماذا يميل جبل جودي.
وبذلك يمكن أن أقسم الإسطورة إلى
1- إسطورة التفسير
2- إسطورة التنظيم الإجتماعي والجنسي
3- الإسطورة الدينية
4- الاسطورة الاقتصادية
أما إسطورة التفسير فهي تفسر ظواهرالطبيعة التي وقف الإنسان البدائي أمامها مدهوشاً ولايعرف لكنهها سبباً. ومن أمثلة اساطير التفسير – الثور وقرنيه والزلزال الأرضي— والإسطورة الكردية التي تفسر ظاهرة اللطخات العاتمة على وجه القمر. أما مثال عن إسطورة التنظيم الاجتماعي، فهي اللعنات الفراعنة واللعنات على الضرائح والأنصاب لمنع الناس من التقرب منها وتهديمها وكذلك إسطورة معبد بابل وغيرها. أما الأساطيرالدينية فهي الإسطورة المصرية عن الإله أوزوريس إله العالم السفلي الذي يضع الموزين بالقسط ليوم القيامة، وكذلك إسطورة آدابا البابلية الشهيرة.
أما الأساطيرالإقتصادية فهي التي تجلب بها منافع اقتصادية، مثل التضحية بفتاة لنهرالنيل كل عام لزيادة الفيضانات وخصب الأرض المحيطة بالنهر. بذلك تنقل الإسطورة لنا أحداثاً فريداً من نوعه منذ آلآف السنين وإلى اليوم، وتبدو أنها لاتمحى بسهولة مع الزمن نظراً لديناميكيتها وحركيتها وقدسيتها في الأذهان والقلوب.
وهنا سنأتي إلى بعض الأساطير الكردية لنحلل ونشرح حسب علمنا وإدراكنا لمغزاها ومعناها، لأن الاساطير لاتروى فقط للتسلية والمتعة، بل – كما قلنا - أن وراء كل إسطورة تاريخ وحكايات ترمز على ماض تولى وحاضر مازال يتوالى. فمثلاً في الإسطورة الكردية الشهيرة والشيقة والتي وضعت لها عنواناً شيقاً أيضاً هو:
(Rok û heyv du hewîbûn li ezmana)
1- الشمس والقمر ضرتان في السماء:
تقول الإسطورة: في غابر الأزمان، كانت الشمس والقمر ضرتين ولهما زوج واحد، وكان القمر أشد ضياء وجمالاً من الشمس، ولذا فقد كانت الشمس تغار منه وتكيد له المكائد بمناسبة ودونها، وفي إحدى المرات وبينما كانت الشمس تعجن في بيتها، وإذ بالقمر يدخل عليها من الباب، ولفرط ضياء القمر فقد غشي على عيني الشمس واختفى ضوءها أمام ضوء القمر الساطع، فأخذتها غيرة شديدة من ضرتها الحسناء، فرفعت الشمس على الفور كتلة من العجين لطخت بها وجه القمر، فتشوه وجهه الجميل واختفى قسم من ضيائه الذي كان يتباها بها على الضرة الحاقدة، وإلى اليوم يرى الناظر إلى القمر بوضوح آثار لطخات العجين السوداء على وجهه، وخاصة في الأيام التي يكون فيها بدراً كامل الإستدارة.
التحليل والإستنتاج:
جمال الشمس والقمر- ظاهرة الضرائر – تعدد الزوجات 3- المجتمع الذكوري- معاناة المرأة من الضرائر 5- تفسير ظاهرة اللطخات (الفكرة الرئيسية) – الإنقلاب على المجنمع الأنثوي وظهور عبادة الشمس- إنقسام العمل بين المرأة والرجل- واسم القمر مشتق من(hêvî) أي الأمل.
وهناك إسطورة تفسيرية مشابهة لدى سكان جزيرة الدومينيك وفيها يعتقد السكان، أن القمر شاب هرب إلى السماء بعد أن ارتكب إثم الزنى مع أخته. وإن آثار نسغ النبات الأسود الذي لطخ الناس به وجهه عندما قام بزيارته الليلية تلك لخليلته، ماتزال واضحة على وجهه القذر. وما يفيدنا به العلم حول ذلك، هو أن المناطق العاتمة على سطح القمر هي السهول القمرية وفوهات البراكين، بينما الأماكن النيرة هي مناطق الجبال القمرية.
2- لماذا يميل قمة جبل جودي؟
يتناقل الأكراد في مأثوراتهم الشعبية، إسطورة ميلان قمة جبل جودي في عبارة شهيرة تقول: (أن رأس جبل جودي مائل بسبب مكر النساء)، تقول الإسطورة:
شك رجل في نزاهة زوجته، وأحس بأنها تخونه مع رجل آخرغيره، وفي أحد الأيام، وبينما كانت الزوجة منهكة في عمل البيت، استدعاها الزوج إلى جلسة خاصة معه، ولما جلسا فاتحها بالأمر المنكر الذي جعلها حديث الناس، وموضع الشبهة والقيل والقال، ولكنها أنكرت التهمة على نفسها ورفضت الإقرار بالذنب، إلا أن الزوج ولكي يتأكد من براءتها، وليطمئن قلبه ويبعد عن نفسه الشكوك والوساوس التي أقضت مضجعه ونغصت عليه حياته، قررأن يصحبها إلى قبر أومزار أحد أولياء الله الصالحين، ولتحلف له بهذا القبرالمقدس وبصاحبه، على أنها بريئة من التهمة الموجهة إليها، وأنها لاتخونه مع رجل آخر غيره. وأصرالزوج على قراره، طالباً منها أن تختارهي بنفسها من تثق به من رجال القرية، ليرافقها كشاهد عيان على ماسوف يحدث عند قبر الولي الصالح.
فانطلقت المرأة مسرعة ثم عادت وقد أحضرت معها عشيقها! دون أن يفطن الزوج المغفل إلى حيلتها أو أن يعلم بالأمرشيئاً.
سارالثلاثة نحو قبرالولي الصالح محاذين سلسلة جبال جودي الشاهقة، قاطعين الدروب والمسالك الوعرة سيراً على الأقدام، ماعدا المرأة فإنها كانت تمتطي حماراً حتى لايضنيها المسير وتنالها مشقة الطريق ووعثاء السفر. ولدى وصول الموكب إلى المزار القابع في أسفل سفوح جبل جودي الشهير، ألقت المرأة نفسها أرضاً متظاهرة بوقوعها من على ظهر الحمار، فانكشفت أمام الرجلين ثم نهضت مسرعة تلملم أذيالها، وتنطلق نحو المزار لتحلف بمغلظ الإيمان وتقول مخاطباً زوجها: أحلف بهذا القبر المقدس الذي يضم رفات الولي الصالح وبكل الأولياء الصالحين من أمثاله، أن لاأحد في هذه الدنيا اطلع على عورتي سوى أنت وهذا الشاب الذي يرافقنا فقط. لقد كانت المرأة صادقة في حلفها، فهذان الرجلان وحدهما اطلعا على عورتها، أحدهما زوج والآخرعشيق، وبذلك أنقذت المرأة نفسها من تهمة محققة بفضل مكرها ودهائها. ومنذ ذلك اليوم يميل جبل جودي برأسه خجلاً من مكر النساء وكيدهن.
التحليل والإستنتاج:
- وجود ظاهرة العشيق – عدم تزويج النساء برغبتهن أو المجتمع الذكوري – شيء من حرية المرأة حينما طلب منها الرجل اصطحاب من تريد من الشهود – التعمد في إفساح المجال للمرأة باختيار الشهود – مما يدل على أن رواة الحكاية كانوا رجالاً فاشلين – التدين العميق- الفكرتين الرئيسيتين هما، تفسير ميلان قمة جودي، ثم مكرالنساء – غيرة الرجل –
3- البومة والعصافير
تقول الإسطورة: أن بلقيساً زوجة نبي الله سليمان أرادت ذات يوم ان تصنع لنفسها فراشاً وثيراً من أرياش الطيور والنعام، وأسرت برغبتها هذه لزوجها وطلبت منه أن يجمع الطيور والعصافير لتحصل منها على بغيتها، فما كان من النبي سليمان إلا وأن أوعز إلى رسوله الأثير طائرالهدهد، أن يجمع له كل طيور الأرض وألا ينسى منها طيراً واحداً، وفي اليوم الموعود طارالهدعد ينفذ أوامر نبيه ويخبر الطيور بفرمان نبي الله سليمان الذي كان الله قد سخر له الجن والطير والرياح. فتقاطرت عليه الطيور زرافاتاً ووحداناً. وحينما تفقدها النبي سليمان وأخبرها بخبر زوجته وأنها تريد أن تصنع لنفسها فراشاً من أرياشها ذهل الجميع، ولكن كان الخفاش في عجلة من أمره فنتف ريشه على الفور وقال: إني لفي عجلة من أمري، ولدي أطفال صغار ينتظرونني وعلي إطعامهم، فنتف ريشه على عجل وطار عائداً إلى عشه، ومنذ ذلك اليوم والخفاش عاربدون ريش.
وحينما تفرس نبي الله في الطيور فلم يجد بينها البومة فسأل الهدهد قائلاً: مالي لاأرى البومة بين الطيور أيها الهدهد؟ فرد عليه الهدهد بالقول:إنه رفض أن يأتي يامولاي وأنه تمرد على إرادتك! فتملك النبي سليمان غضب شديد وطلب من الهدعد إحضاره على الفور، نفذ الهدهد رغبة نبيه وذهب طائراً إلى البومة وأبلغه بغضب نبي الله عليه وأوامره له بالحضور فوراً والمثول بين يديه. ولكن البومة رفضت الأوامروامتنع عن الحضور من جديد، فعاد الهدهد من عنده بخفي حنين ولم تات معه البومة العنيدة، وكان النبي سليمان قد استشاط غضباً من تأخر رسوله وهم بمعاقبته لولا أنه رسوله الأثير، ولولا أن الأخير أخبره بالسجال الساخن الذي دار بينه وبين البومة، فعفى عنه وأوعز إلى إثنين من الجن أن يحضروا له البومة على الفور. فقام الجنان بتنفيذ أوامر نبي الله وأحضروا البومة إليه في طرفة عين. وقفت البومة أمام نبي الله غيرهيابة ولا وجلة، وسط قلق وتوتر بين الطيور من هول الموقف المثير وما تتوقعه أن يحدث للبومة المسكينة في مثل هذا الموقف العصيب. وبعد برهة صمت وغضب سألها النبي سليمان قائلاً:
- لماذا عصيتي أوامري أيتها البومة ألا تخافي عقابي وغضبي؟
- ردت عليه البومة بجرأة ورباطة جأش: ألا تخاف الله يارجل؟ حتى تقدم على نتف أرياش هذه الطيور البائسة وتعريها من أرياشها في مثل هذا الشتاء القارس والبرد الشديد إرضاء لنزوة زوجتك؟ ألا تشفق على هذه الطيور وتخشى عليها البرد والموت؟
فتفرس النبي سليمان في هيئتها ووقفتها وجرأتها ملياً وكأنما أحس بصوابية كلامها وقوة حجتها.
- ولكنه قهقه ضاحكاً منها وقال:
- هيه....يالرأسها الكبير
- البومة: كله عقل وذكاء!
- النبي سليمان: هاه....يا لعينيها الصفراويتين وشدة البصر!
- البومة: كلهما حدة نظر
- النبي سليمان: ألا تباً لعجيزتها الكبيرة
- البومة: قصر لسانك عن المس بأعراض الناس...!
فبهت النبي سليمان من جرأة البومة وشجاعتها، وقوة حجتها، وسرعة بداهتها، ودفاعها عن الحق ونصرة الضعفاء والمظلومين. فأصدر أوامره على الفور بالعفو عن الطيور وإطلاق سراحها جميعاً.
ويقال بأن العصفور الدوري طار من الفرح قبل أن يفكوا وثاقه، ولهذا فإنه حتى اليوم يمشي وهو مقيد الرجلين، أي يقفزحينما يكون على الأرض ولا يمشي، وحتى اليوم أيضاً، أن العصافيرالدوري يكن احتراماً زائداً لهذه البومة الجسورة، وحينما تزور القرى والمزارع تحيط بها العصافير وتستقبلها بالأحضان وبالأغاني والهتافات والصراخ، تقديراً لشجاعتها ولمن ضحى من أجلها وأنقذها من موت محقق!.
التحليل والإستنتاج:
- الإستبداد لدى المتسلطين على الكرد أو حكامهم وظلمهم للرعية– التمرد الكردي على الدوام ضد الخصوم أو قول الحق عند سلطان جائر– عدم العبرة من تجمع العصافير حول البومة- دور القائد التاريخي ومدى تعلق الكرد بالقيادة والقائد- تفسير عدم وجود أرياش للخفاش- تفسير مشية الدوري المميزة – عاقبة التسرع(الخفاش) - رفاهية الطبقة الأرستقراطية – تسلط المرأة على الزوج في المنزل.
4- لكل إنسان نجمه في السماء- فعندما يهوي الشهاب يكون أحد من الناس قد مات وهوى من عليائه- وهو ماينم عن الترابط بين السماء والأرض وأن الإنسان مصيره معقود على الىلهة في سماواتهم.
5- الملك الرعد وتوزيع الامطار:
تقول الإسطورة: إن ملك الرعد هو واحد من ملائكة الله الموكولين بتوزيع الأمطار على الأرض والحقول، وأن لمعان البرق في الغيوم الربيعية الممطرة ماهو أثر ضربة سوط ملك الرعد حينما يسوق أمامه الغيوم بدون هوادة وهو يضربها بقوة وعنف فتلمع الغيوم من شدة الضربة، أما صوت الرعد الهادر فهو صوت ملك الرعد القوي حينما يصدر أوامره للغيوم بالتحرك إلى مبتغاها وإرواء الحقول والأرض العطاش.
وتحليل ذلك باختصار هوتفسير سقوط أو توزيع الأمطار في العالم من قبل الملك رعد– وتعدد الآلهة – وجبروت الآلهة - قلنا الآلهة بالتعدد لأن الإسطورة قديمة العهد وتعود إلى ماقبل الميلاد بكثير.
6- فاطمة والغراب.... إسطورة رمزية- بيئية – دينية- اجتماعية.
فاطمة هذه هي الزهراء ابنة رسول الله(ص) وزوجة ابن عمه علي بن ابي طالب.
تقول الإسطورة: خرجت فاطمة يوماً إلى حقل القمح المحصود(الفراز) لتجلب حملاً من القش إلى بيتها، وبعد جهد جهيد وفي حر صيف قائظ، جمعت كومة من القش وحينما شدتها وأصبحت جاهزة للحمل، انتظرت وتمنت أن يمربها عابرسبيل لترسله إلى أبيها ويستفسر منه:
أفاطمة يجب أن تحمل القش أم أن القش يجب أن يحملها؟ لأن الحر كان لافحاً فتكاسلت عن حمل حملها، وبينما هي على هذه الحال والمآل، وإذ بغراب أسود يمر بها(غاق...غاق) فنادته فاطمة: أيها الغراب اذهبي إلى أبي في مكة واسأله: أفاطمة تحمل القش أم القش يحملها؟ استجاب لها الغراب وعاد طائراً إلى أبيها يسأله: يا رسول الله أفاطمة تحمل القش أم القش يحملها؟ فأجابه الرسول بل القش هو من يحمل فاطمة. عندها عاد الغراب مسرعاً إلى فاطمة وهو ينعب(غاق...غاق) وأخبرها بأن والدها يقول: فاطمة هي من تحمل القش، قال الغراب ذلك وذهب لحال سبيله.
حملت فاطمة القش مكرهة وعادت بحملها الثقيل إلى البيت، وبعدما حطته ذهبت إلى أبيها تستفسر منه عن سبب أمره لها بحمل القش في مثل هذا الحر اللافح الشديد وخاصة أنها ابنته الأثيرة المدللة؟ فأنكر الأب ذلك وأنه أخبر الغراب أن يحمل القش فاطمة. عندها استغربت فاطمة من أمر الغراب وجحودها فرفعت على الفوريديها إلى السماء تدعي على الغراب وتقول:
أيها الغراب- اللهم اجعل لها من سبع حبات حبة، ومن سبع جرعات جرعة. وحينها استجاب الله لدعائها ومنذ ذلك اليوم وبلعوم الغراب مثقوب، لن تمر منه من كل سبع حبات سوى حبة، ومن سبع جرعات ماء تدخل جوفها جرعة واحدة، جزاء نكالاً من الله على كذبها على آل البيت وقدسيتهم.
التحليل والإستنتاج:
- الغراب حيوان مشؤم لنعيبه وسواد لونه- الإنتقام ممن أساء إلى آل الرسول- الترميز إلى أن من ينال من آل الرسول سيعاقبهم الله في الدنيا والآخرة- قدسية الرقم سبعة(سبعة ملائكة لدى اليزيدية)- الوضع المعيشي للنساء الكرد وجلب الأعلاف للدواب- ترية الأغنام حصراً- الزراعة والوفرة- عمل النساء في الريف – جرت احداثها في الريف – معاناة المرأة الكردية في مجتمعها الذكوري.
7- فاطمة والسحلية....
تقول الإسطورة: عندما كانت فاطمة ابنة رسول الله لاتزال صبية في مقتبل العمر، كان من أترابها فتاة لعوب طائش، شديدة بياض الصدر، ولكن الفتاة كانت تحسد فاطمة على بياض صدرها، وتتباها ببياض صدرها على فاطمة حينما تمربها، فتكشف الفتاة عن صدرها وتمد لها لسانها وتقول: أي...ي....ي...من منا صدرها الأجمل والأكثر بياضاً أنا أم أنت...؟ واستمرت الاحوال هكذا إلى أن دعت عليها فاطمة يوماً طالبة من الله العلي القديرأن يمسخ الفتاة سحلية، تجوب القفاروالسهول، وتعيش في شقوق البيوت والجحور.
فاستجاب الله لدعائها وتوسلاتها، ومنذ ذلك اليوم تحولت الفتاة إلى سحلية تعيش في الحجور وتحت الصخور، ولكنها احتفظت ببياض صدرها الجميل. ومنذ ذلك اليوم أيضاص يقولون: أن الناظر إلى السحلية ورأسها باتجاه، عليه أن يغلق فمه وألا يظهر لها أسنانه، لأن السحلية تظن عندئذ أن من أمامها يستهزيء بها، فتقذف عندها ببصاقها إلى أسنانه فتتساقط حينها أسنانه بعد مدة يسيرة. ولذلك كان الأطفال في القرى يبقون على أفواههم مغلقة بقوة، لمجرد رؤيتهم السحلية وهي قابعة في مكانها خوفاً من تساقط أسنانهم، ومن جانب آخر فكان الناس يتحاشون قتلها ويقولون أنها مسخ فاطمة حرام قتلها وحذار من قطع ذنبها قبل قتلها، لان الذنب إن قطعت فستتحرك يميناً وشمالاً داعية ربها على قاطع ذنبها، وسيموت الفاعل عاجلاً أو آجلاً، أوأنه سيحل به غضب الله ومصيبة كبرى.
التحليل والإستنتاج:
- الإعتقاد بأن السحلية كانت بشراً إو امرأة ثم مسخت بدعاء فاطمة- تفسيرلبياض صدر السحلية – دور الجمال في الغيرة النسائية من بعضهن البعض – تحبيذ آل الرسول- وأنهم لامثيل لهم في الكون- والمثيل سوف يمسخ – الإعتقاد بالمسخ فكرة إسلامية- ربما شاهد القرويون السحلية وهي تقذف شيئاً من فمها فأرادوا تخويف أطفالهم منها وحمايتهم من تصرفاتها الغريبة- تفسير لظاهرة حركة الذنب الغريبة وهي مقطوعة.
8- تكسير الجرة وراء العروس ليلة الزفاف...
التحليل والغستنتاج:
- وهو تقليد للخصوبة وإيحاء إلى الى الآلهة بفعل مايرغبه كاسر أوكاسرة الجرة، أي طلباً لزواج يمضي بالرفاهية والبنين – وتقليد هو يشي بعادة قديمة جداً تعود إلى عصور ماقبل الديانات السماوية.
8- عقد العريس ليلة الزفاف هو الآخر دليل على عادة تقديم الأضاحي البشرية وتعدد الآلهة لدى الكرد وقدم الإسطورة التي تعود على ماقبل الإسلام أيضاً.
[1]