الوجيز من الوجود الكردي في سوريا منذ فجر التاريخ … كرد حلب نموذجاً (ح3)
بقلم المؤرخ برادوست ميتاني
-حي شيخ مقصود
يمتد هذا الحي داخل مدينة حلب من الجهة الشمالية على تلة تطل على الاحياء المجاورة من جهة الغرب والجنوب والشرق , له فروع : الشرقي – الغربي – معروف. يتجاوز عدد سكانه 60 ألف نسمة .
دفع كرد هذا الحي كغيرهم من كرد سوريا ضريبة كون الله خلقهم كرداً ،على يد الأنظمة السورية ولكنهم لم يتوانوا في العمل على رفع الظلم عنهم إذ كان لهم دور مهم في الحركة السياسية الكردية في سوريا منذ عشرات السنين ، وقد كانوا من أوائل المناطق التي تحركت في انتفاضة 2004 في وجه النظام السوري وعلى إثر ذلك كان منهم شهداء وجرحى ومعتقلين وملاحقين.
خلال أحداث 2011م في سوريا وثورة روزافا تعرض هذا الحي كغيره من الأحياء في مدينة حلب للقصف العنيف من قبل طائرات النظام السوري ، وعمليات خطف من قبل المجموعات المسلحة وهي الأن محمية من قبل قوات سوريا الديمقراطية التي تشكل نواتها الأساسية قوات كردية
تاريخ الحي : صار لحي الشيخ مقصود ظهور فعلي في مطلع القرن التاسع عشر الميلادي إبان الانتداب الفرنسي على سوريا باسم جبل السيدة نظراً لوجود كنيسة على تلك البقعة في عام 1938 وتم الانتهاء من بناءها 1949 وتسمى باسم كنيسة السيدة ليتحول اسم البقعة إلى جبل السيدة العذراء وذلك لانتشار الديني المسيحي ووجود كنيسة السيدة العذراء.
وكان أول من سكن الحي وبنى فيه منزلاً متواضعاً من الحجارة والخشب هو جورج بلدي أحد أبناء الطائفة المسيحية وبالتحديد من طائفة الروم الكاثوليك المنتشرة بحلب
وبحسب الأهالي فإن الجبانات المشهورة بالحي والتي تعتبر أعلى نقطة بحلب تطل على كامل المدينة، كانت بمثابة مزرعة فاكهة لضابط فرنسي كان يعمل عنده جورج بلدي إبان الانتداب الفرنسي على سوريا، أما حارس المزرعة فكان صبري الكردي من أبناء مقاطعة عفرين وهو كردي الأصل.
كانت العوائل من مختلف المكونات من كرد عرب وتركمان بالإضافة إلى كل من طوائف المسيحية الإسلامية الأرمنية والإيزيدية ترتاد على شيخ مقصود بحثاً عن أرض للسكن، بذلك زاد عدد العوائل القاطنة فيه.
لماذا سمي بشيخ مقصود؟
نسبة إلى الشيخ مقصود الكردي الأصل ، حيث أنه آتى إلى الحي في عام 1947 وهو من أبناء المكون الكردي المعروف بين أبناء حيه برجل الخير والعطاء، أصبح مقصداً للجميع إما للشورى أو أخذ النصائح فسمي الحي على اسمه وتوفي الشيخ مقصود في الحي عام 1952، حيث خرج في جنازته الآلاف من الأهالي آنذاك من عرب وكرد ومسيحيين وأرمن ليشهدوا على صدقه وحبه للخير بعيداً عن الطائفية والمذهبية وظلوا فيما بعد يتوافدون يومياً بالمئات إلى قبره الواقع بالقرب من الحي حتى أصبح مزاراً دينياً يتوافد له جميع أبناء حلب.
الوجيز من الوجود الكردي في سوريا منذ فجر التاريخ ... كرد حلب نموذجاً (ح3)
-حي الأشرفية.
هي هضبة تقع خارج مدينة حلب القديمة، إلى الجهة الشمالية الغربية منها . بدأ ظهور بوادر وجودها في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي وقد حملت مع مرور الزمن أسماء متتالية منها اسم “الداوودية”، نسبة اسم الوالي العثماني – الأرمني داوود باشا، الذي حكم متصرفية جبل لبنان. اختار الضباط الألمان المتحالفين مع الاحتلال العثماني في بداية انهياره ،قبيل الحرب العالمية الأولى موقعاً مرتفعاً إلى غربها، ليشيدوا فوقه “قشلة الألمان”، وتحوّل اسمها في زمن لاحق إلى ثكنة “طارق بن زياد.
حمل الحي أيضاً اسم “البولشفيك داغ”، أي جبل البلاشفة، نسبة إلى الثورة البولشفية الروسية . تغير مع الزمن طراز الحي من كنائس , دور أيتام و مدارس إلى عمارات شاهقة وسوق مع بقاء بضعة بيوت متقشفة وفيها معمل كبير لحياكة الأقمشة وصباغتها لصاحبيه برصوميان و كردويان ,هذا المعمل الذي أُمِّم من قبل الحكومة السورية في الستينيات، وتوقف عن العمل في ما بعد. وجد في الحي دير ومدرسة “الآباء المخيتاريان في أول الطريق الصاعد إلى الحي – الهضبة، مسوّراً بحجارة نافرة، منفتحاً على غابة صنوبر داخلية وفسحات للملاعب والحدائق وأنشطة التلاميذ.
كان الوصول إلى هذا الحي بالعبور من تحت جسر بساتين “الشيخ طه” الذي أنشأته القوات الألمانية في أوائل القرن العشرين لمدّ سكة حديد القطار المتّجه نحو الشمال، أو طريق “حول المدينة” الذي أنشأته البلدية في عهد الانتداب الفرنسي في أواخر الثلاثينيات من القرن الماضي، قبل أن يُفتح “نفق تشرين” في أواسط الثمانينيات الذي وصل حي “محطة بغداد” بالحي المستحدث في الفراغ العمراني بين هضبة الأشرفية والأحياء الأخرى في المدينة، والذي حمل اسم “السريان الجديدة” تمييزاً عن حي “براكات السريان” الرازح فوق هضبة أخرى أقل ارتفاعاً.
استقطب الحي مع مرور الزمن وخاصة في أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات من القرن العشرين، بدايات الهجرات من قرى الريف الشمالي، الكردية والعربية والأرمنية ، ومن أحياء حلب القديمة، حيث وجد البعض أعمالاً لهم في مصانع الغزل والنسيج ومحالج القطن ومصابغ الأقمشة ومقاشر الأرز التي بدأت تنتشر في منطقة “الليرمون” الصناعية القريبة منه.
يبلغ عدد السكان في الحي أكثر من 50 ألفا نسمة
تركت الانتفاضة الشعبية الكردية 2004، بصمات قوية في الحس القومي للكرد في هذا الحي أيضاً ولكن هذا ما لم يروق للنظام وبعض من ترعرع على ثقافته العنصرية من بعض الأخوة العرب فظهرت ندوباً سلبية في العلاقات بين سكان الحي من الكرد والعرب .
تطور الحي وتوسّعت مشاريع خدمية كبرى ومتوسطة بواسطة الرأسمال الخاص ،ببناء مشافٍ، محال بيع المصوغات الذهبية والألبسة و “جهازات” العرائس والأدوات المنزلية والكهربائية والمطاعم و كراج حافلات خاص بقرى المناطق الكردية خاصة عفرين وكوبانى؟ لم يتخلى قسم كبير من الكرد عن ثقافته بإطلاق الأسماء الكردية على الأماكن الاستثمارية التي تعود لهم من أسماء الشوارع التجارية المعروفة في المدينة كشارع التلل وشارع العزيزية كناية عن أنه بات عندنا “التلل” و “العزيزية” خاصتنا للتأكيد على الهوية.
بعد تحرير الحي تقوم اليوم قوات سوريا الديمقراطية التي تشكل القوات الكردية نواتها حمايته.
هذا بالإضافة إلى أحياء أخرى ينتشر فيها الكرد في حلب مثل حي الأكراد أغيول وحي النيرب وحي تلعرن و حي السريان وبني زيدان وغيرها بالإضافة إلى توزع العوائل الكردية بكثرة داخل المدينة القديمة خاصة والحديثة عامة[1]