عيد (Zag-mug) أكيتو رأس السنة السومرية البابلية الاشورية – الايزيدية
#قاسم مرزا الجندي#
(Qasim Algindy)
الحوار المتمدن-العدد: 7567 - #31-03-2023# - 23:52
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
رأس السنة البابلية المعروف باسم أكيتو، بالسومرية زكموك (Zag-mug) وتعني أكيتي سنونم، وهي الدورة النباتية لموسم الحصاد والزراعة, وكلا التفسيرين يشيران الى بداية السنة الجديدة ومرور الفصول في مرحلتين متشابهتين الربيع والخريف، وتسمى ريش شاتين بالأكادية، هو عيد رأس السنة لدى الأكاديين والبابليين والآشوريين والكلدانيين من بعدهم، يبدأ عيد رأس السنة الجديدة في اليوم الأول من شهر نيسان نيسانو ويستمر لمدة اثنا عشر يوماً، ويصادف يوم 1 نيسان في التقويم الميلادي، الموافق 18 اذار في التقويم البابلي السومري الشمسي الايزيدي، حسب المقولة الايزيدية الشهيرة (هذدةى ادارى مةلكى زان هاتة خوارى) وتعني في 18 اذار ينزل ملك المعرفة الى الارض.
من جانب اخر نجد ان زكموك او اكيتو قد ارتبط ارتباطا وثيقا بالشمس, لان الشمس هي العامل الاساسي في حياة الكائنات، فارتبط زكموك بإله الشمس(شمش) حسب النصوص السومرية، او(شيشم) حسب النصوص الايزيدية، حيث أن الحضارة السومرية القديمة في بلاد الرافدين وقد عرف تاريخها ومعتقداتها وأعيادها وطقوسها من الألواح الطينية المدونة بالخط المسماري، وكانت بدايتهم في الالفية السادسة ق.م.
تشير النصوص البابلية المحفوظة استمرار الاحتفالات لمدة 12 يوماً متتالية، حيث تبدأ من 1 نيسان حتى 12 نيسان وفقاً للتقويم البابلي، ويشير بعض الباحثين إلى مغزى رمزية الرقم 12 المقدس وأهمية استخداماته المختلفة، فهو يمثل أشهر السنة، وعدد الأبراج الفلكية، بالإضافة إلى ارتباط العدد بالقمر ودوارنه اثنا عشرة دورة محورية ومدارية في آن واحد، لاستكمال اثنا عشر دورة مدارية شهرية حول كوكب الارض .
المدوّنات والألواح المسمارية السومرية الأثرية، المحفوظة فى متحف لندن تشير إلى أن الاحتفال هو اعادة اخراج الاله نابو لوالده الاله مردوخ من العالم السفلي، وفقاً للأسطورة السومرية، يختفي لمدة يوم أو يومين في جبل يسمى (خرشانو) وهو من أسماء العالم السفلي، وكان الأهالي قديماً تقوم بمشاهد تمثيلية لإحياء هذه الميثولوجيا بضرب بعضهم حتى يسيل الدماء مثلما سال دماء مردوخ فى العالم السفلي، ثم تبدأ رحلة نابو بالبحث عنه خلال اليومين، وعند العودة إلى الحياة مرة أخرى يرجع للمدينة ويقوم الأهالي بالاحتفالات فرحاً برجوعه.
كان للبابليون تقويماً خاصا بهم يبدأ من (21) آذار(شيكركو)السومري وهي (1) نيسان (نيسانو) أي أن شهر نيسان عندهم لا يطابق شهر نيسان الحالي في تقويمنا بل يطابق(21)آذار, بداية السنة عندهم وكان يعرف عيد رأس السنة لديهم ب (آكيتو)وهي كلمة بابلية ذات جذر سومري وأقدم صيغة لها جاءت بحدود 2500 ق.م على شكل (آ- كي- تي) وتعني الماء والتراب وهي اشارة الى الحياة وتجددها.
فيكون بذلك معنى مصطلح(أكيتو) كاملاً هي قدوم حياة جديدة الى الأرض، وأن طقوس الربيع والمطر وعيد تجدد الحياة تعود إلى فترة حضارة سامراء في الألف السادس قبل الميلاد حيث شكلت هذه الطقوس بذرة العيد الأكبر آنذاك.
كانت مدة العيد إثنا عشر يوماً، أي بعدد أشهر السنة ويوم العيد الكبير هو في اليوم الأخير تبدأ من الأول من نيسان وتنتهي في الثاني عشر منه ثم يوم العيد, ففي بداية هذه الأعياد من كل سنة جديدة يأتي الإله نابو من معبد (ايزيدا) في بورسيبّا (برس نمرود) لزيارة والده الإله مردوخ في بابل. وهنا يمكن معرفة سر الفارق الزمني(13) يوم بين التقويم الشمسي (الشرقي) والتقويم الميلادي .
كانت الاحتفالات يعرف ببيت (الأكيتو) يقع خارج المدينة كما في الوركاء وآشور وبابل ويقام كما يلي:
(1) كانت الأيام الاربعة الأولى فيها, لتقديم الضحايا والقرابين وتعيين درجات الكهنة وقراءة ملحمة الخليقة البابلية.
(2) في اليوم الخامس يحمل تمثال الإله نابو من بورسيبا إلى بابل في سفينة مذهبة.
(3) في اليوم السادس تجرى محاكمة الملك ونزع شاراته الملكية في معبد الإيساجيل في بابل ويسحب من أذنيه حتى يركع أمام الإله ويؤدي الدعاء.
(4) في اليوم السابع تمثل دراما محزنة لموت الإله وصعوده إلى السماء وتسود الفوضى في المدينة حيث تجري عربة هائجة في شوارع بابل, بسبب غياب مردوخ ويُنصّب ملك مزيف للحكم في هذا اليوم.
(5) في اليوم الثامن يعود مردوخ إلى الحياة وتنظم بعودته الأشياء وتجتمع الآلهة في مخدع المصائر ويقررون مصائر البشر للسنة الجديدة، وتعاد شارات الملك إلى الملك الحقيقي ويسير الكهنة في موكب نحو بيت الأكيتو خارج المدينة ليمكثوا ثلاثة أيام وهي تمثيل دراما رمزية للخليفة,
(6) في مساء اليوم الحادي عشر يعود الكهنة إلى المدينة ويدخلون المعبد ويقضي الإله مردوخ ممثلاً بالملك ليلة مع الكاهنة العليا في معبد الإله,
(7) في اليوم الثاني عشر تغادر الآلهة بابل, وتنتهي سلسلة الاحتفالات والمراسيم والطقوس التي استمر (12) يوما.
(8) اليوم الثالث عشر(13) هو العيد الكبير في عموم البلاد, بتجدد الطبيعة وبدأ حياة جديدة في عام جديد.
تشير الطقوس البابلية في قصة تمثيلية لتمجيد الخالق نحو وصف الكون والخليقة.
للنار دلالات روحية دينية عميقة وكبيرة ترتبط بالديانات والمعتقدات التي كانت شائعة في آسيا ولدى شعوبها (الهندية – الأوروبية)، وفي الديانة الزرادشتية التي بشر بقدسية النار وهو النور والضوء. وهي في نفس الوقت ذات علاقة دينية بالشمس باعتبارها مصدر النور والحياة على كوكب الأرض والكون، ويبقى نوروز رمزاً قوياً ذات دلالات دينية وحياتية كبيرة .
ويمكن أن نجد صلة عميقة ما بين المعتقد الديني لذلك العصر وبين الشعب الإيزيدي (الكردي), من خلال الترابط الجدلي بين النار والنوروز الذي يعني اليوم الجديد ابتداء من تأسيس أول دولة كردية (ميديا), وحتى قبل (ميديا) بتسعة قرون في زمن الملك جمشيد في سنة (595) قبل الميلاد , وقبل ذلك العهد بآلاف السنين, حيث كان يمارس هذا العيد لدى الشعوب الارية في حوض بلاد ما بين النهرين. وفي روما وأواسط اسيا كانوا يحيونها, مثلما يحيونها الان في دول عديدة ولدى شعوب واقوام عديدة .
كان في الأول من نيسان من كل عام يحتفل بها الشعوب( السومرية , البابلية , الكلدانية , الآشورية ,الميدية) في مناسبة دينية عظيمة هي عيد (أكيتو)(زكموك)(نوروز)(سرسال) التي لها مدلولاتها التاريخية والحضارية والتراثية على أصالة تلك الشعوب, في فترة 12 يوماً في طقوس ومراسيم مهيبة احتفاء بتجدد الطبيعة وبدأ حياة جديدة وعام جديد وهي رأس السنة وهو اليوم الجديد وتعني نوروز,
كان لعيد أكيتو طقوس دينية مصاحبة للاحتفالات الصاخبة والمهرجانات الكبيرة التي تقام فى المدينة تبدأ من اليوم الأول قبل بزوغ الشمس عند الفجر، وهو توقيت مناسب تماماً للرمزية الدينية للاحتفال، حيث ينهض الكاهن الأكبر ويسمى شيشكالو بين منتصف الليل والفجر وقبل الشروق حيث يكون الظلام والصمت المهيمن على الأجواء.
وهو جزء من الشعور بالرهبة الدينية والطقسية المصاحبة للقصة الاسطورية، ويقوم بالاغتسال بماء النهر، وإقامة التراتيل والصلوات أمام تمثال مردوخ، ثم يفتح بوابات المعبد، بعدها ينهض الكهنة الآخرون من النوم ويقومون بتنظيم دخول المعبد وإقامة الطقوس، وقد كانت هذه أوقات بداية الطقوس غير ثابتة طوال أيام الاحتفال، ففي اليوم الأول كانت تبدأ قبل السادسة فجراً، وتقل تدريجياً بعد اليوم الأول حتى اليوم ألأخير ولكن كانت هذه الطقوس تنتهي قبل مغيب الشمس.
كانت لهذه الاحتفالات بجانب دوافعها الدينية والاجتماعية, لديها أهداف اخرى هي اقتصادية ومادية, حيث تشير النصوص المحفوظة إلى رسائل الحرس للملك بنجاحهم فى جمع الأغنام والضرائب، وكان المعبد يستقبل هدايا ونذور الأهالي والزوار من الخارج الذين يقدمون الهدايا لمردوخ خلال أيام العيد، بجانب النذور والهدايا كان حكام المقاطعات والمدن يقومون بدفع الخمس للمعابد، وكانت تشمل بعض الحاصلات الزراعية، وعدد من الثروة الحيوانية، ويبدو إن قضة الخمس قديمة جداً.
وقبل الآلاف السنين كانت الاحتفالات تقام في دولة بابل أحياء لذكرى هذه المناسبة المقدسة رأس السنة البابلية, بنزول الإله(مر دوخ) ... أو الملاك (شمش)(شيشم) او الملاك (زان) إلى كوكب الأرض وتدارك أمورها لسنة جديدة, حسب معتقدهم الميثولوجي .
أما في عهد دولة الحضر(هتارا) كان بنزول ملاك (شمش) إلى الأرض وبداية سنة جديدة.. بقدوم فصل الربيع, ويبدو هنا التشابه في عيد رأس السنة, يحيونها شعوب عديدة في العصور المختلفة مع اختلاف في أسماء المناسبة والملائكة. يحيونها الى اليوم المسحيين(الكلدان ,السريان, اشور) وتضاء الشموع (النار) في جميع البيوت وتنثر الزهور في كل مكان وتنشد الأغاني والأهازيج ويلبسون الحلي والملابس الفلكلورية والتراثية في هذه المناسبة التي ترتقي الى جذورهم وتقاليدهم القديمة لإحياء عيد اكيتو عيد الآباء والأجداد والارتباط بجذورهم الأولية والأصيلة قبل ظهور المسيحية.[1]