حزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم و(مسألة الأقليات في سوريا)
#سليمان يوسف يوسف#
الحوار المتمدن-العدد: 7647 - #10-06-2023# - 13:04
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
(عبر سلسلة مقالات) سنتناول، بشيء من النقد والتحليل ، رؤية ومواقف الأحزاب والحركات والتيارات السياسية الأساسية المتواجدة على الساحة السورية، بمختلف اتجاهاتها وانتماءاتها (القومية والإسلامية واليسارية)، من مسألة الأقليات(الاثنية والدينية) في سوريا، ذلك في ضوء ما هو متوفر لدينا من وثائق حزبية وبرامج سياسية ومواقف وتصريحات معلنة لمسئولي وقيادات هذه الأحزاب والمنظمات والحركات السياسية.. على أمل أن تساهم هذه الدراسة في إيجاد مخارج وحلول وطنية ديمقراطية عادلة لمعضلة الأقليات المزمنة، وقد باتت أشبه بنار تحت الرماد..
في عشرينات القرن الماضي، تأسست الدولة السورية الحديثة، سميت ب(الجمهورية السورية)، باعتبارها دولة متعددة القوميات والثقافات واللغات والديانات ، بهوية وطنية (سورية) جامعة شاملة لجميع الهويات الفرعية التي تتركب منها و الخاصة بالأقوام والمكونات السورية . حملت اسم (الجمهورية السورية) حتى قيام دولة (الجمهورية العربية المتحدة) عام 1958 التي جمعت سوريا ومصر . بعد التحرر والخلاص من التبعية لمصر 1961، القوميون العرب أقحموا صفة العربية باسم الدولة وسموها ب(الجمهورية العربية السورية).. البعث الذي جاء الى السلطة عبر انقلاب عسكري عام 1963 كرس هذه التسمية في جميع الدساتير وأخضع مسألة الأقليات ، كغيرها من القضايا الوطنية الهامة ، لمحاذير سياسية وأيديولوجية وأمنية ، حتى خرجت ظاهرة التنوع والتعددية ، التي يتصف بها المجتمع السوري، عن سياقها التاريخي الطبيعي وتحولت من عامل قوة وغنى حضاري لسوريا الى عامل ضعف لا بل الى نقمة على سوريا وشعبها… البعث أقام نظاماً شمولياً دكتاتورياً . مارس الاستبداد (القومي والسياسي والثقافي) على المكونات الغير عربية. وضع دستوراً للبلاد نصب فيه نفسه قائداً أبدياً للدولة والمجتمع (المادة الثامنة) . دستور اتسم بنزعة (شوفينية عنصرية) ،استوحاه من دستوره القومي (الحزبي) الذي يخلو من ذكر اسم سوريا . فالبعث، لا يعترف بالدولة السورية كوطن نهائي للشعب السوري ولا يقر بسيادة واستقلال الدولة السورية .. فوفق دستوره القومي (المادة 11 ) سوريا أرض عربية وكل من يعيش عليها هو عربي، أو يجب أن يكون عربياً،ومن يقول خلاف هذا هو معاد للعرب وضد قضاياهم يجب أن يرحل ويجلى من ارض العرب ،الشعب السوري هو جزء من أمة عربية ،و سوريا مجرد كيان آني مؤقت، قُطر ،سيزول بمجرد قيام الدولة العربية الواحدة التي ينشدها... من منطلق قومي عربي ، البعث وقف ضد ( الوطنية السورية ) ، حارب (المشروع الوطني الديمقراطي ) الذي طرحته بعض القوى السورية الوطنية.
سوريا التاريخية ، عن السريان الآشوريين ASSYRIAN أخذت اسمها وهويتها. لكن البعث العربي، اختزل (الهوية الوطنية) للدولة السورية بالعروبة والإسلام . البعث ، تعاطى مع سوريا ، كما لو أن تاريخها بدأ مع العرب المسلمين ، ناكراً متجاهلاُ بأن سوريا كانت مركز إشعاع حضاري قبل أن يغزوها العرب المسلمين و يستوطنوا فيها بقرون طويلة. في إطار سياسة التعريب التي انتهجها البعث منذ انقلابها على السلطة ، فرض العروبة كهوية وانتماء على جميع السوريين، ذلك بتدوين عربي سوري في خانة الجنسية على البطاقة الشخصية . فوفق عقيدة حزب البعث العربي الاشتراكي لا وجود لغير العرب في سوريا . انطلاقاً من النظرة العنصرية للآخر، البعث في تقاريره الداخلية يصف الأحزاب( الآشورية و الكردية) بالأحزاب المعادية للعرب والعروبة. بهدف محو كل ما يشير الى (الوجود الآشوري)،أقدمت السلطات السورية على شطب خانة آشوري من سجلات قيد النفوس مدينة القامشلي. . البعث نفذ العديد من المشاريع العنصرية،أخطرها الحزام العربي عام 1974 جلب عرب من محافظة الرقة وأسكنهم في ريف محافظة الحسكة، لمحاصرة التجمعات الآشورية والكردية والأرمنية والايزيدية ودفعها على الهجرة، لإحداث تغيير ديموغرافي لصالح العنصر العربي. فيما يخص الحقوق السياسية والاجتماعية لغير المسلمين ، حزب البعث أبقى على (المواد الطائفية) في الدستور دين رئيس الدولة هو الإسلام .. الشريعة الإسلامية مصدر أساسي للتشريع … حكومات حزب البعث، مارست ومازالت تمارس (الإضطهاد الديني) بحق أتباع الديانة الإيزيدية، إحدى الديانات القديمة في سوريا و بلاد مابين النهرين. فهي تُحرم الطلبة الايزيديين من دراسة ديانتهم الخاصة في المدارس الحكومية، ترغمهم على دراسة (الديانة الاسلامية) . الموقف العنصري للبعث من أتباع الديانة الإيزيدية ينطلق من خلفياته الإسلامية. ( الإسلام) ، الخارج من رحم العروبة، لا يعترف بالديانة الإيزيدية ، فهو يعتبرها من العقائدة الوثنية . جراء السياسات والممارسات الطائفية والعنصرية لحكومات البعث ، سوريا خلت من أحد مكوناتها المجتمعية الأساسية ( اليهود - أتباع الديانة الموسوية ).
خيار (الاندماج القسري) الذي عمل عليه النظام البعثي، زاد من تعقيدات (معضلة الأقليات) ، جعلها ناراً تحت الرماد، أفضى الى نتائج معاكسة لتلك التي أرادها وخطط لها. فالمشهد السوري بشقيه (السياسي والمجتمعي) الممسوك به أمنياً، لا يعني تحقق (اندماج وطني وتماسك مجتمعي) بين مكونات المجتمع السوري . فما أن تفجرت الأزمة السورية 2011 وتراخت سلطة الدولة ، حتى برزت على السطح جميع التناقضات والنزعات القومية والعرقية والدينية والمذهبية والطائفية والقبلية والجهوية، التي كانت نائمة في قاع المجتمع السوري، وتعمق أكثر فأكثر الانقسام العمودي في المجتمع . إثنا عشر عاماً وأكثر من الدمار والخراب والتهجير، النظام البعثي لم يُقدم على إحداث تغيير مهم في مقاربته المؤدلجة لقضية الأقليات ، رغم حساسيتها وأهميتها لجهة الوصول الى حل معقول للأزمة السورية. طبعاً، حين يرفض النظام السوري الاعتراف بشيء اسمه مشكلة أقليات في البلاد، هذا يعني أنه لا يفكر بحل وطني ديمقراطي لها، وبأنه متمسك بخيار الاندماج القسري الذي ثبت فشله في طي وإنها معضلة الأقليات …..(يتبع)
[1]