معركة الدستور في سوريا .. رؤية آشورية
#سليمان يوسف يوسف#
الحوار المتمدن-العدد: 1373 - #09-11-2005# - 13:01
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
معركة الدستور في سوريا
(( رؤية آشورية))
أثارت،(مسودة الدستور) التي أعدها مؤخراً المحامي أنور البني(رئيس المركز السوري للأبحاث والدراسات القانونية)، جدلاً قوياً وسجالاً حامياً في الأوساط السياسية والحقوقية السورية، خاصة المعارضة منها.هذا الجدل يعود بالدرجة الأولى لشعور الجميع بأهمية وجود دستور(عقد اجتماعي)جديد لسوريا يختاره الشعب، يخرج البلاد من أزمتها السياسية المرشحة للتفاقم.دستوراً ينهي احتكار حزب (البعث) للسلطة ويعيد للمجتمع السوري توازنه السياسي والفكري والاجتماعي ويفتح الباب للتغير والتحول الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة.فهل حقاً فتح، الناشط السياسي المعارض والمحامي (أنور البني)، باب (معركة الرئاسة) في سوريا، الباب الذي أقفله البعث الحاكم منذ انقلابه على السلطة عام1963.ذلك بعرضه (مسودة دستور) يعطي فيها الحق لكل مواطن ومواطنة الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية السورية.قد لا يبدو، الحديث عن انتخابات الرئاسة في سوريا،جدياً ومجدياً في هذه المرحلة، إذ لم تمض شهور على المؤتمر القطري العاشر لحزب (البعث) الحاكم الذي أكد ، خلال هذا المؤتمر، على تمسكه بالسلطة و بانه الحزب الوحيد القادر على (قيادة الدولة والمجتمع).لكن مع اشتداد عاصفة التغيير والتحولات السياسية التي تضرب المنطقة والعالم وتزايد الضغوط الخارجية والداخلية على النظام بهدف دفعه لإجراء اصلاحات سياسية واقتصادية حقيقة في الداخل السوري، بدأ الباب المقفل أمام (معركة الرئاسة) يهتز ويضعف استعداداً لفتحه ولو على الطريقة (المصرية) مرحلياً.لكن الأسئلة التي يجدر ب(المعارضة السورية) طرحها على نفسها: هل هي قادرة عل خوض معركة الرئاسة مع نظام قائم مهمين،يستمد قوته من ضعف(المعارضة)؟. وهل هناك اليوم فرصة لأن يقبل،(البعث) الحاكم ومعه الشعب السوري، دستوراً ب(الوصفة العلمانية) التي عرضها (البني) للناش؟.بكل بساطة، لا أعتقد ذلك ولأسباب عديدة منها، أولاً: المعارضة السورية هي اضعف من أن تخوض هكذا معركة في ظل موازين القوى الحالية في المجتمع السوري.ثانياً: سوريا التي بدأت عهد الاستقلال بدستور نصف علماني ونصف ديمقراطي، تشهد، ومنذ سنوات، تراجعاً كبيراً للفكر التنويري والحداثة وانحسار المجتمع المدني الحر، يقابله نمو الفكر الإسلامي المتشدد الرافض لمبدأ (فصل الدين عن الدولة) ومساواة المرأة مع الرجل وتولي (مسيحياً)رئاسة الدولة السورية.ربما يلقى الدستور المقترح الدعم والتأييد من بعض النخب السياسية، الليبرالية والعلمانية، وهم قلة قليلة تعيش في جزر ثقافية واجتماعية معزولة في بحر من العصبيات والأصوليات، الدينية والقومية والاجتماعية، المتشددة.ثالثاً: أثبت الواقع السياسي في كثير من البلدان،منها سوريا،أن ممارسة الانسان لحقوقه وحرياته لا تتحقق بمجرد النص عليها في دستور الدولة وقوانينها.فلو التزم الحكم في سوريا بالدستور الحالي على نواقصه وعيوبه الكثيرة، لتحسن وضع حقوق الإنسان السوري، وتقدم وضع الحريات السياسية والديمقراطية في البلاد.فالحقوق والحريات تمارس في ظل(نظام سياسي) حر، يؤمن بالديمقراطية خياراً وآلية لقيادة البلاد،حتى قبل ان تدون في الدستور.
لهذا أجد من الأهمية في هذه المرحلة، ايجاد صيغ دستورية أكثر واقعية وموضوعية وبتوافقات وطنية، تعيد صياغة (الهوية الوطنية) على أسس ومفاهيم وطنية وسياسية جديدة، تمهد للانتقال من (الدولة العقائدية) الى (دولة المواطنة).فمن الخطأ والخطورة وضع دستوراً للبلاد عل ضوء التوازنات السياسية الراهنة و لا يأخذ بعين الاعتبار رغبات وحاجات كل المكونات(القومية والدينية والثقافية والسياسية) الموجودة في المجتمع السوري ومن غير ان يحظى على اجماع وطني.إذ ستحاول كل مجموعة، قومية كانت أم دينية أم سياسية، لحق بها الغبن والظلم، رفض هذا الدستور أو تعديله لصالحها في أية فرصة تجد نفسها فيها قادرة على ذلك، وهذا التعديل غالباً لن يحصل بدون قلاقل واضطرابات،كما هو حال العراق اليوم الذي يشهد صراعاً دموياً مريراً على صيغة (الدستور الجديد).على ضوء رؤيتنا الآشورية للحالة السورية الراهنة وقراءتنا لمستقبل سوريا، نسجل بعض (الملاحظات السياسية) على مسودة الدستور المقترحة:
من أجل اعادة التوازن للمجتمع السوري ورفع(الغبن السياسي) عن المسيحيين السوريين، وانهاء مرحلة طويلة من التهميش السياسي لهذه الشريحة الوطنية المهمة التي تقدر نسبتها(12%)، اقترح أن يكون منصب (رئاسة الدولة) بالتناوب بين،المسلمين والمسيحيين.فلا أعتقد بان في أفضل حالات الديمقراطية هناك فرصة (لمسيحي) تولي رئاسة الدولة السورية.
- إن نظام (الدائرة الواحدة) الذي ورد في مسودة الدستور، لن يحقق التمثيل الصحيح لمختلف فئات ومكونات المجتمع السوري، الذي يعاني من ضعف كبير في الاندماج الوطني،وهو يفتقر الى التقاليد الديمقراطية وغلبة الانتماءات البدائية على الانتماء للوطن.لهذا يفضل أن تقسم سوريا لدوائر انتخابية صغيرة ووضع نظام انتخابات يضمن تمثيل عادل لجميع مكونات المجتمع السوري في جميع السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وفي مجالس البلديات.
- أجحفت(مسودة الدستور) بحق الآشوريين(سريان وكلدان) بتجاهلها لهم وهم يشكلون العمق الحضاري والتاريخي الأصيل ل(سوريا) التي أخذت اسمها عنهم،وكانت (السريانية)لغت سوريا الوطنية حتى بدايات القرن التاسع الميلادي وما زال يتحدث بها الآشوريين السوريين، مسيحيين ومسلمين.كما لم تشير (مقدمة الدستور) الى الظلم والغبن الذي لحق ب(الآشوريين).فجراء سياسات التميز القومي والديني والسياسي التي مارسها(البعث) بحقهم، وبحق جميع القوميات الغير عربية، منذ انقلابه على السلطة، هاجر منهم أكثر من (ربع مليون) شخص،من منطقة (الجزيرة السورية) التي كان للآشوريين (سريان/كلدان)،دوراً مهماً و أساسياً في حركة عمرانها ونشاطها الاقتصادي والتجاري والثقافي.لا شك ان (الحزام السياسي العربي) كان أكثر ضرراً على الأخوة الأكراد لكنه أضر بالفلاحين الآشوريين أيضاً، فقد جرد عشرات القرى (السريانية) من أراضيها الزراعية التي كانت المصدر الوحيد لرزق أصحابها.
- إن ذكر (العرب والأكراد) والاكتفاء بالإشارة الى (الآشوريين والأرمن والتركمان والشركس) بتعبير( أقليات أخرى) ينطوي على تمييز وتفصيل قومي وقانوني فاضح بين مكونات المجتمع السوري الواحد، وقد عانوا جميعاً من سياسة التمييز القومي والسياسي الممارس في سوريا، كما ويعد تجاهلهم انتقاصاً من حقوقهم ومكانتهم الوطنية،وهذا من دون شك، يتناقض مع روح الدستور المقترح.
-لقد بالغ، المحامي (أنور البني) في موضوع (اللغة الكردية) باعتماده لها لغة رسمية ثانية في سوريا.فعلى حد علمي، لا يوجد تياراً كردياً يطالب بهكذا مطلب،كما لا أعتقد هناك تياراً عربياً مهما كان متعاطفاً مع حقوق الأكراد السوريين، سيقبل بان تصبح اللغة الكردية، ولا أية لغة اخرى، لغة رسمية في سوريا الى جانب اللغة العربية.وليس من الواقعية والموضوعية بشيء، أن تصبح (لغة أقلية)، في أية دولة، لا تتجاوز نسبتها 10% من السكان لغة رسمية لها.
لا شك، من المهم جداً، أن يعترف الدستور الجديد بجميع القوميات السورية وبحقوقها الثقافية والسياسية.
سليمان يوسف ... كاتب سوري .. عضو مكتب سياسي في المنظمة الآشورية الديمقراطية
shosin@scs-net.org
[1]