دولة كوردستان بعيدا عن توريث الفوضى الحالية
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 5634 - #08-09-2017# - 19:14
المحور: القضية الكردية
من اجل ان نكون بعيدين عن اعادة التجربة الماسآوية لدول المنطقة و ما حدث في الكثير منها، لابد لنا نحن ككورد في كوردستان ان نعتبر من تاريخنا و مررنا به جميعا، اي نحن و هم . ونحن امام ابواب اجراء الاستفتاء و بناء دولة كوردستان المستقلة و ما يحدث نتيجة ردود افعال مختلفة ازاء العملية المصيرية و ابعادها المختلفة المؤثرة على المنطقة بشكل كامل، كما اثرت ما حدثت من التغييرات العامة مما سبق في المنطقة على حال الكورد طوال تاريخه، و لكن الخيمة السوداء للسلطات التي عزلت ما يعانونه ظلما لم تدع معاناتهم بائنة و مسموعة لاحد و دفنت معاناتهم و آلامهم مع الزمن دون ان يعلم بها او يتطرق اليها احد، و ان علم بها الكثيرون لم ينبسوا ببنت شفة نتيجة لضرورات المصالح الكثيرة لديهم, و بالاخص ممن يتدخل الان و يريد عرقلة الاستفتاء على الرغم من كونها عملية ديموقراطية طبيعية يمكن لاي كان ان يعتمدها في تحديد الاهداف العامة التي تهم الشعب او حتى مجموعة معينة منهم .
لكي لا نمر مرور الكرام بتجربة الدول التي لازالت تعاني من غدر الزمن و المصالح الكبيرة و جبروت اصحاب القوة التي فرضت هيمنتها السياسية الاقتصادية على العالم، لابد ان يفكر الكورد بالقفزة الطويلة الطبيعية على واقعهم المتازم و من اجل العبور على ما يمكن ان يفرضه بناء الدولة من الافرازات خلال المرحلة الاولى لتجسديها . و عليه ان الكورد ليس عليه ان يتجاوز خلافاته الداخلية فقط في هذه الحال التي ادخل نفسه في موقف و منعطف خطير و حاسم و مصيري و تاريخي، و انه مقامرة لا يمكن التراجع عنها، بل عليه ان يتجاوز المعرقلات الطبيعية لبناء دولة حديثة بعقلانية و ذكاء لا يمكن ان نعتقد بانها يمكن ايجاده في القيادة الحالية التي لم يكن هدفها الوحيد بناء دولة بقدر انقاذ نفسه كقائد و حزب باتخاذ خطوة شعبوية غير مهياة لها ارضية مناسبة، و استخدامه لورقة يدق بها على الوتر العاطفي لعامة للشعب، ومن اجل تجاوز الواقع المخزي الذي بناه و اوقع نفسه والشعب فيه من الازمات و الفوضى التي يعيش فيها الكورد منذ سنوات .
لقد اسهب ابن خلدون في عملية بناء الكيان الخاص للشعوب في مقمدمته و الذي يمكن ان نستشف منها ما يجب ان نفعله او نعتبر منه من خلال ما يمكن تنفيذه في واقع متغير لما وصلنا اليه في عصرنا هذا، من حيث دائرة الحفاظ على كيان ما مهما كانت تسميته، و بداية الانتقال الى مرحلة جديدة ينسلخ فيها الشعب من القشور المتراكمة على جسده جراء افعال الاخرين او من مسيرة الزمن . العامل الوحيد الذي يمكن الاعتماد عليه في كونه ايجابيا و هو ما يمكن ان نعتبر ما اشار اليه ابن خلدون هو؛ من يستهل التوجه الى مثل هذا العمل او تنفيذ عملية التقدم باجراء خاص ان يكون مقتدرا من كافة الجوانب و هو الشرط الذي يعتمده الكورد حتى دون ان يعلم به، و الاهم هو بناء الكيان بايدي من انبثق من واقعه و تعايشه و اتخذ من آلامه و منحدراته الاجتماعية المتتالية درعا من اجل الحفاظ على نفسه و الوصول الى مبتغاه في فرصة سانحة . و بعد قراءة متانية لما يحصل الان و المطلوب عوامل ذاتية و موضوعية اخرى نتاكد بانها ليست موجودة لدى الكورد كشرط ثاني لتحقيق هدفه الحالي و منها الوحدة و التعاون و الخبرة الذاتية و القيادة الحكيمة و عقل البناء.
و هكذا تكلم كل من ابن رشد و ارسطو و افلاطون و حتى سقراط عن الكيان و كيفية بناءه من اجل سعادة الناس و رفاهيتهم و تنظيمهم لردع الفوضى التي يمكن ان يخلقها التشتت في ظل انعدام اطار او حدود سياسي و تنظيمي لمجموعة بشرية .
ما الاحظه من متابعتي لما يجري الان في كوردستانبعد التصميم على اجراء الاستفتاء، يتبين لديّ اننا في واقع يُفضل اتخاذ اجراءات ضرورية يمكن ان نمهد بها لبناء الدولة بسلاسة بعد التضحية بطموحات شخصية و حزبية معينة :
1-مايحدث الان في كوردستان من منطلق التفكير و الخطوات التي بدات السلطة اعلانها لاجراء عملية استفتاء بشكل مفاجيء ينم عن ان الهدف مزدوج، و ما يجري لا يمكن ان نفصله عما اجري من قبل في هذه المنطقة من بناء دول عائلية قبلية عشائرية، و بالتوجهات و الانطلاقة و عزيمة و مصالح خاصة بعيدة عن المصالح العامة ذاتها . و هذا يعني اننا نورث الامراض ذاتها و لو وضعنا الخصوصية الكوردية امام اعيننا لتيقيم الوضع لنخرج بنيتجة مفادها اننا يمكن ان نعاني مما تعاني تلك البلدان بشكل نسبي، و عليه يمكن ان ننتظر تخمر ارضية نضال جديد مابعد الاستقلال من اجل التغيير الذاتي اللازم الى دولة الحرية و الديموقراطية و الحداثة، و ما هو بائن للعيان باننا يجب ان نبدا تلك العملية منذ انبثاق الدولة و في لحظتها بالضرورة .
2- البحث عن طرق و خطوات التي تعرقل توريث هذه الامراض الحالية و الفوضى العارمة في الحكم، اي يجب العمل على الانقطاع الكامل بين مرحلة ما قبل و مابعد الدولة من حيث ما نحمل من السلبيات, سواء ما نتصف بها نحن كشعب او استوردناها او وصلت الينا عنوة و قسرا من خلال ما وصلت الينا من الثقافة و الكلتور الاخر المشوه اصلا . او ما برز نتيجة انعدام الدولة و في ظل الاحتلال و الغزوات التاريخية و التدخلات الاجنبية .
3- السلطة التي تتوفر لها الفرصة في ادارة الدولة الجديدة يجب ان تتحلى بعقلية حداثوية منقطعة عن ما ادارت به الواقع ما قبل الدولة، اي يجب الاستناد على الفكر و الفلسفة الحداثوية و في جو ديموقراطي و حرية سائدة مع التوازن في استيعاب الرجفات و الضغوطات المتنوعة التي يمكن ان تتعرض لها بشكل طبيعي من خلال مسيرة الحكم مابعد الدولة، اضافة الى الاعتماد على الفكر و الفلسفة التي تواكب التقدم التكنولوجي بشكلها الطبيعي الاصيل و ليس الشكلي المظهري فقط كما نستدله الان . و من المفروض استخدام الية متطورة في ادارة البلد من كافة جوانبها . و هذا يحتاج على عقليات كبيرة و بحوث و مؤسسات لها وزنها، و يجب ان ياخذوا دورهم المطلوب في الاستشارة بهم وحتى عند اداء العمل التنفيذي ايضا .
4- الاهتمام الكبير بالاقتصاد و ادارتها بشكل علمي تقدمي عصري و تنظيم الصادرات و الواردات بحيث يشهد دخل الفرد تقدما يوضح للجميع بان الدولة لخير المجتمع و حياة الفرد الخاصة ايضا قبل بناء الكيان العام، اي الدولة من اجل الحفاظ على الكيان و التكوين و الرفاهية و سعادة في الحياة العامة للناس ايضا .
5- الاهتمام بالمعرفة العلمية و التربية و التعليم و الثقافة و الفن, كي نحافظ على القدرة و الامكانية من اجل خير البلد و تقدمه، و يمكن ان نصل الى مصافي الدول النامية في اقل فترة ممكنة لنكون مثالا يحتذى به في المنطقة .
6- استخدام الجهد اللازم من اجل منع الاستاثار بالثقافة المسيطرة على بلدان المنطقة بشكلها الحالي, و نكون بعيدان نسبيا عن العادات و التقاليد و السلوكيات البالية في بعض البلدان التي يمكن ان نتاثر بها، و يجب ان ناوزن بين الخصوصية و ما يمكن ان يُستورد و يمكن العمل على اختيار الافضل بعقلية سالمة و اجتياز العقلية الخرافية و ما الموجود منها في المنطقة و التي استوردت منها عن طريق الغزوات المتعددة و تراكمت كمترسبات لما فعله التاريخ و ما حدث فيه .
7- اللجوء الى الطريقة المناسبة و المثلى و العمل الدؤوب من اجل عدم توريث ما فيه الكورد من الفوضى المتعددة الجوانب السياسية الاقتصادية الثقافية الاجتماعية، و الانسلاخ من العادات البدوية المتخلفة المستوردة من صحاري المنطقة والتي هي معدومة في جغرافيا كوردستان .
8- استخدام النفط كثروة وطنية باكمل وجه و اجمله من اجل ان يكون نعمة لنا و ليس نقمة، و ذلك بنظم ادارية و اقتصادية متطورة و حديثة بعيدة عن جشع و استغلال الشخص و الحزب . من اجل تلافي ما مرت به دول المنطقة كالعراق و بعض دول الخليج من جانب عدم استخدامهم الثروة النفطية و الواردات في محلها و اصبحت عالة على الشعوب و وسيلة للقتل و الدمار و الارهاب .
و عليه، يجب ان تُتخذ الخطوات الضرورية في كوردستان مابعد الاستفتاء و الدولة و التركيز على السلطة المدنية بوسائل و افكار عصرية حديثة و يمكن ان نفكر و ننفذ الاهم من الخطوات فيها و يمكن ذكر الاولويات الضرورية بما ياتي :
1-لعدم فسح المجال عن توريث الوضع الفوضوي غير السالم و الانقطاع عنه، يجب ان تكون السلطة الكوردستانية بعيدة عن ما يحصل اليوم و تكون المناصب التنفيذية و التشريعية و القضائية المهمة و المؤثرة بشكل مباشر على حياة الناس بعيدا عن ماهو عليه اليوم من السلطة الشخصية الحزبية و من العوائل السائدة و الحلقات الحزبية المتنفذة و الشخصيات العشائرية و الاجتماعية و الحواشي المتملقة التي لا تلائم و لا تفيد السلطة الحديثة و الحكم الرشيد . و يجب ان تاخذ المؤسسات دورها و اسقلاليتها و تبني لنا دولة المؤسسة و النظام التقدمي الحداثوي .
2- ما اسعدني اكثر من اجراء الاستفتاء و الاستقلال هو ما اعلنه السيد مسعود البارزاني من عدم ترشيحه و المقربين له لاية منصب في الدولة المقبلة و يعتقد بانه ادى واجبه، و عليه سيكون الدور على الاخرين لاداء ما يفرضة الواقع الجديد وبآلية مختلفة . و عليه سيكون فخرا له و لحياته السياسية و حزبه و سيبني مجدا لا نهائيا و يفرض نفسه مرجعا قوميا وطنيا لا يمكن اجتيازه حتى في الامور التنفيذية و التشريعية في حينه، و حقا سيكون ذلك القرار ان كان استراتيجيا و نفذه بان يبني لنفسه اكبر مجد, ان وفّى بوعده في الوقت المناسب .
3- كما نسمع ما يُشار اليه بان تكون دولة كوردستان جمهورية فدرالية ديموقراطية تضمن حقوق الجميع، عرقا و دينا و مذهبا، و تعتمد مبدا المواطنة و حقوق الانسان و العدالة الاجتماعية و المساواة بين جميع المكونات التي تعيش على ارض كوردستان، يجب ان يكون ذلك بعيدا عن الشعارات المضللة . و عليه، لنا ان نقول يمكن ان تُضمن تلك المباديء باعتماد الحداثة و الديمقوقراطية و اتخاذ العلم و المعرفة و الفلسفة المدنية طريقا و وسيلة عصرية مناسبة في الحكم .
4- الاصرار على العدالة الاجتماعية و المساواة و الحكم الرشيد و الديموقراطية و الحرية و الشفافية في ادارة البلد، سيكون اكبر عامل للوحدة والتعايش السلمي و الابتعاد عن الخلافات الداخلية، و ينفذ هذا بعقل كبير و انسان تقدمي مخلص لشعبه و مستقبل اجياه و مؤمن بالحداثة و العصرنة في الحكم .
5- اتخاذ كافة الطرق الملائمة من الحذر الواجب من عدم تكرار حكم دول المنطقة العائلية العشائرية الملكية المتخلفة، و تحاشي تجاربهم المريرة من ظلم الدائم لشعوبهم، و اتخاذ جوهر حكم تقدمي بعيدا عنهم و عن سلوكهم و نوعية سلطاتهم .
6- اتخاذ الخطوات اللازمة لبث روح الوفاء و الاخلاص للبلد و التواضع و الالتزام بما يحمي الدولة من الافكار التقدمية و الابتعاد عن ما يؤدي الى الفشل في اي جانب منها كان . و يتم هذا بالتصالح و التصافي و الابتعاد عن الكره و الحقد و الضغينة و الخلافات الداخلية، و فتح صفحة جديدة مع البعض، و الكورد قادر على ذلك لانهم تصافحوا و تصافوا مع اعدائهم فكيف بانفسهم مع انفسهم .
7- الحذر من اعادة تجربة دول المنطقة جوهرا و شكلا و هذا يحتاح لعقل منور و سلطة تقدمية و مؤسسات بحث و تعاون مشترك بين الجميع و لكل من له المنصب الحكومي و من موقعه الى اعلى هرم الحكم .
8- اهم شيء و من الاولويات التي تعتبر عملا مصيريا حياتيا و من اولى الاولويات، هو اعادة النظر في النظام الاقتصادي بحيث يراعى فيه معاناة الناس المعيشية و الظروف الصعبة للفرد الكوردستاني و المجتمع بشكل عام، و هذا ما يحتاج الى اصلاح جذري متعدد في كافة جوانبه .
9- يمكن اعتماد قيادة جديدة منورة متمكنة لها القدرة على العبور الصعب و ضرورية لبداية بناء الدولة و ما تحتاجها من العقول المبدعة في كافة المجالات و الاختصاصات . اي الانتقال من مرحلة الى اخرى بشكل و جوهر و عقلية مختلفة ولو نسبيا ان كنا واقعيين .
10- كطريقة حداثوية في السلطة و الحكم الرشيد يجب الاعتماد على المؤسسات البحثية العلمية من اجل التشاور و النقاش و الدراسة و تطبيق النظريات المناسبة لواقع كوردستان واتخاذ القرارت الصعبة المصيرية من خلالها .
11 – الانسلاخ من مؤثرات الظروف العامة لما قبل الدولة نفسيا و سياسيا و قانوانيا و اقتصاديا و سيؤثر هذا حتما على الحالة الاجتماعية و بدورها تؤثر على الوضع العام. و يمكن ذلك بالاستناد او الاستفادة من تجارب الدول المتقدمة التي مرت بظروف مماثلة لنا.
عند الاعتماد على المباديء المهمة التي سبقت ذكرها يمكننا ان نتافئل باننا سنصل الى مرحلة الدولة الحداثوية و الحكم الرشيد في اقل فترة ممكنة, و يمكننا نا نقفز على المشاكل و الازمات التي نعاني منها و ندمل جروحنا بايدينا و نصل بالقارب الى شاطي الامان و ان كان صعبا الا اننا في مرحلة تاريخية حاسمة لحياة شعبنا الكوردستاني الذي يعاني منذ اكثر من قرن و عليه يمكن ان نستهل الامر .
و هنا يتبادر الى اذهاننا مئات الاسئلة و منها؛ هل لنا القيادة و الامكانية الكافية لتجاوز المحنات و بناء دولة نموذجية يحتذى بها الاخرون، و هل عقليتنا على حال و قوة يمكن الاعتماد عليها و بها يمكن تجاوز ما هو المفروض و الضروري تجاوزه، و لنا من التاريخ و الجغرافيا و المقومات الرئيسية لبناء الدولة، و عليه يمكن ان نستخدمها ان فضلنا العقل على العاطفة و الحداثة و البحوث و الدراسات و التعاون و الفكر المدني التقدمي الحداثوي عن الصفات الذاتية كانت او المستوردة البالية التي التصقت بنا عنوة و للشعب على القيادات حق يجب الايفاء بها، و لاصحاب التضحيات فضل كبير على الشعب و الاجيال دائما و ابدا كما للاجيال الحالية و القادمة حق على ان نفكر في حياتهم و نضمن مستقبلهم، وفي مقدمة ما يسهل ذلك الامر دولة كوردستان المستقلة و نحن على ابوابها . و عليه يجب عدم تهميش القدرات وفق الافكار و التوجهات المختلفة و الاستفادة من كل امكانية و قدرة مهما كانت صغيرة لضمان نجاح تجسيد اعمدة استقرار و ادامة الدولة الكوردستانية الوليدة.[1]