التحديات المختلفة لمابعد تحرير الموصل
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 5357 - #30-11-2016# - 15:35
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
ربما يفكر البعض بان مابعد الموصل هو الاسهل، و ان المشكلة تكمن في وجود داعش فقط، الا انني ان لم ابالغ اعتبر مابعد التحرير اصعب على العراق و مستقبله، لما يمكن ان تبرز من المشاكل المستعصية المتنوعة السياسية الاجتماعية الاقتصادية، وفق ما تتميز به هذه المنطقة و خصائصها المختلفة كليا عن بقية مناطق العراق من جوانب عديدة من جهة، و ما تمتاز به من الامور التاريخية و الخصوصية التي تفرض عليها المتغيرات نتيجة التوجهات التي تريد اصحابها و الدافعين لها النيل منها، او اذا تمكنوا من بترها كليا عن حاضنتها او متلاصقاتها لادعاءات فارغة لا تمليها الا التعصب الاعمي و الالتزام بالتخرصات المصلحية و عدم الالمام بالعصرنة و ما تفرضه التغييرات الفكرية و التطورات المختلفة على العقلية الانسانية للتعامل مع الواقع وفق الحداثة، اي البحث عن عمق ما يهم الانسان قبل الجميع و في مقدمة كل شيء . الا ان من يتمتع بافكار ذهب عليها الزمن و هو متمسك بها، لا يمر يوم الا و يفكر فيما سارت عليه اجداده لكونه عائشا في عصرهم فكرا و معتقدا وعقلا، وهذا ما يدعنا ان نقول بانه يعيش خارج التاريخ و العصرنة .
ان اهم التحديات التي يمكن ان تُدرس من اجل تذليلها، هي الجشع الموجود لدى تركيا وقياداتها و اردوغان بالذات و هو الطامع لقص ما يعتبره قطعة الكعكة التي ينتظرها منذ مدة و يتربص بها، ويعتقد انه يمكنه ان يقفز عليها او التقرب منها بحيلة او استغلال ظرف ما، عندما تحين الفرصة للانقضاض عليها تحقيقا لاهداف و نيات شخصية نابعة من نرجسيته و طمعه و طموحاته، او كما يعتبره بانه حق لدولته و ما لها و ما يعتقد بانه لها الحق في ضمها و يجب ان تورثه من بقايا امبراطوريتها المنقرضة التي يريد انعاشها بشكل و طريقة اخرى . ان التدخلات السرية من قبل الكثيرين و التي كانت ورائها تركيا مخابراتيا و دعما من كافة النواحي لا يمكن ان تقف مكتوفة الايدي فيما بعد داعش ايضا، سواء خططت لها منذ مدة او اليوم او حسب ما تتحين الفرصة و الوقت لما يمكنها ان تفعل .
اي اولى اولويات السلطة العراقية لمابعد تحرير الموصل بالشكل الكامل هو عرقلة ما يمكّن تركيا من التدخل باي شكل كان و قطع دابر المؤآمرة التي تخيطها منذ مدة و تدفعها نرجسية اردوغان الى الاماميوما بعد اخر الا اذا جابه قوة و منعته من التقدم . اضافة الى ما يكمنه منافسو تركيا و اردوغان في المنطقة من الجانب المقابل و بالضد منه على الطرف الاخر، والذي تقع سلبياتفي مضمونه بما يخرج من تحت ايديهم من افرازات سلبا على العراق و خصوصا فيما ينوونه لما بعد تحرير الموصل و ما يجر وراءه و ما يفرزه من التداعيات الخطرة على المدينة و المنطقة لما تحيط بها هذه القوى الطامعة و المخططة لاهدافهم المختلفة .
اما التحدي الاخر الخطر هو بروز قوى اخرى مابعد داعش مماثلة له باسماء و محتويات اخرى مشابهة له جوهريا و مختلفة عنه شكليا، و كما راينا تعاقبهم واحجة بعد اخرى، من القاعدة الى انصار الاسلام الى النقشبندية وغيرهم من التنزيمات الارهابية العديدة و من ثم مجيء داعش . و سوف يتتراكم بقايا هؤلاء و تتجمع بمعاونة من له المصلحة من الجهات العديدة و بالاخص بعض دول الخليج و تركيا في بناء كيان ارهابي اخر، كي يبقى تحت امرتهم لتحقيق اهداف مرحلية جديدة و ضيقة خطرة على المنطقة و نابعة من استراتيجياتهم الاسلاموية السلفية، و التي تدخل في عمق استراتيجيتهم السياسية و ضمن افكار و عقلية الساسة التي يتبعونها في ادارة بلدانهم وفق ما يحملون . اي الارضية مترسخة اساسا لبناء تنظيم اخر بايدي خارجية و قوى داخلية مخدوعة عقليا، و ربما بشكل و نوعية مختلفة و بنفس المحتوى لتحقيق ما يريدون دون ان يكفّوا في هذا، فالاولوية الثانية هي منع تحقيق هذا الهدف بالطرق المباح فعلا و فكرا عسكريا و سياسيا، و توجيه الضربة اليهم بالشكل المناسب في الوقت المناسب، و هذا ما يريد تعاون الجميع داخليا كي ينتجوا الخير من الحل الناجع و النهائي .
التحدي الثالث هو ما لمصلحة الدول الكبرى في هذه المنطقة و ما يريدونه و ينفذون اجنداتهم به وفق ما يهم استراتيجيتهم السياسية العالمية، و ما يريدون من تنفيذه بما يفرضونه على المنطقة، اي، على العراق ان يقرا هذا بشكل جيد . و هناك تغييرات كبيرة في هذا الشان ايضا بعد انتخاب ترامب و ما تفرضه مصالح الدولتين روسيا و اميركا في المنطقة بشكل ربما يختلف عما كان في زمن اوباما، اي تعامل العراق و الكيانات لمابعد تحرير الموصل مع توجهات القوى الكبرى، يجب ان يكون وفق دراسة دقيقة و بعقلية مقيّمة لما يجب ان يخططوا به و يخطوا عليه و عالمة بما يجري سرا و علنا لتحديد الطريق المناسب للدولة العراقية و مكوناته الشعبية و ليس للخلفيات المختلفة و ما يمكن ان تفرضه المصالح الضيقة النابعة من الافكار و المعتقدات الجهوية العقائدية الخاصة بطرف معين و ضيق الافق التي يفرضها البعض خارجيا، او العقلية و المعتقدات السائدة بين الشعب العراقي و فيها من التناقضات التي يمكن ان تسكب منها المنتوجات و يثمر قوالب خاصة مهيئة خارجيا او من قبل الموالين خارجيا ايضا، و هذا ما يدع المنطقة على ارضية رخوة و غير مستقرة لمدة طويلة جدا، و به يخسر العراق و مكوناته اكثر من وجود داعش بنفسه في المنطقة .
و هناك تحديات صغيرة متعددة اخرى يمكن التعامل معها بسهولة، الا ان العمل الجاد هو المطلوب للوقوف ضد التحديات الكبيرة التي يمكن ان تخرج هذه المنطقة بشكل اخر ان لم يخطط المهتمون بها داخليا . عليه يجب :
*يستوجب الامر التنسيق الكلي بين المكونات المختلفة لهذه المنطقة و ما لدى اي منهم من الهدف و التباحث حول مابعد التحرير مباشرة دون التاجيل، و يجب ان يكون الامر واضحا بان الحل العسكري لا يمكن ان يقطع دابر اي مؤآمرة ان لم يتعاون جميع الجهات الداخلية في هذا الامر، و الجميع يعلم ان ما سارت عليه سوريا في بداية احداثها يمكن ان تعاد في العراق و في الموصل مرة اخرى نتيجة تدخل العديد من الايدي المتلاعبة فيها و متحضرة منذ اليوم للعب فيها مابعد تحرير المنطقة من داعش . و ليس العراق و الموصل كايران و شمالها، كي يفكر القادة بانهم يمكن ان يسيطروا عليها بالقوة، لاسباب عديدة و منها الديموغرافية و الجغرافية و السياسية و التاريخية ايضا و المتغيرات التي حصلت خلال هذه العقود التي لا يمكن ان تفكر القادة العراقيين المعنيين كمن فكر قبل العقود الخمسة التي مضت.
* يحتاج الوقوف امام التحديات الى عملية سلمية قانعة للجميع، و ان امكن ايجاد الحلول الجذرية بواقعية بعيدا عن الشعارات و المثاليات التي سارت عليه القيادات العراقية و لحد اليوم، و لم ينجحوا في تحقيق ما هدفوا اليه لانهم لم يتوغلوا الى ما يريده الواقع ارضا و شعبا بتجذر بعيدا عن الايديولوجيات و المعتقدات الخيالية . اي يفرض العقل الناضج ان تجتمع القوى الثلاث الكوردية الشيعية السنية جميعا على طاولة واحدة لايجاد حل تاريخي لقطع دابر المتربصين نهائيا و الى الابد في هذه المنطقة بالذات، و لا يمكن هذا الا بما تريده هذه القوى بشكل صريح وفق خلفيات كل منهم، و بما تفرضه عقليات و توجهات و اعتقادات المكونات و ما يهمهم و ما يفكرون بانه لمصلحتهم في هذا الوقت و ليس بالامس او الغد .
منع تدخلات الجوار جميعا دون استثناء لاي سبب كان . و الحل االذاتي الخاص و المدروس هو الانجع من اي توجه او ما يعتبرونه حل خارجي لما وراءه من مصالح لمن يحمله خارجيا قبل العراقيين و شعوبهم و مكوناتهم . اي الاجتماع و البحث و الدراسة و الاخراج و النتيجة يجب ان تكون عراقية و من المكونات الثلاث الرئيسية في البلد و المنطقة بعيدا عن المصالح و التكتيكات السياسية التي يمكن ان تضر اكثر مما تفيد الحلول المنطقية لمابعد داعش في هذه المنطقة و العراق بشكل كامل .
و هنا نسال هل من عقلية عراقية عملاقة و تاريخية يمكن ان تُخرج العراق على ايدي صاحبها من المشاكل التاريخية الكبرى العويصة التي المت به و عانة منه العراق دون غيره طوال الازمنة الغابرة دون ان يجد لها من كانوا من قبل المسيطرين على زمام الامور اي حل مقنع و زاد استنزافا طوال تاريخه، و سالت جراء ما سارعليه بحر من الدماء . فهل من قيادة بارعة واقعية عصرية التفكير بعيدة عن اي مخطط خارجي و مفكرة بواقعية، و يجد الحل المناسب المعقول و المُرضي لجميع الجهات و يسجل لنفسه التاريخ، لانه يقطع دابر سيل دماء الابرياء لما بعد اليوم، و به يمكن ان يعود العراق مهما كان شكله و تركيبته و واقعه الى شاطيء الامان و ضفاف الاستقرار . و من يفكر انسانيا، ليس هناك عنده اغلى من الانسان، فالف وطن و ايديولويجا و معتقد و دين و مذهب و عرق لا يساوي قطرة دم فرد بريء . و ليفكر اصحاب النفوذ من هذه الخلفية و يكون الحل ابسط مما يتوقع اي منا . فلننتظر، و لتكن نهاية الموصل بداية عصر جديد و انعطافة لحل تاريخي كامل و شامل لكافة قضايا العراق و هذه المنطقة بالذات، و ارجوا ان لا يكون العكس تماما.[1]