قفزة 15-08
سيهانوك ديبو
#شمال كردستان# / جنوب شرق تركيا ولأكثر من أربع عقود ظلّ خامداً؛ عملية التتريك والإبادة بكل ما تعنيه هذه الكلمة كانت هي العنوان، الخواء الفكري والأيديولوجي ظل مسهوبا في ثنايا الفكر والنهوض، فمن العام 1937 بعد فشل انتفاضة سيد رضا في ديرسم والقمع اللانساني في إخمادها والتنكيل بأهلها وأطفالها ونسائها وحتى السبع سنوات من الحراك الأيديولوجي والتنظيمي والسياسي التي مرت بها حركة الحرية الكردستانية وسبقت حديث الطلقة الأولى في مثل هذا اليوم من العام 1984.
يعترف المؤرخين الأتراك أنه تمّ القضاء على تسع وعشرين ثورة وانتفاضة كردية منذ بداية القرن التاسع عشر وحتى انطلاق الكفاح المسلح للشعب الكردي في شمال كردستان بقيادة حزب العمال الكردستاني وتحديدا في شمدينلي – هكاري في 15 آب على يد شباب ثائرون لم يكونوا كُرداً بل من الترك والمكونات الأخرى؛ وهذه في اعتقادي اللبنة الصلبة التي شكلت حجر الزاوية في بناء ما رنوا إليه الأوائل المؤسسين.
طيلة العقود الأربعة؛ عقود الخواء والعجاف الوطني، كاد الكرد في كردستانهم المركزية أن يُقتلعوا من جذورهم، فالسياسات الطورانية آنذاك كانت جُلّ اهتمامها مصوب إلى تتريك الكرد وأن الكرد في تركيا ليسوا سوى “أتراك الجبال”؛ مثل ذلك كان قائماً في إيران والعراق وسوريا، وهنا يؤكد الباحثين الأتراك أن الأنظمة في تركيا قطعت أشواطاً خطيرة في إضعاف وتشتيت الهوية الكردية، فكاد الكرد في تركيا أن ينسوا أنهم كُرد واللغة الكردية كانت تتقلص إلى درجة أن الأغلبية كانت تخشى التحدث بلغتهم، والمجابه لمثل (القرار) مصيره السجن والتنكيل، والتراث والثقافة الكردية المضمومة بالقومية أيضاً بدأت تكون غير مرئية، وكانت في أحسن أحوالها متحولة أيضا إلى فلكور تركي، والجغرافية بدأت أيضا تُتَرك، فكل مدينة كردية كان يكتب في أحد وديانها أو أحد جبالها “يكفي أن تكون تركيا..أن تكون إنسانا سعيداً”؛ أي أن الهوية الكردية بكل مناحيها الثقافية والسياسية والاجتماعية كانت على محك الزوال.
أن الكفاح المسلح الذي تبناه العمال الكردستاني والطلقات الأولى في (أرو وشمدينلي) تعتبر بمثابة خروجاً للأموات من قبورهم…كسراً للقيود الدامية…عزماً لتحقيق مستقبلاً يكو الأمكنة متسعة فيها للجميع، وقد انبعثت روح المقاومة من الرماد مثل طائر الفينيق، وبدأت المقاومة المسلحة تعيد بناء الشخصية الثورية في كردستان وبكل سماتها؛ حركة ثورية بنظرية ثورية لم تقف عند حدود تلك المرحلة التي شهدت صراعاً بين الاشتراكية المشيدة السوفياتاتية والامبريال العالمي، وتجليّاً بالصراع المحموم بين الروافد والروائز المنقسمة بين التيارين الأساسيين.
لقد اعتمد العمال الكردستاني ومنذ بداياته الأولى إلى ثلاثة استراتيجيات تحددت بِ: استراتيجية التوازن ثم استراتيجية النهوض وأخيرا استراتيجية الدفاع المشروع. وقد بدأت بقطف ثمارها مؤخرا وبالشكل الإيجابي من ثلاثة نواحي أيضاً: الشرق أوسطية والوطنية وأخيرا الحالة القومية الكردية، وفي كل أجزاء كردستان، و تجربة الإدارة الذاتية الديمقراطية في روج آفا هي من فكر و فلسفة أحد مؤسسي حركة الحرية الكردستانية أوجلان؛ التجربة التي من المرجح أن تصبح الحل في زمن الأزمات التي تعصف بالشرق الأوسط وسوريا على وجه الخصوص.
أعتقد بأن ديمومة هذه الحركة مستمدة من القوة الفكرية وقوة المشروع الفكري التي يتحلى بها؛ وهذا ما جعل الكثير من الشباب الكردي والعربي والتركي والفارسيوحتى الأممي يلتفتون ويلتفون حول هذه المنارة الفكرية؛ إذْ من العبثية المطلقة أن يعيش أي شخص دون فكر دون التزام إيديولوجي، والأخير يعتبر المدخل لبناء المجتمع السياسي الأخلاقي الذي لم يمر به حتى اللحظة أيّاً من شعوب الشرق، والتأسيس لمثل هذا المجتمع هي قفزة النهضة مجتمعياً؛ وتشيه إلى حد قصيّ المبادرة العظمى التي تحدث عنها لينين، والجلبة التاريخية التي عمل من أجلها غرامشي، واللحظة التاريخية الفارقة التي تجابه حالة تخدر المجتمع وتجعله يكتسب مناعة بعد ضمر الممانعة ضد أي تغيير نوعي، فالفرد في هذا المجتمع يعتقد أن له قيمة وأنه حر بمجرد أنه يستطيع أن يختار بين أنواع المنتجات الصناعية لتلبية حاجاته كشراء سيارة أو امتلاك بيت فاخر، بينما الحقيقة الفعلية (انه حر في اختيار أسياده) حسب ماركيوز، وأن الفرد الحر بحسب منطق التحليل الوضعي هو مجرد (فم مستهلك) والإشارة والتشويش على أنه (عقل متنور) باتت غير مقنعة؛ ويتخطى ذلك واجباً البحث عن حالة فكرية مجتمعية تؤكد على الإنسان الندي؛ المجتمع متمثل فيه وهو الممثل للمجتمع؛ وهذه هي المنشودة في حالة الأمة الديمقراطية.
التأكيد على صلب السياسة الديمقراطية هي من أولويات المرحلة الثورية التي نعيشها (سوريّاً- كردياً) بعد فشل السياسات الدولتية التي تستخدم مجتمعاتها وتستخدمها مطية لمآربها؛ بعد تشظيها وحجزها وفكفكتها، أليس هذا هو الملموس للواقع المنتج من قبل أنظمة الاستبداد السوري والشرق أوسطي؟
الأمكنة تتقلص بالأنظمة الشمولية وبسياساتها، والأمكنة تنشرع بالسياسة التي تخدم مجتمعاتها كما يقول أوجلان، خاصة بعد فشل إيجاد الحلول لأولى المهمات والحلول للمشاكل المجتمعية كالبطالة والمشاكل البيئية الناجمة أساساً وفق تلك النظرة المخلة.
وحزب الاتحاد الديمقراطي كحزب يلتزم فكر وأيديولوجية حركة الحرية الكردستانية قد حقق الكثير النوعي من خلال مشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية وفكر الأمة الديمقراطية وأصبح اليوم جزء مهماً من الحل السياسي السوري، وقد أصبحت أحزاب ومكونات الإدارة الذاتية صُنّاع البناء في تصديهم للإرهاب والاستبداد من خلال وحدات حماية الشعب والمرأة والتي تحولت بدورها إلى شريك فاعل بارعم للتحالف الدولي العربي.
قفزة 15 آب: الثورة المستمرة نحو الحرية وتأسيس المجتمع الفاعل والمسؤول.[1]