الهندسة السياسية
عباس عمر
قالوا في السياسة إنها فن المكر والخداع، هذا التعريف ينافي مفاهيم الفلسفة الأوجلانية جملة وتفصيلاً وإن الأخيرة تستند في تعريفها للسياسة على الأخلاق والضمير اللتين تعتبران أساساً لها في كل مجالات الحياة فالذين يعرفون القائد أوجلان عن كثب ويقرأونه هم على دراية من تلك المفاهيم.
ويقال بأن السياسة هي فن ممارسة الممكن وهذا أكثر عقلانية وموضوعية ولكنها تفتقر إلى مقومات عدة منها انعدام روح المبادرة وخلق فرص الإبداع مما يؤدي إلى فرز حالة من السلبية والقبول فقط بما هو ممكن، ولها جانبها الإيجابي كونها تكتسب نوعاً من الديناميكية.
وإذا ما قمنا بترجمة الحالتين إلى الواقع الكردي المعاش حالياً وفي #روج آفايا كردستان# تحديداً وبرؤية نقدية حينها نتزود بمعنويات عالية كوننا نمتلك مقومات شعب عريق على جغرافيته الطبيعية وعلى مدى مراحل التطور البشري بدءاً من مرحلة البداوة فالزراعة ثم الصناعة وإلى يومنا هذا حيث العلوم والتكنولوجيا وهذه المراحل التاريخية التي مر بها الشعب الكردي فرض واقعاً في المنطقة على تقدم الكرد اجتماعياً على كافة الشعوب الجارة وذلك تماشياً مع عصر القوميات الذي مرت بها أوروبا منذ القرن التاسع عشر.
فالشعب الكردي كما غيره تأثر بالقومية ولكن ما نجم عن ذلك جميعها كانت سلبية بحيث لم يستطيع الكرد تجاوز محنتهم ولم يستطيعوا التحرر من خلال ذلك المفهوم وكان لها أسبابها الخارجية منها هو التدخل الاستعماري السافر في كردستان ويعود أسبابه وجود الخيرات وطمعاً فيها ولست بصدد الدخول في جوهرها كونها معروفة على الصعيد العام.
أما الأسباب الداخلية فهي محور الموضوع الذي أود التطرق إليه. فحالة التشرذم التي تمر بها الحركة الكردية المتجزئة باتت واضحة المعالم والأطر، فمنذ ولادة أول حركة كردية في غربي كردستان في خمسينيات القرن الماضي نمت وترعرعت بين أحضان الإقطاع من جهة والقومية البدائية من جهة أخرى وإلى أن رأت النور حتى بدأت التشققات والتصدعات تغزو جسدها وهذه حالة طبيعية بالنسبة لها كونها ولدت ضمن أفكار وشرائح غير متجانسة أصلاً ورغم هذا أنها اكتسبت طابع اليمين فأفرزت يساراً لا تفوقها قوة ومن ثم الوسط وبات شبه حياً إلا أن عامة الشعب يتعامل مع الحالات الثلاثة كونهم كانوا أفضل موجود.
ورغم ذلك توالت الانشقاقات دون مبرر فالولادة القيصرية العسيرة للأحزاب الكردية أفرزت نتيجة حتمية بما يتناسب مع عقلية المنجل والمحراث لذلك لم يستطيعوا النهوض إلى المرحلة القومية فنتج عن ذلك سلبيات أثقلت الكاهل الكردي الهزيل أصلاً.
أما بالنسبة إلى القومية البدائية حيث تنامى الفكر القومي في شرق كردستان وإعلان جمهورية مهاباد بقيادة المرحوم قاضي محمد والانتفاضات والعصيانات والسرهلدانات في #شمال كردستان# والحراك الثوري التي قادها لاحقاً المرحوم البرازاني في جنوبي كردستان جميعها باءت بالفشل والسبب يعود إلى عدم تنامي ونضوج الفكر القومي علماً أن معظم شعوب المنطقة نالت اسقلالها في ذلك الوقت مما أثر سلباً على الحركة الكردية في روج آفايي كردستان وذلك من خلال حالة التشرذم فأصبحت أعداد الأحزاب هائلة دون أدنى فارق بين الأصل والفرع إلا أن بروز حركة التحرر الوطني الكردستاني متمثلاً بحزب العمال الكردستاني قلبت الموازين رأساً على عقب من خلال طرح مفهوم تحرري جديد أولهم هو النضال ضد المفاهيم القومية الكلاسيكية المتجزرة في الصميم الكردي والنضال الطبقي من جهة اخرى ومقارعة العدو الأساسي للشعوب المستعمرة وعلى رأسهم الفاشية التركية كما أنها اكتسبت شعبية فائقة خلال سنوات قليلة من عمرها على الصعيد التنظيمي والعسكري وكسب كافة شرائح المجتمع.
ومن هنا تكمن نجاحاتها رغم الهجمات التركية المسعورة وبمساعدة حلفاءها ومعهم القومية البدائية والأحزاب المنضوية تحت عباءتها إلا أن جميع محاولاتهم باءت بالفشل ومن ضمنها المؤامرة الدولية ضد شخص القائد أوج آلان ظناً منهم أن الثورة تخمد بأسره إلا أن الحزب إزداد قوة وصلابة وانتشرت عمودياً وافقياً وبجميع الجهات فحزب العمال الكردستاني اليوم يخوض معركة طول جبهتها آلاف الكيلومترات بدءاً من شرقي كردستان وشمالي كردستان وجنوبي كردستان وروج آفايي كردستان وتمارس الدبلوماسية على جميع الأصعدة.
ويجب أن يعلم حزب العدالة والتنمية وأردوغانها بأنها الحكومة العاشرة التي تحارب وجود ال PKK وأنهم زالوا ولايزال الPKK صامد، فمن حزب العمال الكردستاني بدأت والآن عشرات بل مئات الأحزاب والتنظيمات والمؤسسات والمجتمع المدني العالمي يسانده بالإضافة إلى غالبية الشعب الكردي والكردستاني الذي يقاوم تحت رايته.
الرحمة للشهداء الأبرار
المجد لشعبنا المقاوم تحت راية وفكر وفلسفة آبو[1]