ديمقراطية الطبيعة هي أصل ديمقراطية المجتمع
سيهانوك ديبو
من الخطأ النظر إلى الكوارث البيئية بأنها محض تخريب وصرف تدمير، والاقتران الكلي بينها وبين النتائج السيئة التي تظهر؛ تمثيل النظرة السطحية الضيقة المُطالِبة بالنتائج الفورية الإيجابية. ومن الصواب النظر إليها في سياق الأسباب التي تؤدي إلى قيامها مثل هذه الكوارث بالأساس وأنها تصحيح للاعتلال الصائر إليه في الطبيعة، وأن الطبيعة موجودة ومسيّرة وفق تفاعل نِسَبٍ لجمع من العناصر الموجودة والُمشَكٍّلة أساساً للطبيعة، هذا التشكيل والتفاعل والوجود يمكن تسميته (ديمقراطية الطبيعة) أو التعددية التوافقية لعناصر الطبيعة، وصيغة الديمقراطية هذه في حركة دائمة لا يمكن المساس بها ولا تقبل أية حركة من شأنها استبعاد عنصرٍ أو انقلاب عنصراً إلى المقدمة، إنما سلسلة غير متناهية من العمل والتفاعل، وعلى النقيض تماماً فإن أي محاولة متفردة تؤدي إلى وقوف وتباطؤ في الحركة، وحتى تستأنف الحركة لا بد من فيضان أو اعصار.. كظاهرة تنتج بعدها هدوء وإعادة العمل لكل العناصر وبكل نسبها. إنها الطبيعة والبيئة الأيكولوجية ولم نكن نحن البشر سوى جزءً منها ولن نكن أسيادها، الطبيعة لن تسمح بمثل هذا العقد الإذعاني؛ وإنْ حدث يعني الاستعداد لمرحلة الفناء، هي بالأساس غير مستعدة لذلك، وإذا ما ازداد عنصر على حساب عنصر آخر نجد بأن الإرادة السيادية توجه جميع العناصر نحو مكمن الخلل المتحصل ويؤدي بالتالي مثل هذا التحرك إلى انفجار بركان ووقوع زلزال؛ أشبه بحرب أهلية في بيئة مجتمعية معتلة، وما أن ينحسر الخلل بعودة التوافقية في عناصر الطبيعة حتى تهدأ تلك الكارثة ويتم الهدوء مرة أخرى والانطلاق مرة أخرى جديدة. وفق رؤية الطبيعة وديمقراطيتها لا نصدق لو قلنا بأن الحروب الأهلية هي ضارة على الدوام؛ فما من ثورة عظيمة واحدة حدثت في التاريخ من دون حرب أهلية؛ قالها لينين ذات براغماتية محضة؛ ليس بالضرورة أن نوافقه على مثل الرؤية الذرائعية التبريرية لممارسة المزيد من العنف؛ لكن؛ ضرورة القوة متوقف على حجم الاعوجاج الجالب للقوة حتى تقويمه وعودته كما سابق اعوجاجه، وهذه هي المسألة برمتها. في المسألة السورية وحربها الأهلية لا بد أن نؤكد كما افلاطون (القتلى وحدهم يروون نهاية الحروب)، وقصد افلاطون في الحالة السورية أن نيّة الخلاص من هذه الحرب لا يملك السوريين قرار انهائها، وفي الوقت نفسه غير متوفرة أيضاً للمعنيين بحل الأزمة السورية الأساسيين منهم والثانويين، أما التحرك الدبلوماسي المُركّز في الفترة الأخيرة والذي لاقى آذاناً صاغية له وتفاعلاً معه من قبل غالبية المعارضة على مختلف صنوفها ومختلف داعميها؛ فيمكن النظر إليه من ثلاث زوايا:
الأولى؛ احتلال الملف السوري المساحة الأكبر على طاولة الدوليين سيّما باتت المساحات أكبر بعد اتفاق الإطار النووي الإيراني مع الدول الست؛ من ناحية، ومن ناحية أخرى خشيتهم من خروج الملف السوري وعدم التحكم والسيطرة بمخارجها، الحجز المجتمعي السوري بات في أعلى حالاته وامكانية الانتقال إلى الدول المجاورة مُشاهدَة بسهولة. الثانية؛ بالرغم من التناقض بين الإقليميين حيال الأزمة السورية؛ يبدو أن الهلع بدأ يضج مضجعهم، والمثال التركي؛ ليس سوى تكامل بين الأزمة التركية الداخلية المُتَسَتِرة مع خارجها السوري والعراقي خاصة إذا ما أدركنا بامتياز أن تركيا واقفة بالعموم في الجهة الخاطئة من المسألة برمتها؛ سواءً من حيث علاقتها مع داعش وتعويم النصرة ومعاداة الكرد في داخلها وخارجها على طول الوقت. الثالثة؛ الدوليين والإقليميين (حلفاء النظام) في تمام ادراكهم أن مساحات الحليف باتت تتقلص بشكل ملحوظ من الناحيتين الجغرافية والديموغرافية المقاتلة إضافة إلى التدمير في البنية التحتية وفشل استحداث اقتصاد حربي اعتمده حليفهم/ النظام. ولأن السياسة المعتمدة حتى اللحظة من قبل السياسيين الذين يستخدمون مجتمعاتهم لمصالحهم هي سياسة النمساوي الداهية مترنيخ (ابقاء القوى المتناقضة متوازية ومتوازنة حتى تحين اللحظة)، فيبدو بأن هذه السياسة هي المستخدمة في أزمتنا السورية، والمسألة مُقَدّر لها الوقت المديد. إذا كانت الحرب الأهلية الاسبانية من أسوئها في القرن العشرين؛ ليس الأمر متعلقاً بالدم المراق فقط وإنما بسبب تعويم الجنرال فرانكو بعد أن هدأت الحرب وابقائه في السلطة حتى موته 1975ولم يتمكن أحد من محاسبة قاتل لوركا والشعب الإسباني، يبدو أن المزاج الدولي والإقليمي يشير إلى ما يشبه الإسبانية للسورية وتعويم نتائجها، سيكون ذلك – إن حصل- وتم تلقيط الإشارات للسوريين؛ الحزن الأكبر وخُسران التغيير وتبخر الحلم إلى حين آخر. هنا؛ الرؤية الفكرية لأوجلان تنبأ بأمرين سيتم حدوثها: الأول؛ السياسة الديمقراطية التي تخدم مجتمعاتها مُقَدّرٌ لها النجاح رغم تمظهر التوحش الذي يبدو عليها السياسات اللا ديمقراطية والتي تظهر في نهاية الموقف بمظهر وحش من ورق؛ خاصة بعد عجزها عن اسكات مجتمعاتها ولجم حركتها وفشلها في إيجاد حلولٍ للمشاكل المجتمعية: البطالة والفقر والبيئة ..الخ. الثاني؛ الشرق الأوسط الديمقراطي حتى يكون؛ لا بد من إنتاج جملة من المفاهيم الفلسفية والفكرية والإجرائية له والاقتناع
بأنه مجموعة ثقافات متتامة مضمونة فيها الحقوق القومية وليست مجموعة من القوميات المتحاربة؛ حينها نشهد وثبة الشرق الأوسط الندي المتوائم الفاعل للحضارة الغربية؛ نوعٌ مطلوبٌ من إعادة التوازن.
كسوريين؛ الفرص لم تنتفي كلها وبمجملها، القوى الديمقراطية والمعارضة الوطنية ما زال مطلوباً منها أن تقل ما ينتظره الشعب السوري منها، واجتماعهم واجماعهم على دمقرطة سوريا من خلال هيئة؛ مجلس؛ جبهة هي الواجبة والمنتظرة.[1]