انتصار #كوباني# انتصار السلم العالمي الحلقة الرابعة
هوزان عفريني
الحلقة الرابعة
فيما بعد التقيت بمقاتل آخر كان من كوباني وهو لا يتجاوز تسعة عشر عاماَ من العمر، معروف بأسم هفال عكيد. كان يلعب بالكرة الطائرة و لديه طيور الحمام وكان يقضي معها وقته أثناء الفراغ القليل، الذي لا لم يكن يتجاوز بضعة دقائق وهو يبتسم ويتكلم مع رفاقه بين اشجار الفستق. وعندما سلمت عليه وسألته عن سبب احتفاظه بالحمام في هذه الظروف وكيف لك ان تفكر بها وحتى لو كنت تحبها و تملكها في البيت ولكن هنا جبهة حرب و معارك ضروسة ؟؟ فقال لي بابتسامة نعم انا أحب الحمام ومنذ صغري كنت اهتم بها ولأن الحمام رمز السلام و نحن ككورد شعب مسالم و نريد حياة ملؤها المحبة والسلام ولا نريد الحرب ولكن الاعداء هم من فرضوا علينا الحرب والمعارك التي تدمر كل ما هو غالي و نفيس لدى المرء.
يضيف عكيد بأنه لا يحبذ ان يموت الإنسان ولا يريد ان يقاتل ضد الانسان ولا يريد ان يرى موت إنسان أمام عينيه، ولكنه يقول بأن هناك المجموعات المسلحة الإرهابية التي تعمل يومياَ على محاربة الكورد و يحاولون افساد كل ما حققه هذا الشعب من منجزات و مكتسبات. و نحن نحب الحياة و نحب الانسانية و لهذا نحمل السلاح للدفاع عن الحق و ليس لنا حياة بدون المقاومة والحماية الذاتية.
وعندما كان يتكلم عكيد عن همجية داعش و أتباعها ضد المدنيين الكورد رأينا واذ بسيارة مدنية تنقل امرأة مصابة في رقبتها مع أولادها الصغار بطلقة دوشكا والتقينا بهم والمرأة كانت في غيبوبة و امتلأت عيون أطفالها بالدموع، ولكنهم لم يصرخوا بكاءاَ حيث كانت تلك المناظر تبدي قوة و معاني وسيعة فذهب المقاتلون إلى السيارة وأسعفوا المرأة الى المشفى الميداني داخل المدينة.
فيما بعد عادت مجموعة الصحافيين الذين كانوا معي و اخذهم الصحفي فرهاد شامي الى مشفى كوباني و أماكن أخرى لتحضير فيلم وثائقي عن وضع المقاومة في المدينة. و التقينا بقائد الكتيبة هفال سلمان وعبر عن سروره بزيارتنا لهم و قال : “اتمنى ان تنشر اخبار و صور المقاومة كما هي وان لا يتم التقرب منها على اسس الأجندات الضيقة التي لا تخدم قضايانا ونحن نرحب بكافة الوسائل الاعلامية هنا ولكن مع الأسف تركيا لا تسمح لهم بالدخول لكي لا تكشف عن حقيقة مقاومتنا ضد أشرس إرهاب عالمي وكلنا الثقة بأننا منتصرون و سنجعل من مدينة كوباني درساَ لكل من يتطاول على حقوق الكورد المشروعة.”
وفيما بعد أحببت أن ألتقط لي صورة عند باب مدخل كوباني من الطرف الغربي و طلبت من قائد الكتيبة هفال سلمان لكي يرسل معي من يمكنه مساعدتي الى هناك، فارسل مقاتلاً من الأسايش سابقاَ وهو مقاتل في الوحدات اسمه ابو رقيب يتجاوز الاربعين من عمره فسألني عن الوضع العام للكورد و العالم و عن كيفية دعمهم للمقاومة فشرحت له وقلت له ألا يقلقوا لأنه ثمة أغلبية الشعب الكوردي في أجزاء كردستان الأربعة متضامنون مع مقاومتكم الشريفة التاريخية التي هزت الوجدان العالمي و جعلت منهم ان يتضامنوا و ان يرسلوا الاسلحة والذخائر كما قال مسؤول في وزارة الدفاع الامريكية بأن مقاومة ابطال كوباني أجبرونا على ان نرسل لهم السلاح والذخيرة و ان نتضامن معهم في تلك المقاومة و لأنهم يحاربون الإرهاب. وبعد أن وصلنا الى نقطة مدخل كوباني هناك التقطت لنفسي صوراً بجانب لوحة مدخل كوباني المكتوبة عليها “أهلا بكم في كوباني.”
وكان هناك أردال وهو من منظمة كونفدراسيون الطلبة الكورد-#غرب كوردستان# ايضاَ ساعدنا في التنقل بين القوات و الجبهات و الخنادق الدفاعية حول مدينة كوباني و ايضاَ اخذنا الى نقطة حدودية غرب كوباني المتاخمة لقرية علي بور في #شمال كوردستان# .
هناك سألني أردال عن هفال بولات جان وعن وضعه لأنه كان من مؤسسي كونفدراسيون طلبة غرب كوردستان و كان يعمل ليلاً ونهاراً لتوسيع رقعة نشاطات الطلبة الكورد في غرب كوردستان و يقول اردال ان بولات جان صاحب شخصية كاريزماتية و وهو ليس فقط مسؤول كبير في وحدات حماية الشعب بل كان في بداية ثورة رؤجافاي كوردستان العمود الفقري للحراك الشبابي وخاصة طلبة غرب كوردستان و تعب كثيراَ و خاطر بحياته وجرح مرات عديدة ولكنه اثبت للغير وللجهات الاخرى بأنه فعلاَ يحب شعبه و رفاقه واهله و قضيته العادلة .
وقال أنه استشهد شباب وشابات قيمين من اعضاء كونفدراسيون طلبة غرب كوردستان واغلبية مقاتلي وشهداء وحدات حماية الشعب هم من كونفدراسيون الطلبة و هم ايضاَ يواصلون طريق رفاقهم و سيكونون اوفياء لهم .
وانا بدوري كصحفي حاولت ان التقي بالمناضل بولات جان كي أستحصل منه معلومات عامة عن كيفية الذهاب و الإياب و التعامل هناك وفعلاَ نجحت في محاولتي باللقاء به، قبل أن اذهب الى كوباني و هو من فتح لي الطريق ولكي يسهل لي الطريق و كذلك اتصالي مع رئيس كانتون كوباني الاخ انور مسلم و هكذا اتجهت الى كوباني المقاومة و كان بولات جان ممثل وحدات حماية الشعب في غرفة العمليات التابعة للتحالف الدولي ضد الارهاب وهو من مؤسسي الوحدات مع القائد العام المناضل سيبان حمو و الشهيد خبات ديرك و الشهيدة جيندا ….
هناك لا انسى مساعدة المناضلين الذين ساعدونا على التحرك و العمل ضمن كوباني بسلام و منهم المناضل شاهين شيخ علي حيث كان معي في السليمانية و هو كان يعمل في اعلام حزب الاتحاد الديمقراطي “ب ي د” و كان له دور ريادي في ايصال صوت المقاومة الى الوكالات العالمية و الآن هو مسؤول عن الهلال الاحمر الكوردي في مقاطعة كوباني وهو شاب جريء و حركي بامتياز. و ايضاَ المناضل بروسك بارتك، ذاك المقاتل الذي فقد يده وبالرغم من ذلك يواصل مشاركته الفعالة لحماية مدينته العظيمة التي أضحت رمزاً للمقاومة العالمية اتي استفاد منها الكورد في الأجزاء الأربعة و من سمعتها الحسنة.
كان هناك المقاتل عكيد كوباني وهو ايضاَ ساعدنا و كان محبوباَ و جريئاَ و كان يحمينا و يحافظ على حياتنا و كان وسيماَ و محبوباَ واتذكر جيداَ عندما ودعناهم قال: “أحبكم و أحترمكم لأنكم أول مجموعة من جنوب كوردستان تدخلون كوباني و تعملون على التغطية الاعلامية و تشرفون على شؤون النازحين بجدارة ونتمنى لكم النجاح والتوفيق و قلبنا معكم ونشكركم جزيل الشكر.”
هناك انهينا مشوارنا داخل و خارج المدينة و تحضرنا للخروج الى الحدود لكي نلتقي بآهالي القرى الذين فروا من جحيم هجمات داعش والعشائر العربية التي ساعدت داعش في احتلالها لقرى و بلدات مقاطعة كوباني الكوردستانية، التي تشكل العمود الفقري لغرب كوردستان كونها تشكل صلة الوصل ما بين مقاطعة الجزيرة وعفرين، أي أنها تمثل نقطة التوحد بين جغرافية غرب كوردستان. وقمنا بتوديع حماة كوباني حيث ارسل هفال سلمان سيارة المقاتل اردال لينقلنا الى جانب الحدود لكي نلتقي مع النازحين من القرى ومن ثم نعود الى شمال كوردستان .
خرجنا مع هفال اردال و معه مقاتل آخر لا أتذكر اسمه، ونحن في طريقنا الى نقطة الحدود و أصوات أسلحة الدوشكا و قذائف الهاون لم تتوقف و بعد أن وصلنا الى هناك اشتدت حدة المعارك و قام مسلحو داعش بهجوم معاكس و احتلوا مقر الاذاعة غرب كوباني التي تبعد 5 كيلو متراَ هناك وتحت رحمة دوشكات و قذائف الهاون التابعة لمسلحي داعش التقينا مع النازحين الكورد من القرى الغربية لمقاطعة كوباني. و بتمام الساعة الثانية ليلاَ التقينا برب عائلة صغيرة مكونة من اربعة اشخاص، الاب و الام وولدين صغيرين وهم يسكنون في خلفية مغلقة لشاحنة صغيرة، و كانت زخات امطار بداية الشتاء القارس تنهمر رويداَ رويداَ. لم يناموا و لم يسهروا و لكنهم كانوا يقفون كالحراس و حماة المقرات و المواقع وكأنهم ليسوا مدنيين بل حياتهم اصبحت عسكرية بحتة وتعودوا على سماع أزيز الرصاص والقذائف ولم يخشوا الموت بل كانت قلوبهم مع مقاتلي وحدات حماية الشعب و كيفية انتصارهم بشكل سريع على المجموعات الارهابية التي احتلت قراهم و بلداتهم كرهاً.
سمعنا من الرجل بأنه بعد أن احتل مسلحو داعش تلة الاذاعة قامت وحدات الحماية بتحريرها ثانية بدعم جوي من قبل طائرات التحالف الدولي و كبدوا المهاجمين خسائر فادحة.
الرجل الذي استقبلني هو من احدى قرى غرب كوباني و هو يحمل سلاحه في كتفه و يحمي اولاده الذين يسكنون في السيارة و رحب بي بحفاوة و لكنه اعتقد أنني من قناة الجزيرة إلى أن قلت له انا صحافي مستقل واعمل في مكتب الإعلام التابع للاتحاد الوطني الكوردستاني. و بنفس الوقت انا استطلعت على أوضاع النازحين كوني رئيس منظمة هاوار لحقوق اللاجئين في غرب كوردستان و أقوم بواجبي من الناحية الإعلامية و الإنسانية على حد سواء.
قال لي أبو أحمد : “هل تعلم كيف كان وضعي قبل هجوم الإرهابين واللصوص؟؟ كنت املك املاكاً كثيرة وكنت املك جراراً و سيارة و حصاداً و كنت أنعم بالخير ولا ينقصني شيء، ولكن اليوم وانت تشهد على وضعي الحالي اتصل معي احد جيراني و هو من المكون العربي، الذين كانوا يسكنون بالقرب من قريتنا و قال بأن جيراننا العرب الذين كانوا بعثيين و شبيحة للنظام واثناء مجيء الجيش الحر اصبحوا مؤيدين للثورة و بعد مجيء جبهة النصرة واحرار الشام اصبحوا مؤيدين لهم واليوم اصبحو داعشيين، قاموا بنهب و سرقة كافة الممتلكات في القرى المجاورة و انضموا لداعش، و نهبوا و استولوا على ممتلكات الكورد باسلوب الصوص و بعدوانية. وهل تصدق بأن هناك البعض من الكورد الذين كانوا سابقاَ مع النظام وفيما بعد اصبحوا مع الجيش الحر و كانوا ينادون يومياَ باسقاط النظام هم بقيوا في قراهم متفاهمين مع داعش..؟”
يضيف ابو احمد انه شخص حيادي وليس حزبي ولكنه يعشق و يحيي وحدات حماية الشعب والمرأة الكوردية لانهم ضحوا بأنفسهم لحماية كوباني و لا زالوا يقاومون اشرس قوة ارهابية في العالم بدون اي مقابل وهم يتخلون عن حياتهم و كل ملذات الدنيا للدفاع عن القضية الكوردية. و تابع بالقول: ” نحن نفتخر بهم وبملاحمهم التاريخية ولكن مع الاسف كنت افضل سابقا اامجلس الوطني الكوردي لحماية حقوقنا ولكن في الحقيقة لم يبق اي شخص ولا مسؤول من هذا المجلس و كلهم هربوا قبل مجيء داعش و هم يسكنون حالياً في اورفا و غازي عنتاب في أفخم الأبنية والشقق مدعومين من الائتلاف الوطني السوري المعارض ويدعون أنهم ممثلين للكورد ولكنهم في الواقع لا يمثلون حتى اعضاء و مؤيديهم حالياَ.”
كانت زوجة أبو أحمد بجانبه و تحدثت بدورها عن الوضع وقالت ارجوا منكم ان تصلوا صوتنا الى العالم الديمقراطي لكي يسرعوا لحماية كوباني من هجمات اللصوص هؤلاء لا يعرفون شيء عدا القتل والنهب والسرقة وهم لا يراعون قوانين الحرب و لا يهمهم شيء فهم لصوص دمروا بلدنا و هجروا أهلنا و نهبوا أملاكنا و أفسدوا حياتنا لدرجة أن صغارنا لا ينعمون بالنوم والاستراحة و لا الحياة. فهل يقبل العالم بما تشهده مدينة كوباني و أهلها.؟؟[1]