المطلوب ثورة جماهيرية سلمية لتحقيق الإدارة الذاتية!
صلاح الدين أردم
الخطوات التي قامت بها حركة الحرية الكردستانية في السنوات الاخيرة تحولت إلى محرك لعموم التغييرات الثورية الديمقراطية في الشرق الأوسط. من المعروف ان ثورة التاسع عشر من تموز/يوليو 2012 المتحققة في “روج افا”، قد حققت النهضة الشاملة، البناء والدفاع و التنوير. ومن ثم ظهرت مقاومة شنكال في-08-2014، ومقاومة #كوباني# في09 من نفس العام. كل هذه المقاومات ساهمت في تعميق النضال وبروز المرحلة الثورية بالشكل الجلي الواضح. الان ومنذ شهر آب/أغسطس، يأتي نضال الشعب الكردي في شمال كردستان وإعلانه عن مشروع الادارة الذاتية الديمقراطية، ليصل بمرحلة هذه الثورة الى الذروة.
ان تعريف ثورة الادارة الذاتية الديمقراطية التي يقودها الكرد ويشرفون عليها، بانها بدأت فقط مع ثورة “روج افا” لا يعبر عن الحقيقة كاملة، بل أن مثل هذه المرحلة الثورية بدات باعلان القائد عبد الله أوجلان عن إقامة (منظومة المجتمع الكردستاني) في نوروز 2005، ويمكن القول ان الكرد، ومنذ ربع قرن، يعيشون هذه المرحلة الثورية، والان فان الخطوات الثورية التي تم إنجازها في “روج افا”، وفي شمال كردستان، لا تشكل سوى بعض من تجليات هذه المرحلة الهامة. ما حصل في كوباني والجزيرة وعفرين في السنين الثلاثة المنصرمة نضال كبير وتغيير شامل. الآن ما يحدث من ثورة شاملة في شمال كردستان من سلوبي مرورا بفارتو، ومن نصيبين الى غفر لهو تغيير في نفس الاتجاه. ان ما يحدث في فارتو، وغفر، ونصيبين، وليجي، وسيلوان، هو الموقف الصحيح تجاه المجازر التي ترتكبها الدولة التركية الوحشية. وهذا يظهر بأن الكرد اصحاب القرار في المقاومة، وهم متمسكون بنهج المقاومة حتى النصر في ثورة الحرية والديمقراطية، ومهما كان ثمن التضحية غاليا. ما يحدث في يومنا الراهن ليس فقط ثورة كردستانية، بل هي ثورة ديمقراطية شاملة تعم كل الشرق الاوسط، وعلى رأسها تركيا. المقاومة المتصاعدة من قبل الكرد ضد فاشية “داعش” في #شنكال# وكوباني، وجميع مناطق “روج افا” فتحت الطريق امام مرحلة الثورة في تركيا والشرق الاوسط، وهذه المرحلة هي إمتداد لمرحلة الثورة الديمقراطية في تركيا، والتي عمرها الآن 45 عاما.
قضايا بناء الإنسان ستحل عن طريق الادارة الذاتية:
ادا نظرنا الى الامور من الناحية التاريخية، فان جميع الثورات المجتمعية، مهما كانت عمقية وشاملة من النواحي الاجتماعية والثقافية، ففي التحليل الاخير لن يكون بمعزل عن أخذ البعد السياسي بعين الاعتبار. الحالة الثورية تتطور على أساس البعد السياسي، والذي يملك الجواب على سؤال: من سيدير المجتمع وكيف سيٌدار؟. وخاصة فان الثورة الديمقراطية المستمرة في تركيا وكردستان، منذ عشرات السنين، قد وصلت إلى الدرجة الكبيرة من الوعي والتجربة لكي تقدم نموذجا للادارة. وفي هذه النقطة فان الكرد يمنحون الرد على ما يجري من ظلم وقتل بترسيح نموذج الادارة الذاتية الديمقراطية، ولاجل ذلك فانهم يعتمدون على ما طوروه منذ سنوات من الوعي والمعرفة وأصول التنظيم، ويعلنون في كل مكان عن مشروع “الادارة الذاتية الديمقراطية”، ويقومون في الأحياء، والقرى، والبلدات، والمدن، بانتخاب المجالس التمثيلية، وبالاعتماد على هذه المجالس يشكلون الادارات المحلية، فبدلا من تعيين المحافظين/الولاة ومدراء المناطق والامن من قبل حكومة الجمهورية التركية في المركز، فإن الكرد يقومون بوضع الادارات المحلية المنتخبة على راس الاعمال، اليست الديمقراطية الحقيقية تعني الإنتخاب من القاعدة؟. الكرد يطورون الديمقراطية الحقيقية ويفرضونها على البنية السياسية المهيمنة في الجمهورية التركية، والبنية السياسية الموجودة لا تصلح لادارة تركيا، وعلى رئيس الجمهورية طيب اردوغان ان يقبل ذلك وأن يعترف بواقع الإدارة الذاتية في شمال كردستان، وخاصة إنه ومنذ 10 آب/أغسطس 2014 فان البنية السياسية لتركيا تشهد تغييرا كبيرا. جميع القوى الديمقراطية في الداخل والخارج توضح بان النظام المتبلور من الانقلاب العسكري في #12-09-1980# ، له سمة فاشية ديكتاتورية، ويرى ضرورة إحداث التغيير الديمقراطي الثوري الشامل والبنيوي.
سياسات الحرب والفوضى هي الطاغية:
في السنين الثلاثة عشر الاخيرة، اظهرت التجربة ان رجب طيب اردوغان وحزب العدالة والتنمية بعيدون كل البعد عن هدف دمقرطة البلاد. ليس لديهم كمنهاج وعمل أي خطط في سبيل تحقيق هذا المسعى. ديمقراطية حزب العدالة والتنمية هي محصورة في إطار ضيق ولا يستفيد منها سوى الحزب نفسه. هذه “الديمقراطية” تطورت لصيغة فريدة لا تخدم سوى الحزب، ومن يرفضها يتم التصدي له وإعلان الحرب ضده. في الماضي هاجم الحزب الحاكم الجيش، وبيروقراطية الدولة، وجماعة “الارغنكون”، وحركة “فتح الله غولان”، في إطار الصراع على السلطة، والآن يبدي الحزب نفس التصرف والموقف تجاه الكرد.
على رجب طيب اردوغان ورفاقه أن يعلموا بأن ليس كل الطيور يمكن أكل لحمها. اليوم حزب العدالة والتنمية المتصدع المهزوم، ورغم كل الحرب الشاملة التي يشنها منذ 24-07 على الكرد وحركتهم التحررية، أضرت الحزب الحاكم والبلاد فقط. الدولة التركية ما تزال تشن حملات الحرب والاعتقالات وتقتل المدنيين. كل هذا فقط لأن الكرد طالبوا بتحقيق التغيير السياسي السلمي بعيدا عن الحرب والمواجهات. وقد قدم الكرد العشرات من مشاريع ومبادرات السلام، وأعلنوا لمرات عديدة وقف اطلاق النار من جانب واحد، ولكن رفضت أنقرة كل مرة تلقف فرص السلام والحل وأصرت على الحرب والحسم العسكري. لقد جاهدت حركة التحرر الكردستانية في تقوية ثورة روج آفا، وبث الديمقراطية والمشاركة في كل أجزاء كردستان وعموم الشرق الأوسط، وهو ما أغاظ عقلية الحرب والقتل. لقد قاد القائد اوجلان مرحلة السلام والحل، وكثفّ من جهوده في العامين 2013 و2014 من أجل الوصول إلى الحل السلمي للقضية الكردية، وناشد كل الأحزاب بعد الانتخابات الأخيرة بضرورة المشاركة في مباحثات الحل، ولكن الرئيس التركي وإدارة حزب العدالة والتنمية رفضوا ذلك وتحولوا إلى رهينة بيد حزب الحركة القومية الفاشي، ولم ينصتوا إلى صوت العقل والحكمة الذي مثله القائد أوجلان. لقد مارس الحزب الحاكم سياسة الفوضى والضرب في كل مكان، وكان ذلك كله لإغلاق الطريق امام مشروع الإدارة الديمقراطية الذاتية. الحزب الحاكم ولكي يرضى العنصريين الفاشيين يشن حربا كبيرة لاهوادة فيها في كردستان، وينشر القتل والخراب في كل زاوية من كردستان.
الادارة الذاتية الديمقراطية مشروع سياسي بارز:
لنعرف جيدا ان ثورة الادارة الذاتية الديمقراطية المتنامية في كردستان لا تعني الإبقاء على حالة الحرب الحالية. ثورة الادارة الذاتية الديمقراطية التي تنطوي على حرية الشعب الكردي، هي خطوة سياسية وتدار بقوة الشعب. وفي الواقع ان ما فرضه الحزب القومي الشوفيني، وحزب العدالة والتنمية، من حرب لهو تطوير وتوسيع لهجوم قائم من اجل عرقلة الثورة السياسية وسحقها سحقا. ويجب على الجميع، وخاصة الشهب الكردي، رؤية هذه الحقيقة بشكل واضح، وبالتالي فان مفهوم اختصار ثورة الادارة الذاتية الديمقراطية في حالة التعايش مع الحرب القائمة حاليا، وترقب النصر من القوى المسلحة، ليست صحيحا. ومثل هذه الافكار، مثلما هي متناقضة مع طبيعة الثورة الكردستانية، فهي تبسيط للواقع كذلك. ولذلك يجب اظهار الموقف السياسي وقوة الشعب في كل مكان اعلن فيه الادارة الذاتية الديمقراطية، ويجب عدم الوقوع في فخ التفسير الذي يقدمه حزب العدالة والتنمية، حول حصر الثورة في السلاح والعصيان المدني فقط. ولذلك يجب ان يتدفق أبناء الشعب إلى كل مدينة أو بلدة، وإلى كل شارع، والدفاع عن مطالب الجماهير السياسية بدون اللجوء إلى السلاح.
من الاهمية بمكان اظهار مطالب الشعب السياسية وقوته، لانه يعمل على حل قضية الادارة، وهذا امر سياسي، ويجب ان لا ننسى ان اكبر قوة هي قوة الشعب السياسية، وهي القوة الوحيدة القطعية التي تقود الثورة نحو النصر. وعلى هذا الاساس يتطلب اظهار قوة الشعب وارادته السياسية والدفاع عنها حتى النهاية، وبدون شك فمن الاهمية ان لا تستسلم الجماهير كما الضحية، ويجب ان يكون هناك موقف للشعب بعدم القبول بوضع نفسه في السجن، كما فعلها بعد الاداريين المنتخبين.
في شهر تموز/يوليو بدات ثورة “روج افا” سلمية، وحققت تطورا بابداء مقاومة سلمية رهيبة، وتصديا قويا لهجمات “داعش” الفاشي، والان فان ثورة الشمال الكردستاني، بدات بشكل سلمي، وعلى اساس السياسة الديمقراطية. ومثل فاشية “داعش” فان حزب العدالة والتنمية، وحزب الحركة القومية الفاشي، سعيا بكل قوتهما من اجل خنق وسحق ثورة الادارة الذاتية، قبل ان تتطور. وبدون شك وفي هذه النقطة بالضبط، فإن المطلوب القيام به هو المقاومة الثورية الشبيهة بما حدث ضد فاشية “داعش”، فمثلما ساند شعبنا في الشمال الكردستاني مقاومة “روج افا”، وعمل على تتويجها بالنصر، فبالتاكيد ان الشعب سيصّعد المقاومة وتتوجها بالنصر ضد هجمات حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومي الفاشية…
* صحيفة (Yeni Özgür Politika). الترجمة من التركية: المركز الكردي للدراسات.[1]