المجتمع المدني بين الوهم والحقيقة ج.1
عبد الباري احمه
المجتمع المدني: هو اسم جنس دال على المجتمع الدولة.
ثم أصبح مجموعة قوانين ومؤسسات اقتصادية واجتماعية.
وهذا المصطلح خرج من أوروبا في 1400م بدلالات على يد الخطيب والأديب الروماني ماركوس توليسوس.
وفي القرنين 17-18م ومن أوروبا تحديداً وفي خضام الثورات والحروب والمجاعات، تعالت أصوات تقول: بأن تحولات اجتماعية قادمة وهذه الأصوات والتحولات أتت بمفاهيم ونظريات وتطورات من أجل خلق شيء، سمي فيما بعد بالمجتمع المدني، وأصبحت لهذه التحولات مؤسسات معتبرة فيما بعد.
ومن تلك الأصوات العالية باروخ سبينوزا 1612- 1678 الذي رأى بأن (المؤسسات الديمقراطية مثلاً أعلى، لأنها تفترض أن يكون الشعب معتدلاً ومتصفاً بثقافة مدنية وبحياة وتربية مقبولين) ما يلاحظ في هذه الخطاب هو: بأن هناك مجتمع جديد قادم وقوام هذا المجتمع القادم يتألف من مجموعة من الفئات المختلفة من حيث الوظيفة والانتماء ولا يمكن لأي فئة أو مكون أن يكتفي بذاته (ونحن في روج آفا خير مثال).
لكن العمل على التكامل في الهدف هو بناء علاقات جيدة بين كل المكونات والسؤال موجه إلى كل مؤسسات المجتمع المدني في “روج آفا” هل نعيش معكم؟ هل بيننا وبينكم عقداً اجتماعياً؟
هل شعرتم يوماً بأنكم مسؤولون أمام التاريخ بأنكم لا تعلمون وفق قواعد وأسس العدالة الاجتماعية؟
وإلا لماذا هذه الهجرة- الهروب- الانفصال عن الوطن- والاغتراب والغربة داخل وخارج أسوار الوطن؟ أليست كل هذه العيوب سببها فقدان العدالة الاجتماعية؟ ولكن حتى أكون منصفاً أقول: بأن هناك جهات عديدة ومن خلال مؤسسات المجتمع المدني- منظمات – أحزاب- تجمعات، قامت وتقوم الآن بتحقيق نسبة معقولة من هذه العدالة الاجتماعية من خلال توزيع – سلات غذائية- متابعات صحية – توفير الدواء- لقاحات – ألبسة وأشياء من هذا القبيل، ورغم ذلك لا بد من وحدة الصف والكلمة بين الكل من أجل الارتقاء أكثر بهذا العمل … من أجل تحقيق عدالة اجتماعية وبشكل حضاري، لأن مهمة المجتمع المدني ومن خلال مؤسساته تتلخص في أمور مهمة أي تأكيد وجود: الشعب – الوطن- المواطن – الأمة- الديمقراطية- وبالمحصلة فالمجتمع المدني وبمؤسساته هو واقع اجتماعي، لا يمثل قانون ولا سلطة، بل هو حاصل عقد اجتماعي كبير وجميل بين كل مكونات “روج آفا” والتي تختلط فيها هذه الجماعات مع بعضها البعض دون أن يذوب أي مكون داخل الآخر، بل يتشكل مجتمعاً كلي- شمولي وهو المطلوب في هكذا- أزمة- ثورة، ولهذا الاختلاط يتشكل لدينا ثقافات متعددة ومعتقدات ورموز وقيم خاصة وعامة، وهذا أيضاً يؤدي بدوره إلى تنظيم مشترك وذهنية مشتركة وجديدة هي الانتماء لهذه الجزيرة الجميلة “روج آفا” ولسوريا وهذا ما يدفع هذه المؤسسات إلى العمل الجاد، بحيث تفرز مجموعات وظيفتها بناء علاقات اجتماعية مشتركة، ومنها يخرج شيء جميلاً اسمه- تقسيم العمل- والتخصص في الوظيفة، لأن المشاركة في عمل هكذا مؤسسات يجب ألا يكون ارتجالياً ولا مباشرة ومغامرة، أنما التنظيم هو سيد الحالة، والبداية تنطلق من العائلة ثم المدرسة ثم المهنة والنقابة والحزب “إذ لم يكن مشاركاً في السلطة” لأن الفرد في هكذا مجتمع ليس صوتاً انتخابياً بل هو وجود متجسد في الكل ومن أجله.
ومن خلال هذه العلاقات الاجتماعية المتميزة والمتفاعلة لا نحصل على مجتمع مستقر وحسب، بل على مجتمع متطور دائماً.
ومن خلال هذه العوامل نحصل على نتائج هي
العلاقات الاجتماعية: والتي تنشأ بين الأفراد والجماعات ومن كل المكونات، وصفتها التغيير وعلاقاتها عمل وإنتاج ومنها تتشكل البنية التحتية الاقتصادية.
ومن خلال هذه العلاقات تظهر فئات اجتماعية أخرى وتنظم نفسها وتنضم إلى هذه العلاقات المتبادلة وتصبح جزءاً من المجتمع، والذي يرعى كل هذا هي
المؤسسات الاجتماعية: هذه المؤسسات تقوم بتنظيم المبادئ والقواعد والطقوس والعادات والتقاليد، التي تحدد وتؤكد على تنظيم البنى الاجتماعية وهي البنية الفوقية للمجتمع، ومن قوام هذه البنى- القانون – الإيديولوجيا- وأحياناً الدين.
والخلاصة هي المجتمع المدني ومؤسساته هو كل تجمع بشري خرج من الحالة الفطرية الطبيعية “الراهنة” إلى الحالة المدنية “المستقبلية” والذي يقود هذا المجتمع إلى هذه الحالة المدنية هي وجود- هيئة- حزب سياسي قائمة على التعامل الاجتماعي وكل هذا يمكن أن نوجزه بقولنا: أن المجتمع المدني هو المجتمع المنظم سياسياً.
عودة على البدء…..قد يكون بناء مؤسسات المجتمع المدني وفي هذه- الأزمة- الثورة السورية من أجل بناء الديمقراطية، إذ ما تم فهم هذه المؤسسات فهماً تاريخياً….. أي نقدياً.
والكشف عن حدود هذه المؤسسات حدوداً تاريخياً، واستخراج الطاقة الكامنة فيها.
وقد تكون هذه المؤسسات ضارة بالديمقراطية وتحرير الفرد إذا تحولت هذه المؤسسات إلى أدوات لتجنبها السياسة، أي تجنب طرح مسألة نظام الحكم.
الفلاسفة قديماً استخدموا هذا الاصطلاح وخاصة في القرن الثامن عشر للدلالة على العلاقات الاجتماعية، وبمعنى أخر للدلالة على علاقات الملكية.
بهذا الصدد يقول هيغل 1770- 1831 والذي له آراء في هذا المنحى، حول القوانين الحقيقية للتطور الاجتماعي.
“الحاجة هي وعي النقص…أي مادام النقص قائماً تبقى آفاق التطور مفتوحة”
أما ماركس 1818- 1883 فيقول ما معناه “تنظم الأسرة- الأملاك- والطبقة وعلاقات الملكية”
الاطار النظري للمجتمع المدني…
هي مجموعة أسس ومفاهيم
– الفصل بين الدولة والمجتمع، أو بين مؤسساتها بما يخدم الوعي الاجتماعي.
– اعتبار الفرد كمواطن أي ككيان حقوقي قائم بحد ذاته في هذه الدولة بغض النظر عن انتمائه. الديني- الأثني…الخ.
– التأكيد على التمييز بين آليات عمل المؤسسات- المدنية والاجتماعية وبيان أهدافها وظائفها وبين آليات الاقتصاد وأهدافه ووظائفه التأكد على الفرق بين الديمقراطية التمثيلية في الدولة الليبرالية وبين الديمقراطية المباشرة.
الديمقراطية التمثيلية هي: وجود حالة من التلاحم والانسجام الثقافي والوحدة العضوية بين أفراد المجتمع
الديمقراطي المباشرة هي: مجالها أضيق وتخص القبيلة- العشيرة- الأسرة.
أما في السنوات الأخيرة ومن خلال تطور مؤسسات المجتمع المدني، أكد الباحثون على بعض المفاهيم
المجتمع المدني واحد تتحقق فيها الديمقراطية- تحقيق الحقوق المدنية – الحالة التعاقدية في المجتمع المدني- الانتخابات البرلمانية والتأكيد على شموليتها وتوسيعها وأخيراً حقوق المواطنة.
اقتصاد المجتمع المدني: في المجتمع المدني يتحول الاقتصاد إلى قطاع قائم بذاته، كأحد الثقافات أو الانتماءات التي ينتمي إليها الفرد. ومن مهام هذا الاقتصاد الأساسية هي المواطنة وهذا هو أساس الانتماء، بالإضافة إلى الذاكرة الجمعية والأصل المشترك والإرادة الحرة والمساواة بين أفراد المجتمع، بالإضافة إلى توفير مساحة من الحوار وتبادل الآراء والرؤى كل هذه الأسس تدعم العقل لبناء الصحيح للمجتمع المدني.
والآن وفي هذه الأزمة- الثورة في “روج آفا” أين نحن من مؤسسات المجتمع المدني. ونحن في هذه اللحظات الحرجة والقلقة من التاريخ السوري.
ماذا فعلت الأحزاب- التنظيمات- الشخصيات- والفعاليات الاجتماعية ومن خلال مؤسسات المجتمع المدني ماذا فعلت ومن خلال تأثيرها الايجابي على الحالة الاجتماعية.
هناك نشاط لا بأس به لمؤسسات مدنية أو سياسة وكلها تعمل حسب الحاجة وحسب توفر الظروف المناسبة، ورغم التقصير، إلا أنني ويمكن القول بأن عمل هذه المؤسسات المدنية والسياسة والحقوقية، قائم بشكل مقبول…
وفي أجواء كالتي نمر بها “لا استقرار أمني- بطالة- فقر- فساد- الخ” العجلة لم تتوقف والعمل قائم.
والأجواء غير مرضية بشكل عام فهناك نفور من الدولة ومن السياسة ومن المنظمات والمؤسسات والأحزاب ومن أعداء الديمقراطية وما أكثرهم.. كل هذه العيوب وغيرها من البيروقراطية الجديدة تقف في موانع صلبة أما القواعد الأساسية للمجتمع المدني وهذه القواعد هي برلمان منتخب- قضاء مستقبل- أحزاب- نقابات- جمعيات- الخ…
عندما تتوفر هذه القواعد الصحيحة من المؤكد أن تقوم هذه المؤسسات بعملها بشكل حضاري ومثالي.[1]