التذبذب الاوروبي والضعف الامريكي والحسم الروسي في سوريا
سيف دين عرفات
يبدو الآن واضحا من أي وقت مضى بأن بوتين يقود دفة السفينة السورية التي تذهب نحو المجهول بعكس ما يريده بوتين وبشار الاسد، تلك السفينة تسير ببطء شديد وسط الظلمات والعواصف الرعدية السياسية وسط أمواج عاتية قد تؤدي بغرقها بشكل مفاجئ، وكل ذلك وسط التردد والضعف الامريكي وتذبذب السياسة الاوربية حول اللاجئين لايجاد حل سلمي للقضية السورية لانهاء ازمة اللاجئين وانهاء الحرب الاهلية الدائرة منذ خمسة سنين.
روسيا التي باتت لاعبا رئيسيا وقبطانا للسفينة السورية تضع الآن خميرتها في عجين الحرب الاهلية السورية وكل همها تحقيق أكبر المكاسب ومنها البقاء في المياه الدافئة اللاذقانية والطرطوسية وجني المليارات من تجارة السلاح وابعاد خطر الارهاب من على اراضيها.
موسكو تقوم الان بتلقيح الاسد بجرعات اضافية لزيادة مناعته السياسية لكي يصمد أكثر ويقاوم سقوطه وهذا ليس حبا في عيونه وانما لكسب مزيدا من الوقت ريثما تتثبت جذور الشجرة الروسية في اعماق البحر الابيض المتوسط وفي أخصب الاراضي السورية على الساحل السوري.
في هذه الايام واثناء كتابة هذه السطورتقوم السفن الحربية الروسية بالمرور من مضيق البوسفور باتجاه سوريا، كما أن عشرات الطائرات الحربية الروسية المقاتلة بكامل عتادها العسكري كانت قد وصلت الى
ميناء اللاذقية قبل عدة أيام من الآن، وسط تفرج أمريكي وضعف واضح علما بأنها اقوى قوة اقتصادية وعسكرية في العالم فهل وراء الأكمة ما وراءها؟! وأمريكا تقوم حاليا بارسال المجموعة الثانية من القوات السورية التي دربتها وانهت تدريباتها توا، تقوم بارسالها عبر حدود اتفاقية سايكس – بيكو وهذه المجموعة الثانية مؤلفة من 75 شخصا ومسلحين بالأسلحة الخفيفة مع سيارات الجيب، علما بأن المجموعة الأولى التي ارسلتها قبل ثمانية اسابيع تم القاء القبض عليها من قبل الجهاديين بعد دخولهم لسوريا بعدة ساعات.
لقد أخذ بوتين زمام المبادرة في سوريا وأرسلت قوات خاصة مدججة بأحدث أنواع الاسلحة وبنفس الوقت أصبحت موسكو قبلة لجميع السياسيين العالميين لمناقشة سبل لانهاء الحرب الاهلية السورية، موسكو تناقش بشكل اوسع مع مَن لا يقبلون سوى باسقاط الاسد قبل أي حل مثل السعودية وقطر وتركيا والائتلاف الوطني السوري ويبدو الآن أن الجميع تقريبا تنازل عن اسقاط الاسد في القريب العاجل بمَن فيهم أمريكا والدول الاوربية وتركيا وتصريحات قادة العالم واضحة بهذا الشأن، وروسيا تنسق كل ذلك بشكل واضح مع اسرائيل التي باتت هي الرابح الاكبر من كل تلك المعمعة.
الدب الروسي وصل من القطب الشمالي الى الاراضي السورية ويتأمل بالحصول على وجبة ثمينة من أحسن أنواع الاسماك السورية، بوتين يقود السفينة وعينه الاولى على كل الساحل السوري الذي يسكن فيه الآن نصف سكان سوريا وعينه الثانية على أراضي ( دولة الخلافة الاسلامية ) والى أراضي جبهة النصرة الاسلامية المتطرفة التابعة لتنظيم القاعدة فهل سيكون عينه الثانية قوية الى درجة رؤية كامل شمال وشرق سوريا التي يحكمها آلهة الحروب الذين يعطون أومراهم لعساكرهم بعدم التوقف عن الحرب حتى سقوط دمشق بأيديهم.
لاأحد يرغب ببقاء الاسد سوى مَن اشترك بمخططاته ولكنه ربما لا يوجد بديل عنه في الوقت الحالي ولذلك بدأ الجميع تقريبا بتغيير مواقفهم وعدم الدعوة السريعة لاسقاط وانهاء حكمه.
بوتين الآن يلعب بشكل متوازي على حبلين حبل سياسي متسم بدوبلوماسية محنكة وحبل عسكري قوي يصعب قطعه، في البداية ومنذ سنين عديدة كان بوتين يطلب بتشكيل حكومة وحدة وطنية مؤقتة يشترك بها الاسد بصلاحيات محدودة مع المعارضة، والحبل العسكري هو الدعوة الى تشكيل حلف عسكري عالمي غريب وعجيب يشترك فيه الاعداء والاصدقاء ويشترك فيه الحابل بالنابل، مؤلف من أمريكا وروسيا وأوروبا وتركيا وايران ودول الخليج مع العراق ومصر والجيش الاسدي وبمباركة اسرائيل والهدف المعلن هو القضاء على #داعش# .
لو دققنا في تصريحات المستشارة الالمانية في الايام القليلة الماضية الداعية الى اشتراك الاسد في محادثات ايجاد السبل لانهاء الحرب في سوريا سنفهم منها مدى وصول المجتمع الدولي الى حالة اليأس
التي وصلها في سبيل تحقيق ذلك، ومن ناحية أخرى يدل ذلك على صعوبة القضاء على الجهاديين في سوريا بدون اشتراك روسيا والاسد، هذه هي نظرة المجتمع الدولي بشكل عام الى القضية السورية مع علمهم التام والدقيق بمدى مسؤولية الاسد عن مقتل مائات الآلاف السوريين من كل الاجناس والاعمار والطوائف والقوميات وبكل أنواع الاسلحلة الفتاكة بما فيها الاسلحة الكيماوية والصواريخ الفراغية والبراميل المتفجرة اليومية.
أوروبا بشكل عام تنظر بشكل ايجابي الى خطة بوتين وتراها بأنها فرصة مناسبة لانهاء الحرب الاهلية السورية وتأمل من تلك الخطة بايقاف الاسد لبراميله المتفجرة التي تشكل سببا رئيسيا لموجات الهجرة الى المانيا بشكل خاص والدول الاوروبية بشكل عام، كما أن اوروبا ترى بأن سيطرة روسيا على الساحل السوري أفضل من سيطرة ايران وحزب الله اللبناني وهذا ما يباركه اسرائيل أيضا.
عندما يتشكل هذا الحلف الغريب العجيب فأعتقد بأن الامور سيتجه شيئا فشيئا نحو القضاء على داعش وقوى التطرف في سوريا وهذا يعني في فترة ما الوصول الى أنهاء الحرب الاهلية ولكن سوريا بالتأكيد سوف لن تعود كما كان سابقا قبل تاريخ #15-03-2011# م وسوريا السابقة ماتت تماما وستظهر سوريا أو سوريات (جمع سوريا) من نوع وطعم سياسي جديد.
وسط هذا الحلف العجيب يجب على الكورد أن يكونوا براغماتيين الى أبعد الحدود ان ارادوا تحقيق مصالحهم القومية العليا، ولهذا يتوجب عليهم رص الصفوف جيدا وتقوية البيت الداخلي بشكل يخدم المصلحة الكوردية العليا بعيدا عن المصالح الحزبية الضيقة، وعليهم التحاور مع كل الاطراف التي ستشترك في الحلف المذكور وعلى رأسها روسيا وأمريكا وأوروبا والسعودية وتركيا بالاضافة الى السلطة الحاكمة في دمشق والساحل السوري والمربعات الامنية في كانتون الجزيرة بالاضافة الى قوى المعارضة السورية.
وعلى الكورد ان ارادوا سماع صوت شعبهم الكوردي في روزآفايي كوردستان ان يشترطوا ويرهنوا كل اتفاقية يقوموا بها مع اي طرف كان بحق تقرير المصير للشعب الكوردي بما فيه حق تشكيل دولتهم القومية وذلك بعد القيام باستفاتائات او انتخابات شفافة ونزيهم تشرف عليها الامم المتحدة وأطراف محايدة من مختلف دول العالم.[1]