سوريا بين الحلّ والتصعيد
صلاح الدين مسلم
ضاع الشعب السوري ما بين إستراتيجية التخلص من بشار الأسد، وإستراتيجية التخلص من الذين يحاربون الأسد، إستراتيجية محاربة داعش فحسب، وإستراتيجية محاربة المعارضة المعتدلة وغير المعتدلة، مع أنّ أميركا لم توضّح حتّى الآن من هم المعتدلون، فالنصرة مصنّفة ضمن قائمة الإرهاب قبل أن يشتدّ عود داعش، لكنّ أميركا لم تتّخذ قرار الحرب عليها.
يوجد دائماً عبر هذه الحرب الضروس في الشرق الأوسط اتّفاقٌ ما بين المركز الأميركيّ وبين الأطراف، وهناك ضحيّة أو ورقة يجب التخلّص منها لكن في حينها، ففي الأزمة الليبيّة كان قرار التخلّص من القذّافي قد اتّخذ، وكذلك في مصر وتونس واليمن، لكن في سوريا لم يُتّخذ قرار التخلّص من الأسد بعد، فمن الغباء نعت هذا الصراع الحاصل في سوريا والشرق الأوسط بصراع بين الاشتراكيّة والرأسماليّة، أو بين الشيعة والسنّة، أو بين النظام والمعارضة، بين الشعب الكرديّ والتركيّ أو العربيّ… إلى ما هنالك من الثنائيات التي خُلِقت مع هذه الحرب المفتعلة بين القوى الرأسماليّة التي تريد أن تجعل أيديولوجيّتها هي السائدة، فهذه السلطة المركزيّة الأميركيّة بهيمنتها على الاقتصاد مرغمة على إكمال ذاتها بالهيمنة الأيديولوجيّة النيوليبراليّة بمساعدة الدول الأطراف على الشرق الأوسط، فكيف سيستطيع بوتين ضرْب التنظيمات الإرهابيّة دون التنسيق بينها وبين أميركا؟ فأيّ خطأ سيؤدّي إلى كارثة دوليّة.
ما التحليلات التي تستند إلى أنّ هناك صراعاً بين الأقطاب الكبرى (ما بين روسيا والصين وأميركا وبريطانيا..) إلّا غباء في دراسة الوقائع والنتائج ودراسة الواقع، فما التدخّل القطريّ إلّا تسويقٌ للغاز القطريّ، وما الدفاع الروسيّ المستميت إلّا لقتل هذه الطريق الواصلة بين الخليج العربيّ وأوروبا، وما هذان القطبان إلّا وهمٌ لاستدراج الفكر إلى السوق، والترويج للمنتجات.
إنّ عرض مزايا الطائرات الروسيّة على وسائل الإعلام باتَ حديث الساعة، سو 24 سو 25 سو 34 وميغ 31 وسوخوي 32 إس وصواريخ إسكندر، وما ردّ أميركا على ضرب المدنيين إلّا لتشويه سمعة الطائرات الروسيّة وليس استنكاراً إنسانيّاً، فسوريا باتت سوقاً والصراع هو صراع تجاريّ لعرض المنتجات والأسلحة، من خلال عرض وزن الطائرة لدى الإقلاع، واحتياطي الوقود، والمدى الأقصى للطيران، والمدى الأقصى لدى التزود بالوقود في الجو، والسرعة القصوى، والارتفاع الأعلى للتحليق.
7000 غارة للتحالف للقضاء على البنى التحتية لداعش، بينما يسيطر الإرهابيون على مناطق جديدة ويحرزون نجاحات في العراق وسوريا، وهذه المعطيات أوردها تقرير للكونغرس الأمريكي قبل يوم واحد من إعلان موسكو عن بدء العملية الجوية في سماء سوريا.
* ما معنى أن تظلّ الوزارة الخارجيّة الأميركيّة ممتنعة عن توجيه إدانة صريحة لبوتين؟
* ما معنى أن يقبل الحلف الأطلسي بالبارجات الصينيّة والروسيّة في البحر الأبيض المتوسط الذي كان معقلاً لحلف الناتو (الأطلسي)؟ أي بات البحر الأبيض المتوسط مرتعاً للحلف الأطلسيّ وحلف وارسو معاً.
إنّ كلّ هذه المعطيات السابقة تشير إلى أن المركز العالمي (أميركا) والأطراف: (بريطانيا – فرنسا – روسيا – ألمانيا – روسيا – الصين…) في غرفة عمليات واحدة، وما هذه الدول الصغيرة التي تعدّ أحجار شطرنج إلّا سوق لتصريف البضائع، فتهديد روسيّ لقطر والسعوديّة وتركيا كفيل لجذبهم إلى سوق السلاح، وأولئك الشيشان الروس والأيغور الصينيين هم أولويّة مكافحتهم على الأرض السوريّة التي صارت بوّابة العبور إلى ساحات التصفية، وهذا ما لمح إليه بوتين بتحديد أهداف الحرب على الإرهاب.
انظروا إلى الأحداث المتسارعة؛ ولاحظوا؛ أهناك فراغ زمانيّ أو مكانيّ؟ فحتّى كوريا النائمة خرجت من مهجعها، وروسيا التي تصمت حيناً من الزمان تخرج عاصفة هادرة، فإن حصل فراغ ما يجب أن يملأه المركز العالميّ في نيويورك، فما معنى أن يحدد الروس أربعة أشهر لحملتِهم العسكرية ضدّ الإرهابيين عامّة في سوريا، بعد أن رسم الأميركيون قبلهم خريطةً زمنيّةً تصل إلى عشر سنوات لمحاربة داعش فحسب؟
إنّ مسألة تسليح وحدات حماية الشعب كانت الضربة القاصمة لظهر أردوغان الذي كان هدفه أبداً إبعاد الوحدات عن التحالفات الدوليّة، إذ بات واضحاً أمام الملأ أن القوّة الوحيدة على الأرض التي تواجه الإرهاب وجهاً لوجه ولا تخسر وهي في انتصار دائم هي وحدات حماية الشعب، فبعد فشل كل الجماعات المسلّحة التي دعمها الغرب قد أنتجت داعش في المحصّلة، ففي هذه المعادلة يخرج أردوغان الحلقة الأضعف التي تنهال عليه الحرب من جميع الجهات، فالطائرات الروسيّة تخترق المجال الجوّي التركي في انتهاك صارخ لسيادة الدولة التركيّة، دون احترام لحلف الناتو الذي يعتبر أردوغان شخصاً غير مرغوب به في الحلف، إثر دعمه داعش، وعدم الامتثال لأوامر الحلف في السابق، ولمحاولة أردوغان في استعادة مجد الإمبراطوريّة الغابر، بعد أن نجح في الاقتصاد قليلاً، لكنّ الغرب لن ينسى الفكر العثماني وهذا المجد الذي أرهق الغرب سابقاً، فأردوغان في هذه المعمعة يريد أن يؤسّس على الطريقة التقليديّة الكلاسيكيّة مصانع القومويّة البدائيّة التي عفا عليها الزمن، في حين تصاعد وتيرة البحث عن النظام العالميّ الجديد، وخلق حالة الفوضى، أو ما يسمّى بنظريّة الفوضى الخلّاقة.[1]