التعليم باللغة الكردية، ضرورة وحاجة
رودي حكيم
اللغة ليست مجرد وسيلة للتواصل مع الآخرين والتعبير عن ما نريد قوله أو فعله، بل أبعد من ذلك اللغة من الركائز الأساسية في تكوين هوية وانتماء أي شعب أو أمة. واللغة بمفهومها الحضاري هي وعاء الفكر والمعرفة وكل حضارات الشعوب والأمم مرتبطة بلغتها، فإذا أردت أن تعرف حضارة شعب ما عليك التعرف على لغته، ناهيك عن قيمتها الاجتماعية فهي تحقق التواصل بين الناس، وتنتج للإنسان التعبير عن أفكاره ومشاعره وآماله وآلامه. لذا نجد لكل لغة في العالم علماءها ونحوييها ومجالاتها الاختصاصية، ولعل أهمها – علم اللسانيات – كاختصاص تُدرس في كبريات الجامعات في العالم.
بالعودة إلى لغتنا الأم – الكردية – فهي ليست بلغة طارئة أو مستجدة بين لغات الأرض، بل أنها من اللغات الحية التي عايشت الإنسان الكردي منذ بواكير ولادته وحتى الآن ومرت بكثير من المراحل والعصور، ومثلما كان الشعب الكردي مستهدفاً في وجوده وكيانه كذلك اللغة الكردية التي تعرضت لكثير من محاولات الطمس والإلغاء، بل أقل مواجهة واجهها الإنسان الكردي هي منعه من التحدث بلغته، بغية محو ذاته الكردية وتهديد وجوده ناهيك عن تعدد اللهجات في اللغة الكردية بل وحتى هناك أكثر من أبجدية لغوية غير أن هناك أبجدية متفق عليها بين جميع أجزاء كردستان، وحرياً بنا هنا التذكير بأن هناك جامعات باتت تدّرس اللغة الكردية وعلومها وآدابها في العراق وأرمينيا وغيرهما. والخطوة اللافتة التي أقدم الإدارة الذاتية الديمقراطية في مقاطعة الجزيرة عليها من خلال – هيئة التربية والتعليم – بإلغاء جميع مناهج التعليمية لوزارة التربية السورية للمرحلة الابتدائية والاستعاضة عنها بمناهج ترتكز على خصوصية المقاطعة وتاريخها وخاصة التعليم باللغة الكردية، وهذه ليست ببدعة اخترعتها الإدارة الذاتية الديمقراطية وهيئة التربية والتعليم في مجلسها التنفيذي، بل إنها خطوة تاريخية جريئة، وبالتأكيد هذه الخطوة لم تأتي اعتباطياً أو خارج سياقها التاريخي بالاستناد على مشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية وعقدها الاجتماعي وهي جاءت استجابة لضرورة أن تلبي حاجة المجتمع الكردي في روج آفا التعلم بلغة الأم في كافة مجالات وجوانب الحياة ولعل البدء بالتعليم باللغة الكردية في المدارس منذ الصفوف الأولى من أهم تلك الضرورات، ولا شك فيه أن هيئة التربية قد درست هذه الخطوة بشكل مستفيض، وتأمين الأطر الكفيلة بنجاحها من الكادر التدريسي ومستلزماتها والمناهج التعليمية والتي حسب المختصين في مجال التعليم أن هذا المنهاج يتسم بتقنية عالية في المحتوى والمضمون والمصادر التي اعتمد عليها، وتضاهي المناهج التدريسية في دوّل منطقة الشرق الأوسط ومحيطها، كما أنه يواكب التطوّر الحضاري في مجال التعليم، وتالياً يؤدي الوظيفة المنوطة به ويستجيب لمتطلبات المراحل التعليمية الأولى في روج آفا. أما الذين سارعوا فور إعلان عن مشروع التعليم باللغة الكردية في المدارس الرسمية إلى رفض هذه الخطوة ومهاجمتها، هم ذاتهم هاجموا حتى التهكم بالأمس الإدارة الذاتية الديمقراطية، وما زالوا يمارسون نفس النهج بالرفض والمهاجمة لغاية ليست في نفس يعقوب بل في أنفسهم ومن يختبؤون تحت عباءتهم في اسطنبول، لكن استجابة المجتمع لاعتراض هؤلاء وتشجيعهم لناس بعدم إرسال أولادهم إلى المدارس كان محدوداً بل معدوماً في بعض المناطق.
حرياً بنا أيضاً أن نذكر هؤلاء بأن لا النظام السوري ولا المعارضة، ولا بوادر في الأفق يوحي أو يستبشر بأن في أجندة هؤلاء الاعتراف باللغة الكردية أو السماح وقوننة التعليم بها في مدارس روج آفا، وتالياً أيضاً لزاماً علينا فرض التعليم باللغة الكردية في المدارس الرسمية واعتباره واقعاً، يستمد شرعيته من تاريخ الشعب الكردي في سوريا ومساهمة ومشاركة الكرد في بناء سوريا منذ عصر الانتداب لذا الوقوف في مواجهة هذه الخطوة من هيئة التربية ومحاولة عرقلتها هي وضع العصي في العجلات، واعتبار الفكر البعث وعقيدته الشوفينية القائمة على إلغاء الآخر هو البديل كحالة لا مفر منها، وعلى كرد سوريا الخضوع للأمر الواقع. التعليم ب#اللغة الكردية# ضرورة ومسؤولية تاريخية علينا المساهمة والعمل على رفع سوية مجتمعنا وطلبتنا بلغتنا – الكردية – والتعرف على حضارة العالم ومواكبة كل تطوّر يحصل في العلوم الإنسانية بلغتنا.
T[1]