قوات سوريا الديمقراطيّة – الحلّ
صلاح الدين مسلم
بعد الفشل الذريع في البرنامج الأميركي في تدريب المعارضة المعتدلة، وبعد التدخّل الروسي العسكريّ المباشر في الصراع السوريّ والملاسانات بين الروس والغرب حول الزعامة في الشرق الأوسط، وسيطرة مفهوم القيادة عوضاً عن سيادة مفهوم الحلّ، وبعد توقّف النقاش حول إسقاط الأسد لأنّ البديل غير جاهز، ولأنّ النظام العالميّ الجديد لم تُرسم ملامحه بعد، وإثر تحوّل الجيش الحرّ إلى جيش إسلاميّ راديكاليّ تكفيريّ إرهابيّ، كانت الحاجة إلى إيجاد فصيل معارض يُعدّ البديل السوريّ الديمقراطيّ، لذلك قررت أميركا تحويل الخطّة من تدريب المعارضة إلى تسليح المعارضة الديمقراطيّة عبر بوابة روج آفا؛ تلك البوابة الوحيدة التي استطاعت أن تهزم داعش، وتؤسّس كياناً ديمقراطيّا فريداً في المنطقة، لذلك انصاعت القيادة الأميركيّة للبديل الديمقراطيّ، فأعلنت قيادة القوات الأمريكية في الشرق الأوسط (سنتكوم) أنّ الولايات المتحدة ألقت جوّاً أسلحة في شمال سوريا لمقاتلين من المعارضة يتصدّون لتنظيم “الدولة الإسلامية”، بعد يوم من إعلان التشكيل الجديد.
لقد أطلقت على التشكيل العسكريّ الجديد الذي تشكّل في روج آفا اسم (قوات سوريا الديمقراطية) التي تضمّ في طيّاتها: (التحالف العربي السوري وجيش الثوار وغرفة عمليات بركان الفرات وقوات الصناديد وتجمع ألوية الجزيرة والمجلس العسكري السرياني ووحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة)، وهو تشكيل يحمل في طيّاته بذور سوريا المستقبل، سوريا الديمقراطيّة والدستور الديمقراطيّ.
تعتبر (قوات سوريا الديمقراطيّة) مزيجاً سوريّاً مميّزا وفريداً من نوعه، ومشروعاً للغد الديمقراطيّ السوريّ؛ إذْ يحمل في طيّاته التعدّد الأثني والعرقي، وتخلو هذه التشكيلات من العبارات الدينيّة التي أثقلت كاهل المجتمع السوريّ برمّته، وتعدّ هذه القوّات نواة جديدة لتفرض نفسها على الساحة السوريّة وتميّز نفسها عن القوات الراديكاليّة في المنطقة التي لم تنتج حلولاً، بل كان العقم مسارها الوحيد الذي لا مسار سواه، وهذا التشكيل سيعدّ أرضيّة خصبة للتعايش العربيّ الكرديّ الذي دمّرته العقليّة القومويّة الإسلامويّة العنصريّة في السنتين الأخيرتين إثر التدخل التركيّ في شأن المعارضة المسلّحة لكسر هذا التعايش السلميّ.
أصبح سباق الجماعات المسلّحة على كسب التأييد الأميركيّ في أوجه بعد التدخّل الروسيّ الذي أطلقت عليه اسم (عاصفة السوخوي) فتشكّلت “سرايا أهل الشام” في منطقة القلمون، تضم معظم الفصائل العاملة في المنطقة باستثناء “جبهة النصرة”، وتشكيل “جيش الشام”، باتحاد “الجبهة الشامية” وفيلق الشام” و”أحرار الشام”، الذي أعلن أنّه سيحارب داعش في تل سوسين بحلب، لكن المشكلة في هذه الاتّحادات أنّها قد أثبتت فشلها إثر تجاربها السابقة والمتتالية في مبايعة داعش والنصرة بعد تلقيها الدعم.
من الواضح أن الطيران الروسيّ قد سرّع من وتيرة الأحداث التي أصبحت رتيبة، وباتت مهمّتها تكمن في الاستمرار في الفوضى، فازدادت حدّة البحث عن الحلّ، لذلك جدّدت أميركا من فرضها حلّ برنامج المعارضة المعتدلة الذي أوقفته منذ مدّة، واستبدال المشروع بمشروع تسليح المعارضة المعتدلة عوضاً عن تدريبها، دون تسمية هذه المعارضة المعتدلة، فأعلن باراك أوباما أنّ بلاده لن تتدخّل عسكريّاً، لكنّها ستساعد المعارضة المعتدلة.
لقد أرعب هذا التحالف الجديد (قوات سوريا الديمقراطيّة) أردوغان، فبعد أن وضع كلّ ثقله في إقامة منطقة آمنة بين جرابلس وأعزاز، وتشكيل بعض الفصائل التي كان هدفها شقّ الصفّ السوريّ، كان الإعلان عن تحرير الرقّة الضربة القاضيّة على أردوغان وبرنامجه التفكيكيّ للمنطقة.
لقد كانت كلّ الحلول المطروحة على الساحة تعتمد على الحلول السلطويّة الدولتيّة، أي لم يكن الشعب السوريّ في المعادلة على الإطلاق، فمعظم الأقلام العربيّة وللأسف قد باتت تفكّر بالثورة على الدولة لإحلال دولة مكانها، لا لإحلال مفهوم الحرّيّة والديمقراطيّة والعيش المشترك، ومن خلال التنظير البعيد عن مصالح الشعب، وهمومه اليوميّة، ففي الوقت الذي تُباد فيه المجتمعات عبر الجماعات المسلّحة التي تجلب معها اليباب والدمار أينما حلّت كانت أبواق تلك الجماعات تؤجّج الصراع الأثني والعرقي والطائفي، وفي غياب المشروع تصاعدت الأزمة وساد مشروع الفوضى.
إنّ القومويّة العمياء والإسلام السياسيّ المتشظي الذي يتحارب مؤيّدوه على الزعامة، قد جُبلت بعد تحرير تل أبيض (#كرى سبي# )، فاختلطت الأوراق بعد أن تحرّرت على يد وحدات حماية الشعب الطرف الذي لا يُرضي الإسلامويين والقومويين، والذي أبدوا هجومهم عبر الأبواق الإعلاميّة التي تضخّ هذه السموم للمجتمع الذي يهمّه العيش الكريم.
إنّ التدخّل الروسيّ يعتبره الدينيّون تدخّلاً دينيّا مسيحيّاً أرثوذكسيّاً، والتدخّل الإيرانيّ وحزب الله تدخّلا إسلاميّاً شيعيّاً، والتدخّل التركيّ تدخّلاً إسلاميّاً سنيّاً، والتدخّل الأميركيّ تدخّلا استعماريّاً ليبراليّاً لا يرضي المجتمع الشرقيّ، فهي المزيج اللاحلّي الذي تنأى الإدارة الذاتيّة في روج آفا التدخّل فيه لأنّ هذه المشاريع كلّها غير مجتمعيّة إنّما هي مشاريع دولتيّة فئويّة طبقيّة لا تُرضي المجتمع، فلا بدّ من الخطّ الثالث مجدّدا وأبداً.[1]