بيان “المنظمات المدنية” ..بخصوص مناهج اللغة الكوردية؛ غباء أم إستغباء سياسي!!
بير رستم
نشر موقع يكيتي ميديا _وللأسف_ بياناً لما تسمى بلجان ومنظمات المجتمع المدني والتي أغلبها، إن لم نقل كلها، تدار من قبل أشخاص ومجموعات كوردية، ربما صيت البعض منها لم تتجاوز حدود البلدة والقرية، إلا فيسبوكياً.. وإلى جانبهم فقد حمل التوقيع عدد آخر من الشخصيات التي تعمل في الوسطين السياسي والثقافي ومنهم أصدقاء وزملاء أيضاً، لكن ما يلفت في البيان أو بالأحرى “تقرير الإدانة” لقرار الإدارة الذاتية بإستبدال المناهج السابقة بجديدة بحيث تكون اللغة الكوردية هي البديل عن العربية، تلك اللغة العدائية بحيث وصل الأمر بالبيان والموقعين عليهم الوقوع في القول والإصراح بما ينفونه في خطابهم عن تلك الإدارة علناً وبشكل يومي .. وللتوضيح أكثر، فإننا بدايةً سندع القارئ يطلع على نص البيان والذي جاء حرفياً في موقع يكيتي ميديا تحت عنوان (بيان المنظمات المدنية “مناهج الادارة الذاتية تدعو لترسيخ التمييز العنصري و تعزيز الفرقة بين مكونات المنطقة”) وبتاريخ #03-10-2015# م حيث يقول:
((حرصاً على مستقبل أطفالنا إيماناً منا بأن التعليم هو الطريق السليم لبناء أوطان يسودها السلام والمساواة والعدل والحرية والديمقراطية وتنعم فيها جميع الشعوب بحقوقها لذا ارتأينا أن نوصل صوت الجماهير إلى الرأي العام وإلى المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان ولا سيما المنظمات المهتمة بشؤون التعليم وحماية الطفل في العالم: إن قرار الإدارة الذاتية في المناطق الكردية في سوريا بإدراج مناهج باللغة الكردية إلى المدارس لتدريسها للتلاميذ الكرد بعد إحداث شعب على أساس العرق لا تصب إلا في مصلحة الأنظمة المستبدة المستفيدة من ترسيخ التمييز العنصري وتعزيز الفرقة بين مكونات المنطقة (الكرد و العرب و السريان). وإن قرار إلغاء مادة اللغة الإنكليزية – لغة العالم و التكنولوجيا– و إلغاء العربية أيضا لغة الجامعات والمعاهد في سوريا من صفوف التلاميذ الكرد بحجة أن الطفل غير قادر على تعلم أكثر من لغة في آن لا يستند على حقيقة علمية ولا يصب في مصلحتهم فجميع الأبحاث والدراسات لعلماء وباحثي اللغة أثبتت أن الطفل قادر على تعلم أربع لغات في آن واحد وأن الطفل الذي يتعلم أكثر من لغة في صغره يكون أكثر قدرة على الاستيعاب وأكثر مرونة من أقرانه!! ولكن على ما يبدو أن إعداد مناهج كردية مؤدلجة بفكر حزب معين وتخصيص كادر معظمه غير مؤهل للتدريس إضافة إلى كل ما ذكرناه آنفاً يشير وبقوة إلى أن الشعب الكردي يُساق إلى الجهل والأمية ناهيك من هلامية مستقبل أطفاله. لذا نطالب جميع الجهات المعنية والمسؤولة المبادرة إلى تصحيح المسار بطيّ قرار إلغاء مواد مثل الإنكليزية والعربية وتعليميهما إلى جانب المناهج الكردية ودمج الأطفال من جميع المكونات دون تمييز، وتعيين كادر لتدريس المناهج الكردية من الحاصلين على شهادات جامعية أو معاهد وخاضعين لدورات في اللغة الكردية لا تقلّ عن عامين وعدم إفساح المجال للنظام البعثي الشوفيني الذي يبادر إلى إغلاق المدارس الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية المعلنة من قبل حزب الإتحاد الديمقراطي في المناطق الكردية في سوريا)). إنتهى البيان والإقتباس.
والآن لنقم بتفكيك البيان وقراءته والوقوف على عدد من النقاط التي أثيرت فيه، لكي نستبين منه إلى أي درجة (يخدم) _أي ذاك البيان العجائبي_ قضايانا التعليمية وكذلك الوطنية والقومية، وإننا سوف نبدأ من العنوان والذي جاء كما يلي: “أطفالنا حرموا من طفولتهم، لنحاول ألّا نحرمهم من مدرستهم أيضا!!” .. والآن لنبدأ بتدوين الملاحظات:
1- بدايةً وكملاحظة أولى؛ نبدأ من العنوان لنقول: بأن العنوان الأساسي للبيان يختلف تماماً عن العنوان الذي أنزل تحته في موقع يكيتي ميديا والذي جاء كما رأينا سابقاً كالتالي: (بيان المنظمات المدنية “مناهج الادارة الذاتية تدعو لترسيخ التمييز العنصري وتعزيز الفرقة بين مكونات المنطقة”)، وربما من حق الموقع إنزال البيان تحت أي عنوان آخر، لكن بحيث لا يكون متناقضاً ومعارضاً أو حتى محوراً للنص الأصلي عن معانيه ومراميه؛ حيث لم أجد في صياغة البيان أي تعبير كما أورده الموقع عنواناً للبيان وبالتالي كان على أصحاب البيان والموقعين عليه مساءلة الموقع على هذا التحوير وإنزياح المعنى .. وبالمناسبة هي إشارة عن عداء الموقع والتيار السياسي الذي يقف خلفه لمشروع الإدارة الذاتية وعموم المنظومة العمالية الكوردستانية وإن درجة العداء وصل بالموقع بأن يرفق صورة للتلاميذ من عهد النظام وعلى صداريهم علم “طلائع البعث” وكان الأحرى بهم؛ أن يرفقوا صورة للتلاميذ بلباسهم المدرسي الجديد كون البيان يتطرق للمنهاج التعليمي الحالي.
2- النقطة الثانية أيضاً يتعلق بالعنوان الأساسي والذي يدين مسبقاً المنهاج التعليمي الكوردي وبأنه سيكون سبباً (لحرمان أطفالنا من مدارسهم) وذلك عندما يقول: “أطفالنا حرموا من طفولتهم، لنحاول ألّا نحرمهم من مدرستهم أيضا!!” فهي تحمل دلالة أن هذا الإجراء للإدارة الذاتية في تغيير المناهج سيكون سبباً ل(حرمان الأطفال) من المدارس؛ كون البيان يناقش قضية المناهج الكوردية وليس إغلاق المدارس في وجه الطلاب والتي لم تقم به الإدارة الذاتية أساساً.
3- ثالثاً نقول: بأن اللغة _وليس فقط الخطاب_ التي تم به صياغة البيان تكشف عن حالة إنفصام في الشخصية الوطنية، إن لم نقل هي حالة عداء للهوية الوطنية حيث نلاحظ وكأن الجهة التي تقف وراء صياغته هي جهات معادية للكورد وليسوا من أبنائها حيث جاء في البيان “ارتأينا أن نوصل صوت الجماهير إلى الرأي العام وإلى المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان ولا سيما المنظمات المهتمة بشؤون التعليم وحماية الطفل في العالم” وهكذا فاللغة تكشف عن مسألة جد جوهرية وهي قضية “اللإنتماء” للحالة الثقافية والوطنية في قضية المناهج الكوردية.
4- النقطة الرابعة والتي تعتبر (الجوهرية) والأكثر خطورةً في البيان، بل تشكل لب الموضوع والقضية وعليه أقيمت الدعوة النداء في مسألة التعليم بالمناطق الكوردية وبالتالي تم صياغة ذاك البيان العجائبي الذي يقول وبالحرف؛ ((إن قرار الإدارة الذاتية في المناطق الكردية في سوريا بإدراج مناهج باللغة الكردية إلى المدارس لتدريسها للتلاميذ الكرد بعد إحداث شعب على أساس العرق لا تصب إلا في مصلحة الأنظمة المستبدة المستفيدة من ترسيخ التمييز العنصري وتعزيز الفرقة بين مكونات المنطقة (الكرد و العرب و السريان)). وهكذا فإن هذه العبارة تحمل عدد من المدلولات والمعاني: أولاً_ إنه إعتراف من الموقعين على البيان بأن الإدارة الذاتية هي إدارة قومية (عنصرية) كوردية بحيث تعمل على “ترسيخ التمييز العنصري وتعزيز الفرقة بين مكونات المنطقة (الكرد و العرب و السريان))” وهي بالتالي تدحض إفتراءاتهم على أن الإدارة الذاتية في مناطقنا هي ليست إدارة كوردية ولا علاقة لها بالمشروع القومي الكوردي، أو أن البيان وأصحابها يكذبون في قولهم؛ بأن (الإدارة الذاتية ترسخ التمييز العنصري). وتالياً_ أو ثانياً نقول؛ بأن قضية إحداث شُعب على أساس اللغة ليس قراراً عنصرياً وللتفرقة بين المكونات وكما أدعى البيان الإستغبائي، بل هي إقرار بالواقع الإجتماعي الحضاري لمكونات سوريا والمنطقة وبأن هناك أكثر من مكون ويحق للجميع التعلم بلغته وكأمثلة عن ذلك، فهنا في سويسرا هناك الكانتونات ونظام المدارس واللغات الأربعة بحيث يتم مراعاة لغة الكانتون وكذلك في إقليم كوردستان (العراق) هناك المدارس على أساس الإختلاف اللغوي؛ أي المدارس ذات التعليم بالكوردي وهي الأغلبية المطلقة كما هناك بعض المدارس ذات التعليم باللغة العربية فهل الإقليم الكوردستاني “يكرس التمييز العنصري والتفرقة بين المكونات”؛ ثم أن في أيام النظام السوري كان هناك التعليم الخاص لبعض المدارس باللغة السريانية.. فهل رأيتم درجة الغباء والإستغباء في البيان العجائبي.
5- أما النقطة الخامسة والمتعلقة بقضية “قرار إلغاء مادة اللغة الإنكليزية –لغة العالم والتكنولوجيا– وإلغاء العربية أيضا لغة الجامعات والمعاهد في سوريا من صفوف التلاميذ الكرد بحجة أن الطفل غير قادر على تعلم أكثر من لغة في آن لا يستند على حقيقة علمية ولا يصب في مصلحتهم فجميع الأبحاث والدراسات لعلماء وباحثي اللغة أثبتت أن الطفل قادر على تعلم أربع لغات” فهو يدل؛ إما على جهل مدقع للذين صاغوا البيان أو إنهم يكذبون بطريقة فاقعة، حيث في أغلب دول العالم لا تدرس إلا اللغة الوطنية في الصفوف الأولى ومن ثم تدرج اللغات الأجنبية وعلى مراحل، فمثلاً هنا في سويسرا وهي تعتبر من أرقى الدول وكذلك نظامها التعليمي ومع ذلك وبعد سنتين من التحضيري، يدخل التلميذ المرحلة الأولى _وهي الإبتدائية_ عندنا ليدرس في السنتين الأولتين بلغته الوطنية وبحسب الكانتون (إما الألمانية أو الفرنسية، الإيطالية وهناك أقلية بلغة روما ريتش) وفي السنة الثالثة تدخل لغة وطنية أخرى إما الفرنسية مع الألمانية أو بالعكس وذلك بحسب الكانتون ولتأتي اللغة الإنكليزية في السنة الخامسة لتكون لغة جديدة للطالب، وهذا ما قامت به الإدارة الذاتية في مناطقنا الكوردية بحيث تكون السنوات الثلاثة الأولى باللغة الكوردية لتأتي بعدها كل من العربية والإنكليزية في الصفوف الأعلى وليس إلغاءً كلياً للغتين كما يفهم من البيان الإشكالي. أما بخصوص القول بأن “العربية.. لغة الجامعات والمعاهد في سوريا”، فإن أصحاب البيان ينسون؛ بأن سوريا بعد الثورة لن تكون كما كانت قبل الثورة وأن الجامعات الكوردية ستكون باللغة الكوردية وأن طالب المراحل الأولى في هذه السنة سوف يحتاج لعشر سنوات على الأقل ليكون طالباً في الجامعة وحينها يكون هناك عدد من الجامعات لإستقباله ليدرس بلغته الأم الكوردية وهذه ليست نكتة للدعابة، بل ستكون حقيقة إلا عند أولئك الذين لا يؤمنون بقضيتهم وشعبهم ويعيشون حالة من الإستلاب القومي.
6- وأخيراً وبخصوص قضية “مناهج كردية مؤدلجة بفكر حزب معين وتخصيص كادر معظمه غير مؤهل للتدريس” كما جاء في البيان الفانتازي والمطالبة ب”تعيين كادر لتدريس المناهج الكردية من الحاصلين على شهادات جامعية أو معاهد وخاضعين لدورات في اللغة الكردية لا تقلّ عن عامين وعدم إفساح المجال للنظام البعثي الشوفيني الذي يبادر إلى إغلاق المدارس الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية المعلنة من قبل حزب الإتحاد الديمقراطي في المناطق الكردية في سوريا” فإننا نقول؛ بدايةً لن ندافع عن المناهج، لكن نأمل من الجميع الإطلاع على تلك المناهج حيث وبعد إطلاعي، فإنني لم أجد تلك “الأدلجة الفاقعة” والتي روجت لها في الإعلام الكوردي والفيسبوكي عموماً، مع العلم هناك بعض الفقرات التي تشير لذلك، لكنها ليست بتلك الحالة الكارثية كما أراد البعض ترويجها. أما بخصوص الكادر التعليمي، فأعتقد أن الإخوة في الإدارة الذاتية حاولوا قدر الإمكان توفير الكادر التعليمي، ولم يقولوا؛ بأن كادرهم خريج سوربونات “منظماتنا المدنية” العجائبية أو غيرها من أحزابنا البياناتية التي كانت تعلم _مشكورة_ بعض رفاقها في دورات مستعجلة لينالوا شهادة التخرج والبروفيسارية مع جل الإحترام لهم جميعاً. وأخيراً وبخصوص مسألة “عدم إفساح المجال للنظام البعثي الشوفيني الذي يبادر إلى إغلاق المدارس الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية المعلنة من قبل حزب الإتحاد الديمقراطي في المناطق الكردية في سوريا” وكما يقول بيان هؤلاء (المدنيين الديمقراطيين في الفانتازيا الكوردية) فذاك يعني شيئاً واحداً؛ ألا وهو القبول بمنهاج النظام السوري العروبي السابق، وإن هذه النقطة الأخيرة تكشف كل المستور والقضية وبأن أصحاب البيان يدعون علناً وليس مواربةً إلى عودة النظام ومنهاجه التعليمي العروبي الأسدي، ليكون بدل المنهاج الكوردي في مناطقنا الكوردية .. فهل عرفتم؛ ماذا عنيت بعنوان المقال وذلك عندما كتبت: هل هو غباء أو إستغباء سياسي!![1]