اليوم العالميّ للتضامن مع كوباني
صلاح الدين مسلم
بعد أن أثبتت المقاومة العظيمة التي أبداها المقاتلون الأشاوس في كوباني تحدّيها لعدوّ العالم الرئيس (#داعش# ) وبعد أن وصل صوت المرأة الكرديّة إلى أقاصي العالم، وبعد أن أثبتت كوباني أنّها مقاومة القرن، قرّرت المنظّمات والمجموعات الديمقراطيّة حول العالم التكاتف مع مقاومة كوباني التاريخيّة ففي العام المنصرم في الواحد من شهر تشرين الثاني وفي أكثر من ثلاثين دولة قامت الجماهير المنادية بصوت الحق القيام بصيحة واحدة موحّدة فأكثر من تسعين مدينة ظهرت فيها المظاهرات والمسيرة المؤيّدة لكوباني المناضلة.
أضحت عظمة مقاومة كوباني نجاحاً لمفهومَي الحماية الجوهرية والحماية الذاتية في كوباني خاصّة، وفي روج آفا عامة، وبات امتحان مقاومة كوباني نتيجة الصراع الكرديّ أمام حملات التصفية والإبادة على مرّ مئة عام، وهي محصّلة النضال العظيم لحركة التحرّر الكردستانيّة منذ الربع الأخير من القرن المنصرم حتّى الآن.
فالإدارة الذاتية في كوباني لم تواجه تنظيم داعش الوحشي فحسب، وإنما واجهت الإرهاب الوحشيّ العالميّ، بل واجهت العقليّة الفاشستيّة القومويّة العدائيّة المجسّدة في الفكر العدائيّ الإقصائيّ التركيّ، فقد كانت كوباني السدّ المنيع أمام مفهوم الدولة القومية، وصارت وجهاً لوجه أمام أدواتها الصهريّة والإباديّة بأدوات المجتمع الديمقراطي الأخلاقي السياسي.
لقد كان صوت المقاومة الكوبانيّة أعلى من أدوات الكتم الإعلاميّ المرتبطة بالأجهزة الدولتيّة التي أرادت أن تسقط كوباني، وكانت الكاميرات تراقب عن كثب سقوط #كوباني# لكنّ مراقبة السقوط انقلبت إلى مراقبة المقاومة، فلم تدرك هذه المنظومة الإعلاميّة المرتبطة بالنظام العالميّ الذي غيّر من معادلته، فتحوّل في خلال سبع وثلاثين يوماً من مراقبة السقوط، إلى مراقبة الانتصار، لكنّ الدول انصاعت لهذه الثورة الجماهيريّة العالميّة في معظم دول العالم الأوربيّة والأميركيّة التي وصل دوي المقاومة إلى قصور الملوك الذين باتوا يهلّلون رغماً عنهم لمقاومة كوباني.
أمام هذه الحرب الشعواء وإعلان أباطرة العصر الحديث أنهم ضد هذا التنظيم، وأنهم يحاربون هذا الإرهاب من خلال ضرب مواقع بعيدة عن ساحة القتال في كوباني، وتغاضيهم عن الدعم العسكري اللا محدود لداعش عبر الشريط الحدودي، وإغلاق المنافذ على كوباني، وعدم الاعتراف بهذه المقاومة الوحيدة لهذا التنظيم قد عرّى الإسلام السياسي الذي تولد عنه تلقائيا الإسلام المتطرف، وباتت المقاومة الكوبانيّة وجهاً لوجه أمام الإرهاب، وصارت تحارب الإرهاب عن العالم، وهذا ما اقتنعت به أميركا ولمّا تجدِ البديلَ بعد لهذا المشروع الإسلامي الذي اعتمدته حلّاً بعد فشل الدولة القوميّة من خلال إسقاط صدام، وعدم الوصول إلى مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يؤجل دائماً دون أن توضيح السبب، بل يؤكّد عجز الاحتكار أمام المجتمع الذي بات ي#درك# مسؤوليته؟!
كلّ ذلك أدّى بهذه الدول الرأسماليّة العالميّة إلى خلق حالة من الفوضى العارمة، وسياسة ضرب المصالح وتنازعها، للوصول إلى حلّ يرضيها، لكنّ هذه السياسة الفاشلة الجديدة التي تظهَرُ طارئاً على سياسات الاحتكار العالمي، والحداثة الرأسمالية المتخبطة الّتي لا تستطيع أن تتواءم مع المجتمع الديمقراطي، ولا تستطيع أن تقنعه، أو من الأحرى تزداد الهوّة بين المجتمعات وبين الأنظمة التي تقف عالة عليها.
لقد كانت تجربة كوباني كافية لتعرية فوضى النظام العالميّ الهائلة، فالكلّ يحارب الكلّ، والكلّ متّفق، والكلّ يصطنع الحرب، والمصالح تتضارب، خاصة النظام التركي الذي وقع بين إسفين الكرد الديمقراطيّ، وبين الإسلام المتطرّف الشوفيني اللاأخلاقي، ومن ناحية أخرى النظام الدوليّ الذي يدّعي أنّه يحارب داعش، ويوزّع صكوك الغفران على من يراه إرهابيّا أو ليس إرهابيّاً، ومن ناحية أخرى وهي الأهم؛ ماذا بعد ضرب تنظيم داعش؟
إنّ المحاولات والمراهنات الفاشلة التي مُني بها أردوغان بعد تمييع الثورة السورية التي وضع كل بيضه فيها، وبعد التناقض بين القول والفعل على الأرض.
لقد استطاعت أميركا بعد استلام الملفّ السوريّ من روسيا وإيران وتركيا، ودمج الملفّ العراقيّ فيه، وبعد أن استطاعت في مدّة وجيزة من تقوية داعش، وشنّ الحرب عليها، أن تفسح المجال ﻷردوغان أن يمرّق ورقته من خلال الاستيلاء على كوباني في فترة قصيرة جدّاً وهي بداية الشهر العاشر، لكنّ أردوغان فشل في هذه المهمّة فانقلبت الآية.
إنّ محاولات تركية وداعش البائسة قد باءتا بالفشل أمام صخرة كوباني، وكانت ومازالت السياسة التركيّة فاشلة ومدمّرة لتركيّة عندما يتعلّق الأمر بالكرد، وبأيّ أثنية أو شعب غير الشعب التركيّ، ولمّا يدرك النظام التركي بعد أنّ الغلاديو والقوّات الخاصّة المدرّبة على محاربة جيش التحرير الكردستانيّة أنّ هاتين المؤسّستين تشكلان خطراً كبيراً على تركيا نفسها بل على شعوب منطقة الشرق الأوسط برمّته وستنسف مشروع السلام برمّته.
إنّ تركيا وداعش لم تحسبا حساب فشل داعش على كوباني كما فشلت في #سري كاني# وتل براك وتل حميس وغيرها، وهذا الفشل سيكون النجاح النهائيّ للمجتمع الأخلاقي السياسيّ الّذي طالما دعا إليه القائد عبد اللّه أوجلان في مرافعاته.
يوم الأحد #01-11-2016# هو يوم الذكرى السنويّة الأولى لليوم العالميّ للتضامن مع كوباني، يوم استذكار المقاومة الكرديّة التاريخيّة.[1]