إضاءات على ملحمة كوباني
ياسر خلف
الملاحم التي تنتجها الشعوب وينسجها الشهداء بدمائهم تدل بوضوح على تطور بنيتها الذهنية والحضارية والمآثر التي تبديها شخصياتها وإبطالها هي في حقيقة الأمر ميراث شعب وتبلور لشخصية أفرادها وبنيتهم الفكرية والثقافية، ربما لم يحظى شعب على وجه الكون ما حظي به الشعب الكردي من روح البطولة والفداء إزاء ما يؤمن به ويتبناه وقد يكون من غير المبالغ به، إذا قلنا إن ملاحم البطولة متأصلة في البنية الحضارية للشعب الكردي فمنذ أن وعينا على هذه الخليقة سمعنا وقرأنا عن الثورات المتلاحقة للكرد وعشنا تفاصيل ملاحمها في الوجدان والضمير، عاشت وبقية متجددة قروناً وأعواماً ولحظات حضارة قد لا يكون من قبيل الصدفة إخفاء هذه الملاحم ومحوها من التاريخ لعدم رغبة السلطات والأنظمة المهيمنة على جغرافية كوردستان أن تبصر النور وتصبح أدلة ووثائق دامغة لهمجية وعنصرية، هذه الأنظمة وليس من قبيل المصادفة أيضاً تمسك الشعب الكردي بتاريخه وثقافته الملحمية لحد تحولها إلى فلكلور قصصي وغنائي متداول ومعاش إلى يومنا الحاضر، أغلبنا قراءنا وسمعنا عن ملحمة كاوى الحداد وثورته ضد ازدهاق وقلعة دمدم وثورتها ضد الشاه وصمودها لشهور وملحمة ممي آلان، درويشي عبدي، سيامندي دين وغيرها الكثير من الملاحم الكردية الراسخة في التاريخ والثقافة والأدب الكردي الشفاهي والمكتوب لاحقاً، ربما لم نعش هذه المآثر ولحظتها وتفاصيلها واقعاً وأخذناها من ما تناقلها الآباء والأجداد والمغنون والقصاصون لنا لكننا عشنا في واقعنا الراهن أعظم ملحمة كردية على مر التاريخ وأكثرها تأثيراً في الضمير العالمي وهي ملحمة كوباني التي جُسدت فيها جميع الثورات والملاحم الكردية المخفية و الممنوعة من الظهور إلى النور وأثبتت أن التاريخ والثقافة
والحضارة هي سلسلة متداخلة ومترابطة لا يمكن فصلها عن الامتداد والكينونة الطبيعية لصيرورتها المتجددة، يقول القائد الكردي عبد الله أوجلان: (عندما يكون الكرد موضوع الحديث. فالعمل على تعريف الكرد وهم في حالة الوجود والنشوء والوعي يشكل أرضية الفهم الجذري للموضوع. كان وجود الكرد مثار جدل وسجال ربما بالنسبة إلى أغلبية المجتمعات والدول حتى أجل قريب ولكي يثبت الكورد وجودهم عانوا حوادث قمع وإنكار وإبادة وصلت في القرنين الأخيرين مستوى يلوح أنه ما من كيان اجتماعي شهد مثيلاً له كما ومورست بحقهم إبادات ثقافية وجسدية وأقحمت شتى أنواع العنف والوسائل الأيدلوجية الأجندة بغية الإنكار والتشتيت جسدياً وثقافياً “ذهنياً” على السوء في موطنهم الأم كردستان وبالإمكان القول أنه لم تبق آلية قمع ونهب وسلب إلا ومارستها وصولاً إلى منزلة التطهير العرقي والإبادة) وفي ظل هكذا واقع مرير ظهرت الحركة التحررية الكردستانية بمثابة المنقذ الإلهي في ظل الظروف والأحداث المأساوية التي عصفت بالشرق الأوسط وكردستان بشكل خاص، فما قام به الشعب الكردي المتمثل بمقاومة أبنائها في وحدات حماية الشعب والمرأة كانت بمثابة معجزة العصر الراهن في إنقاذها لحياة عشرات الآلاف من أبناء شعبنا الكردي في #شنكال# والذي كان على حافة الإبادة الجماعية الرابعة والسبعين، وملحمة العصر #كوباني# التي اجتمعت عليها جميع القوة الظلامية والتكفيرية والعنصرية منها مدججة بكافة الأسلحة الثقيلة والمتطورة لثلاثة دول محتلة لجغرافية كردستان حيث قاومت لقرابة السنة ضد أعتى قوة إرهابية عرفتها الإنسانية والتاريخ وبتمويل وإسناد مباشر من دول مجاورة وإقليمية، وكانت مأثرة آرين ميركان وبيريفان وفيان بيمان بمثابة الناقوس الذي هز الضمير العالمي ووجدانه وجعلت من ملحمة كوباني حديث الساعة على كافة الوسائل الإعلامية المقروءة والمرئية والمسموعة إلى درجة أرقت مضاجع الأعداء التقليديين المتجددين للكرد والمتسترين والناكرين للحقيقة الكردية الحضارية ورقيهم النضالي ضد الظلم على مر تاريخهم؛ ليبدأ التذمر والاستهجان لما يوليه العالم من
اهتمام بهذه المدينة دوناً عن بقية المدن في الساحة السورية وهم قد عقدوا خططهم لسقوطها بيد اتباعهم الظلاميين ومن هنا بدأ تاريخ جديد يسطر بيد المقاومين الكرد وأصبحت كوباني محل جذب وشد جميع الأحرار في العالم وأرغمت العديد من الدول في إعادة حساباتها والوقوف مجبرة مع ما أبداها المقاومون من شعبنا وأبنائهم في وحدات الحماية ليتحول العالم بأسره إلى ساحات للتضامن مع مقاومة وملحمة كوباني، وجعل اليوم الأول من تشرين الثاني من كل عام اليوم العالمي لتضامن مع كوباني في مجابهة الإرهاب لتصبح كوباني الهوية الوجودية للشعب الكردي في روج آفايي كردستان.[1]