من أجل ماذا تقاتل وحدات حماية المرأة الكردية في سوريا ؟
آمي أوستن هولمز
يسيطر الكرد الآن على منطقة واسعة متواصلة مجاورة للحدود شمال سوريا حتى حدود إقليم كردستان العراق. أعاد الكرد سيطرتهم على #كوباني# المحاذية للحدود التركية في كانون الثاني\يناير العام الجاري، وسيطروا على معبر تل أبيض في شهر حزيران الفائت. أسست المقاطعات الكردية المُدارة ذاتياً (عفرين- كوباني – الجزيرة) إدارة وبنية هيكلية لإدارتها بشكل منفصل تماماً عن دمشق. الآن وبعد سيطرة فعلية للكرد على هذه المنطقة، ماذا سيفعلون بها؟ هل سيحاولون الانفصال عن سوريا، وتأسيس دولة مستقلة؟ أو سيستمرون داخل سوريا على شكل منطقة حكم ذاتي؟
يفترض العديد من المراقبين الخارجيين، استنادا على الكفاح الطويل للكرد وراء الاستقلال، أن يكون الأخير مطلباً كرديا. كتب جوناثان ستييل في مقال نُشرت مؤخراً على موقع “the New York Review of Books “، بأن “حلم الكرد بامتلاك دولة مستقلة لم يتلاشى مطلقاً”. آخرون يشيرون إلى شبه الدولة الكردية المحاصرة في الشمال السوري ب “روج آفا”. الكرد العراقيون ربما هم الأقرب الآن إلى تحقيق دولة مستقلة، وعنونت مجلة الفورين بوليسي الأمريكية مؤخراً مقالة لها حول إقليم كردستان العراق تحت اسم “الدولة القادمة في العالم”.
لكن هذا الأمر ربما يعد جزء من القصة. مبكراً خلال العام الجاري، أنجزتُ (أنا: كاتبة المقال) أولى التقارير الميدانية حول وحدات حماية المرأة التي تُعرف أيضاً بالاختصار (YPJ)، بعد أن كنت شاهدة على عملية تحرير تل أبيض في شهر حزيران والأيام الأخيرة من معركة كوباني، نهاية شهر كانون الثاني. على الرغم من التغطية الساحرة لوسائل الإعلام الغربية للشابات الكرديات المزودات بأسلحة (كلاشينكوف) واللاتي تقاتلن تنظيم “داعش”، إلا أنه يوجد نقص كبير في المعلومات الإحصائية الأساسية المتعلقة بهؤلاء المقاتلات. النتائج النهائية لهذا البحث سوف تُنشر قريبا في العدد القادم. إحدى نتائج البحث المفاجئة أن 44 من 46 مشاركة في الاستبيان لم يريدوا تأسيس دولة مستقلة بل يريدون البقاء جزءاً من سوريا.
أولاً، بعض التوضيحات المنهجية المهمة. تواجه الدراسات الاستقصائية عن وحدات حماية المرأة تحديات معينة. منهجياً، يصعب الوصول إلى هذه الوحدات وأخذ العينات العشوائية يعتبر أمراً مستحيلاً. بدلاً من ذلك، استخدمت تقنية العينات السريعة في الاستبيان بين وحدة من وحدات حماية المرأة متمركزة في مدينة كوباني خلال شهر حزيران 2015. حيثُ قابلت 46، عضوة من الوحدات، كلهن غير متزوجات، وتتراوح أعمارهن بين (18 – 34 ) عاماً، العديد منهنََ شارك في معركة تحرير تل أبيض، كوباني ومعارك أخرى مهمة. بالتزامن مع توقيت إجرائي للبحث، العديد من الوحدات شاركت في العمليات القتالية ضد تنظيم “داعش” في الجبهات الأمامية، ما أدى إلى تضاءل عدد المشاركات الموجودات كعينة (المبحوثون). في النهاية، ولأن البحث أُنجز في موقع واحد ولوحدة عسكرية نسائية واحدة، علينا التعامل مع النتيجة بحذر حيثُ ربما يملك الكرد الذين يعيشون في مناطق أخرى مطامح مختلفة عن هذه الواردة في النتيجة.
على الرغم من هذه القيود، النتائج تُعقِدْ السرد الشعبي الذي يقول بأن الكرد جميعاً بطبيعتهم يريدون دولة مستقلة. ربما لن تكون نتائج البحث مفاجئة لهؤلاء المتابعين لعمل الباحثين الكرد أو الذين لهم دراية ويتابعون عن كثب الأوضاع في روج آفا. على سبيل المثال، جادلت دلار ديرك، بأن الكرد ” لا يقاتلون من أجل إقامة دولة الآن ويرفضون مفهوم الدولة (الدولتية) بسبب طبيعتها القمعية”.لا يحتاجون للاستقلال عن سوريا، لأنهم لم يعترفوا إطلاقا بشرعية الحدود المرسومة – أوروبياً في المقام الأول.
وجهة نظر المرأة في البحث تعزز من صحة البند الثاني عشر في العقد الاجتماعي الخاص بروج آفا، والذي يقول “تشكل المناطق المستقلة ذاتياً(روج آفا) جزءاً متكاملاً من سوريا. هي نموذج نظام لا مركزي للحكم الفدرالي في سوريا”. بدلاً من كردستان مستقلة، تهدف الحركة الآن إلى تأسيس هياكل مستقلة على المستوى المحلي استناداً على “الكونفدرالية الديمقراطية” متضمنة الديمقراطية التصاعدية (من الأدنى إلى الأعلى)، الاقتصاد التعاوني، المساواة بين الجنسين ، حماية البيئة. باختصار ديمقراطية بدون دولة مستقلة.
وحدث هذا التحول السياسي والإيديولوجي داخل #حزب العمال الكردستاني# منذُ أن ألقي القبض على أحد مؤسسي حزب العمال، عبدالله أوجلان عام 1999. الأسباب وراء التخلي عن هدف تأسيس دولة كردية مستقلة كانت معقدة. لسنوات، قاتلت النساء إلى جانب الرجال في حزب العمال الكردستاني، وشاركن النضال من أجل التحرر القومي. على الرغم من التضحيات الجِسامْ، النساء غالباً ما وجدنَ أنفسهنَّ مهمشات داخل حركتهم الخاصة – كما في حزب العمال – أو بعد إقامة دولة مستقلة – كما حصل في جبهة التحرير الوطنية الجزائرية – أو كلاهما معاً.
المسألة ليست استراتيجية سياسية فقط، على أية حال، العديد من النساء اللاتي قابلتهنَّ قالوا بأنهم لم يكونوا يحاربوا فقط ضد تنظيم “داعش” ولكن أيضاً ضد الأعراف والسلوكيات الذكورية الموجودة بمجتمعهم. تقول فتاة من وحدات حماية المرأة، 24 عاما، وتنحدر من #عفرين# بأنها انضمت للوحدات بسبب “عدم وجود مساواة بين المرأة والرجل في المجتمع”، وفتاة أخرى، 22 عاماً، من مقاطعة الجزيرة قالت بأنها انضمت للوحدات بسبب “معاناة المرأة، ووحدات حماية المرأة كانت تحل مشاكل المرأة”، وأخرى، 21 عاماً من كوباني، قالت بأنها انضمت لأنها “رأت الحرية وتحرر المرأة في وحدات حماية المرأة”.
وبهدف منع أي من التهميش المماثل للذي ظهر سابقاً، تأسست وحدات حماية المرأة بهيئة منفصلة، بدلا من أن تكون فرعاً تابعاً لوحدات حماية الشعب YPG. الإدارات المستقلة في كلٍ من عفرين، الجزيرة، وكوباني تأسسوا في 2012، وتشكيل (وحدات حماية المرأة ووحدات حماية الشعب) كان نتيجة وميزة خاصة لهذا الحكم الذاتي. هذا الأمر يقودنا إلى ما يمكن أن نسميه تناقض. حيث تؤكد المادة 15 من العقد الاجتماعي في روج آفا على أن وحدات حماية الشعب هي “القوة العسكرية الوحيدة للمقاطعات الثلاث”. وفقاً ل ماكس فيبر، فإن التعريف الدقيق للدولة هو “إنشاء احتكار شرعية استخدام القوة داخل منطقة معينة”. ربما لا تريد وحدات حماية المرأة في سوريا الاقتداء ببنية دولة الأمر الواقع التي تشكلت في كردستان العراق. على أية حال، ومن خلال المشاركة في تأسيس الاحتكار على شرعية استخدام القوة ضمن شمال سوريا، ربما يضعون أسس إرساء وترسيخ تشكيل الدولة.
……………………………………………………………………………………………………….
الكاتبة*: آمي أوستن هولمز (Amy Austin Holmes): دكتورة مساعدة في علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية في القاهرة. وهي مؤلفة كتاب “الاضطراب الاجتماعي والقواعد العسكرية الأمريكية في تركيا وألمانيا منذُ عام 1945”. البحث والسفر والمشروع الخاص بهذه المقالة تم عن طريق تمويل شخصي بشكل كامل. النتائج الكاملة للبحث سيتم نشرها قريباً.
ترجمة: المركز الكردي للدراسات[1]