الدين بين التسامح و القتل
معظم الديانات الموجودة حاليا ، او التي ظهرت في فترات تاريخية معينة دعت إلى التسامح و المحبة و السلم و العدالة ، و لديانات أثار إيجابية في تربية المجتمعات أخلاقيا و سلوكيا. فالدين هو الذي أعطى الأخلاق للمجتمع ،و بدونها ربما ساءت الأخلاق و ظلت المجتمعات أقرب إلى التوحش و البربرية ،فدور الدين و الأفكار الدينية لم يكن أقل من دور الأفكار الإصلاحية و الفلسفية و التربوية ،بل أن تأثير الدين و الأفكار الدينية هو الأقوى و الغالب و مؤثر في معظم المراحل التاريخية للمجتمعات بشكل عام ،و حتى الآن فإن لدين و للاعتقادات الغيبية دور الأبرز في حياة المجتمعات ،و خاصة في مجتمعاتنا الاسلامية و الشرقية .
الدعوات الدينية و أن كان ظهرها غيبي هي ثورات غيرت وجه الحضارات ،فاليهودية او المسيحية و البوذية و الزرادشتية و الهندوسية و الاسلام و غيرها من الديانات هي ثورات غيرت الافكار و المجتمعات .و هي تمثل التطور و التغير في بداية ظهورها .فما نعتقده اليوم رجعيا ربما لم تكن كذلك قبل مئات و الآلاف السنيين بل كانت تمثل قمة التطور في ذلك الوقت .و مثلما نعتقد أن الديمقراطية هي جوهر تطور البشرية نحو الأفضل لكن ربما يأتي أجيال بعد مئات السنيين و يثبتون أن الديمقراطية لا تناسب مجتمعهم بل أنهم يحتاجون إلى شيء أكثر تجاوبا مع متطالباتهم و احتياجاتهم .
فتطور المجتمع و احتياجاته تتطلب تغيرا مستمرا في الافكار و الاعتقادات و القوانيين القديمة و البالية حتى الدينية منها .فالافكار الدينية التي تتناقض مع العلم و التطور هي أفكار بالية مهما حاول البعض من الذين يسمون أنفسهم برجال الدين الحفاظ عليها .و بما أن حقيقة الإله و الرب هي حقيقة علمية فإن اي فكر ديني يتناقض مع العلم و الحقائق العلمية هي أفكار بالية حتى و ان حاولوا وصفها كقوانيين الإلهية غير قابلة لتبديل .
الحقيقة الوحيدة و المطلقة عند المؤمنيين هو وجود خالق لهذا الكون و لكن حتى ادراكنا لهذا الخالق قد يتغير و يتبدل ،فمعرفة الانسان بكل ما يتعلق بماهية الخالق و نشأت الحياة و الكون يتطور يوما بعد يوم ،إذا لا يوجد شيء لا يمكن تغيره فكل شي قالب لتغير .و حتى لو حاول البعض إعاقة التغير فإن التطور البشرية لن يتوقف و سيتم القضاء على الافكار الدينية التي لا تتناسب مع روح العصر .
فالغرب تطور نحو الأفضل ليس عبر شن حرب ضد جوهر الدين، بل أن إحدى جبهاته القتالية كانت محاربة الافكار الغيبة البالية ،فلم يتنكر لدين، بل طور كافة نواحي حياته المادية و الفكرية ،بما فيها الافكار و الاعتقادات الدينية ،و حرر الفكر الديني من كافة شوائبه و تناقضاته و من المتحكمين به من رجال الدين المزيفين الذين حولوا الدين إلى مجرد طقوس لا تنفع المجتمع بل تعيق تطوره و تغيره .و اليوم في الغرب لا يتدخل الدين في السياسة بل ان مهمته اخلاقيةكما كان جوهره بالأصل هكذا منذ بداية ظهوره .
و نحن كمجتمعات إسلامية و شرقية ما يعيق تطورنا نحو الافضل هي الافكار الرجعية التي لا تؤمن بالعلم بما فيها تلك الافكار الدينية البالية التي لا تختلف عن قوانيين العبودية و الرق في شيء .
مهمة رجال الدين في الغرب الدعوة إلى التسامح و السلام و الأخلاق و المحبة بين البشر و الدعوة إلى الحرية و الديمقراطية و حرية الرأي و التعبير و الدفاع عن حقوق الإنسان بدون اي تدخل مباشر بالسياسة .
أما في مجتمعاتنا الاسلامية و الشرقية فإن من يسمون أنفسهم برجال الدين قد يصبحون تجار الحرب و يفرضون على المجتمع أفكار و معتقدات من قرون الوسطى و يحاولون إبقاء المجتمع في قوقعة النقاشات التي تخص “الطقوس الشكلية و أشكال الزواج و سبايا الحروب و الجواري و طريقة توزيع غنائم الحرب و التكفير و جهاد النكاح و المذهبية و الصوفية و من قتل فلان قبل ألف عام و طرائق الذبح و ماذا قال أبو هريرة و كيف يتم رجم و جلد النساء و كيف يقطع يد السارق …”.
فالدين في المجتمعات الاسلامية له فقط وظيفتي اساسيتين اولا هي أداة للعقاب و المحاسبة و التخويف و الترهيب ،و ثانيا هي طقوس يتم تكررها من قبل الناس بدون ان يدركوا مغزاها و فائدتها مقلدين رجال الدين المتحكمين و الذين يفسرون تلك الافكار و الطقوس وفق اهوائهم و امزجتهم .
جوهر الدين هو التسامح و المحبة و الأخلاق و كل الرسول و الأنبياء صفاتهم فيها من الأخلاق و الإنسانية ما يعجز اللسان عن وصفه .و لذلك فإن من يمارس الأعمال الوحشية في الماضي و الحاضر ليس لهم أي علاقة بجوهر الدين ،بل هم يتسترون بها كما تستر غيرهم من الحكام الظالمين و المفسدين بفلاسفةو المصلحين .
و لذلك فإن اتهام الاسلام بالإرهاب بسبب الفظائع التي يرتكبها بعض المجموعات الاسلامية المتطرفة كتنظيم الدولة الإرهابي #داعش# و القاعدة وبعض الحكومات الاسلامية هو ظلم لجوهر الاسلام .و مثلما لا يمكن تحميل فظائع الحروب الصليبية على الديانة المسيحية ،و تحميل جرائم اسرائيل على الديانة اليهودية كذلك لا يمكن اتهام الاسلام بالإرهاب بسبب جرائم بعض المسلمين .
ما يجمع المؤمنين و العلمانيين و المعتدلين و اليساريين و الديمقراطيين و الإصلاحيين و الليبراليين هو التسامح و العدالة و الحرية. و كل من يمارس الإرهاب و القتل و الذبح و التعذيب لا علاقة له بالانسانية مهما تستر بالدين و العلم .فالارهاب لا دين له و لا ضمير له و ليس له علاقة بالعلم و التطور بل هو الجهل و الوحشية و البربرية و كل صفات التي لا تليق بالبشر[1]