تركيا … ذهنية الاحتلال والقتل !
يكرر رجب طيب أردوغان الكلام الذي كنا نسمعه كثيرا في أعوام التسعينيات: “لا توجد قضية كردية في البلاد، بل توجد قضية إرهاب”!. القول بأنه “لا توجد قضية كردية”، يعني الإصرار على سياسة الإنكار والامحاء التي دأبت عليها الدولة التركية منذ تشكيلها. أثناء قمع الدولة التركية للثورات والانتفاضات الكردية أعوام 1925 و1938 وارتكابها لمذبحة (قوجكري)، كانت تنشر مثل هذا الكلام الذي تصر فيه على رفض وجود الكرد والربط بين مطالبهم والإرهاب. كانت تقول آنذاك بأن مجموعة من الأشقياء والخارجين عن القانون ثاروا، وعلى الدولة ضمان الأمن وقمعهم. هذه العقلية مستمرة إلى الآن.
طالما لا يوجد اعتراف رسمي بالشعب الكردي، ستواصل الدولة استخدام السلاح والقمع تجاه الكرد. رجب طيب أردوغان يؤكد في كل تصريح له على أنه “لا توجد قضية كردية في البلاد”. هو بهذا الكلام يمنح المشروعية لحملات الحرب والإبادة ضد الشعب الكردي ونضاله التحرري.
في أيلول 2014 وضعت الحكومة التركية خطة القضاء على حركة التحرر الكردستانية. تم وضع خطة شاملة لخوض حرب مستمرة في كردستان. في هذه الخطة حسبوا عدد القتلى من المدنيين، وكذلك عدد المهجرين، وحجم الدمار الذي سيتسببون به. الآن هم يطبقون خطة الحرب والحسم العسكري هذه. جزء من هذه الحملة هو بناء النقاط العسكرية في داخل المدن والقرى. لقد شيدوا العديد من النقاط العسكرية المتقدمة في جبال كردستان، والآن جاء دور المدن والقرى والمناطق الداخلية الآهلة. ذهنية الطغاة لا تفكر بالحلول السلمية وبالحوار، هي دائما تقدم خيار الحرب والقوة على أي خيار آخر. يتعاملون بالقوة والعنف والقتل والإقصاء مع المشاكل والقضايا ذات الجذر السياسي. لا يميلون للحوار والحل السياسي، بل إلى العنف والقسوة وسفك الدماء والدمار.
حزب العدالة والتنمية نشر خطط الحرب والدمار في كل مناطق كردستان. لا يهمه ما يجري، هو يريد استكمال كل استعدادات الحرب والمواجهة. بناء النقاط العسكرية مستمر، وفي الولايات الكردستانية التي لم يحقق فيها حزب العدالة والتنمية أي نتائج، سيتم تسليم السلطة لثلاثة أشخاص مرتبطين بالحكومة، وظيفتهم إدارة الحرب الخاصة ضد الكرد. حركة التحرر الكردستانية تهدف لإعلان الإدارة الذاتية في كردستان، أما الحزب الحاكم فيفرض ويصر على سياسة الحرب وبناء المواقع والنقاط العسكرية. ذهنية حزب العدالة والتنمية لا مكان للديمقراطية والحل فيها. هي قائمة على الإنكار والحرب. لا يمكن انتظار أي حل أو حوار مع هذا الحزب. من الخطأ فعل ذلك.
الكرد الذين يراهنون على حزب العدالة والتنمية ويجمّلون من وجهه القبيح ويبررون لسياسة الحرب التي يقوم عليها، لا يمكن وصفهم سوى بالخونة. هؤلاء يعلمون بأن الحزب الحاكم ليس عدوا فقط لحزب العمال الكردستاني، بل لكل الشعب الكردي، وهو يقتل كل الكرد المطالبين بالحرية والديمقراطية. هؤلاء الكرد الموالين للقتلة يساهمون في تجميل صورة القتلة والتغطية على جرائمهم. يجب أن يدون هذا الموقف الخياني في صفحات التاريخ. يجب على الشعب الكردي أن يعرف بأن ثمة ممن يسمون أنفسهم كردا ويحسبون أنفسهم على هذا الشعب، ويبررون سياسة القتل والتدمير التي يقوم عليها حزب العدالة والتنمية ويشرعنونها. هؤلاء الكرد الذين يهونون من جرائم الحزب التركي الحاكم يجب منحهم المكان الذي يستحقونه في التاريخ والذاكرة الكردية.
الحرب التركية الحالية سببها أيضا الحيلولة دون تطبيق مشروع الإدارة الذاتية وبناء المواقع والنقاط العسكرية في كل مكان. هم يريدون أن يعسكروا كل الحياة وان يتصدوا بالقمع لكل كردي، في كل حي وشارع، يجهر بصوته مطالبا بحقوقه ومركزا على هويته القومية. كل من لا يرى هذه السياسة لا يعلم حقيقة الحزب الحاكم وخطط الحرب والإبادة التي يحضر لها ويقوم عليها حاليا. خطط تعيين الشخصيات التي فشلت في الانتخابات ولفظها أهالي ديرسم، جولمرك وشرناخ، إنما هو في الأساس جزء من حملات القمع والحرب الخاصة. هذا يعني بأن الحكومة لا تحترم إرادة الشعب وأهالي هذه الولايات، وتريد المجيء بأشخاص سقطوا في الانتخابات، وتستخدمهم كمخالب لدى أجهزة الاستخبارات (MIT) والحرب الخاصة، لتنفذ من خلالهم جرائمها.
نحن نحارب الآن سلطة قامعة، محتلة، ترتكب جرائم حرب وحملات إبادة واضحة. سلطة تشن علينا حربا على الأرض وأخرى ثقافية وبأدوات مختلفة. إن تأثيم رجب طيب أردوغان للمثقفين الذين طالبوه بوقف حربه في كردستان، والتوقف عن قتل وإبادة المدنيين، إنما يظهر حقيقة ذهنيته الفاشية الإجرامية. الكلمات والحجج التي قدمها أردوغان في الهجوم على هؤلاء المثقفين وتشويه سمعتهم، هي حجج وكلمات ساقها العديد من الفاشيين والمجرمين قبله. نفس الذهنية القائمة على الانكار وتجريم المعارضين والنيل منهم.
الانفجار الذي وقع في ساحة (سلطان احمد) في استنبول، وقتل السياح، لا يمكن فهمه من خلال السيناريو الذي قدمه حزب العدالة والتنمية وأجهزته. لو كان “داعش” حقا يقف وراء هذا الانفجار، فأن الترتيب حدث في القصر الرئاسي حتما. تنظيم (غلاديو) القصر هو من أشرف على الإعداد والتخطيط لهذه الجريمة. هاكان فيدان، مستشار الاستخبارات (MIT) قال ذات مرة: ” سوف أطلق بعض الصواريخ من الجانب السوري على تركيا، لخلق الحجة للتدخل العسكري التركي”. هذه الجريمة تأتي في نفس السياق وبسيناريو مشابه لسيناريو “إطلاق الصواريخ على تركيا من الأراضي السورية”. تركيا أفلست في سوريا، والكل بات يعرف علاقاتها ب”داعش”. الانفجار خطط له (غلاديو) القصر وهو يأتي لكي يؤكد لأمريكا وأوروبا بأن “داعش” بات يستهدف تركيا، وهو يشكل خطرا عليها هي أيضا. عبر هذا الانفجار تحاول تركيا أن تحقق هدفين: تحسين سمعتها لدى الأميركيين والأوروبيين، والتبرؤ من “داعش”، ومن ثم نيل عطف هؤلاء أو صمتهم إزاء الجرائم المرتكبة في كردستان، وحملات الحرب والإبادة ضد الشعب الكردي. التفكير والتخطيط حدث في القصر الرئاسي والأداة هي شخص من “داعش” هنا. اتهام “داعش” فورا بالمسؤولية ومنع النشر والبث حول الانفجار وملابساته، يٌظهر جليا بأن القصر لا يريد أن يخرج أي خيط خفي يدل عليه في هذه الجريمة. على كل العالم أن يعرف هذا الأمر…
جميل باييك
الرئيس المشترك لمنظومة المجتمع الكردستاني
صحيفة (Yeni Özgür Politika) الكردية الصادرة في أوروبا.[1]