انتصار كوباني يتجدّد
سوريا بوابة الحلّ أو التعقيد
صلاح الدين مسلم
تستفيق الذاكرة المطليّة بالفرح الغامر، الفرح الذي جاء بعد أربعة أشهر من المقاومة والصمود والتصدّي، عام على انتفاض #كوباني# من سنّ الإبادة المنظّمة الذي انتهجه السواد الداعشيّ، الذي ترك سوريا بما فيها من انتهاكات وتعدّ وخناجر ذلّ وموت تدقّ أبواب الذين قالوا نريد الحرّيّة، تركوا كلّ المناطق التي تحت سيطرة النظام، ليتوجّهوا بترسانتهم الحربيّة إلى البلد الآمن الذي لم يعتدِ على أحد، إلى الشعب الكرديّ المتواجد في كوباني، ليئدوا الحضارة المجتمعيّة وعوالم المؤسّسات الصاعدة من الشعب. لم يرتضوا هذه الحضارة المجتمعيّة بالحوار والمناقشة، وكانت وسائلهم الإباديّة المستمدّة من المنظومة التركيّة الإباديّة هي وسيلتهم الوحيدة للانقضاض على الحرّيّة الحقيقية التي هم أعداؤها الرئيسيّون.
عام على انتصار طال أمده عند الكرد، حيث توحّدت الدماء الكرديّة في كلّ بقعة مقاومة كوبانيّة، إنّه الانتصار الذي توّج المقاتلون الأحرار الشعب الحرّ، الذي أبى أن يكون فريسة سهلة بيد طغاة العصر، مصنع الموت الذي أشاده الإباديون، لكنّ المقاومة أثبتت أنّ الكرد هم روّاد عصر الثورات، هذا العصر الذي اقتحمه تجار الحروب الذين لم يستطيعوا أن يتسلّلوا إلى ساحات كوبانيّ التي أصبحت عائقاً أمام غطرسة أولئك التجّار.
كوباني الانتصار تستعيد عامها المدوّي، بدويّ الوصول إلى أبواب المؤتمرات التي وصلت إلى حلّ ألا وهو؛ أنّه لا حلّ بعيداً عن الكرد، إلى استنتاج مفاده أنّ الكرد هم الورقة التي لا يستطيع أيّ طرف الاستغناء عنه، مهما عُقِدتْ مؤتمرات في الرياض أو اسطنبول أو أيّة بقعة في العالم، لقد تجرّعوا سمّ هزيمتهم النكراء في كوباني قبل عام، والآن يتداعى حصان طروادة الذي صنعوه في الرياض، بخيبة أمل أردوغانيّة وهو ينهال على شعبه الذي يفرّغ فيه انتكاساته الدوليّة وسياسته الفاشلة، إنّ آثار كوباني تظهر الآن في الساحات السياسيّة العالميّة، فجنيف قد دعا الكرد المقاتلين رغماً عن
أنوف المتآمرين، فالجالسون على الكرسيّ في الرياض قد تحوّلت كراسيهم إلى مرتع للشوك والآلام.
عام على انتصار كوباني، والكرد في باكور يصنعون إرادتهم، لم يعد العدوّ يستشهد بالخيبات الكرديّة عبر التاريخ الدولتيّ الذي سحق الكرد، إنّهم يرفعون صوتهم عالياً في المدن الكردستانيّة يجدّدون عهد الاقتداء بالانتصار الكوبانيّ، فالدبّابات والحوّامات لا تستطيع أن تنال من جزيرة بوطان، ولا من نصيبين أو آمد، أو سور… والمدن تتلاحق وهي تقتدي بالإمام الكوبانيّ، بالقبلة الكوبانيّة، كوباني التي سطّرت مقاومتها في كتابها الذي صار منارة يقتدي بها الكرد، وتقتدي بها الشعوب المغلوبة على أمرها، كوباني التي تصدح بها حناجر نساء آمد وهنّ يقاومن نفس الدبابات التي قاومتها آرين، زوزان، إيريش….
كوباني والبقيّة تأتي، والانتصار يلفّ الانتصار بشاله المطرّز بوشاح المقاومة، بالحرّيّة الحمراء كما قالها شوقي، ومازال اردوغان وخادمه أوغلو وأزلامهم يتبجّجون بالغباء المفرط في كلامهم المطليّ بالخزي والعار، يضعون الخطوط الحمر التي تتجاوزها وحدات الشرف والعلياء؛ الكردِ المدجّجين بسلاح الديمقراطيّة والسلام والتآخي والعيش المشترك، بتقوية روح الحماية التي سلبت منهم، وهم في قفص الذلّ بعد أعوام النكوص والخزلان، في اتفاقياتهم التي لم يراعوا فيها حرمة للإنسانيين الذين أخرجوا للحضارة أروع ملاحم الحضارة في موزوبوتاميا التي كانت شعاعاً للإنسانيّة جمعاء، لم يستطيعوا أن يدركوا أن النابض تحت حجر يخزّن طاقة كامنة متى أزيل ذاك النابض، فالطاقة الكامنة لدى الكرد هي طاقة الشعوب المضطهدة جميعاً، واستجمعت قواها في كوباني، وصدّرت مقاومتها إلى أنحاء بوطان وعاصمة التحدّي آمد، فانبعثت تلك القوى تبشّر الشعوب التي كان مغلوباً على أمرها، وثارت على الوأد الطورانيّ الفاشستي العلمانيّ الإسلامويّ.
أيّ هجين يحمله هذا العدوّ، هجين الإسلامويّة العلمانيّة الوضعيّة الفاشستيّة التآمريّة، أي مزيج يحمل معه كلّ هذا السواد الداعشيّ، الذي غيّر شكله في
باكور، ليقمع الكرد الآمنين هناك، فقد بدأت حرب الشعوب الباحثة عن الحلّ، والكرد يحملون روح الريادة، روح الصعود إلى علياء المجد والدنوّ من الحبّ وعشق الحرّيّة، فمن أراد أن يدرك معنى الحبّ فليقابل مقاتلاً مغواراً في ساحات الحماية، فليراجِع ذاكرته المقاوميّة، ذاكرة الملاحم، ذاكرة الأبطال الذين كانوا يحملون راية التطلّع إلى سماء الحرّيّة، لا ذاكرة التنكّر والاستسلام للصهر.
كوباني اصطفت روح المقاومة وتلك الطاقة من شباب وشابّات الأجزاء الأربعة، من روجهلات وباشور وباكور وروجآفا، وبثّتها إلى الشعوب المضطهدة، لقد استجمعت المقاومة قواها من تلك الروح الكوبانيّة واستقطبت الثائرين، فتوحّدت القوى في كوباني، وباتت كوباني مجمع القوى ووحّدت تلك القوى وثارت على الوحش الأسود الذي مرّغت أنفه في عاصمة المقاومة، وصارت تلك القوى التي استجمعت قواها في كوباني مضرب الأمثال، فتكرار الانتصار صار عنوان أيّة انتفاضة تستلهم أيديولوجيتها من سرّ وصفة المقاومة الكوبانيّة، فهيهات أن تعي قوى الاستغلال والاحتكار ماهية هذه الشعوب التي ذاقت طعم الانتصار ولن تتخلّى عنه، فالإصرار والصبر صارا عنوان أيّ حراك يستلهم قواه من منبع الانتصارات؛ (كوباني)، فقد انتصرت كوباني ثانية بعد عام، وكلّ عام موعدنا مع انتصار آخر.
[1]