الشهباء و خيارات التركية – الكردية
noraldin-omerبعد تحرير وحدات حماية الشعب مناطق روجافا باغلبيتها من تنظيم داعش و أصبح الشريط الحدودي الشمالي بمعظمه تحت سيطرة القوات الكوردية و قوات سوريا الديمقراطية ،بداية من تحرير تل حميس و تل براك و الريف الجنوبي لمدينة #قامشلو# إلى مناطق #جبل كزوان# و بحيرة سموقية في ريف حسكة الجنوبي وصولا إلى تحرير مدينة #حسكة# و ريف سري كانيه حتى الوصول إلى مدينة تل ابيض و بلدة تل عيسى التي تبعد عن مدينة الرقة العاصمة المزعومة لتنظيم الدولة الارهابي حوالي 50 كيلو متر فقط .و من مقاطعة كوباني انطلقت قوات سوريا الديمقراطية التي يشكل وحدات حماية الشعب عامودها الفقري لتحرر ريف #كوباني# باتجاه سد تشرين و بلدة تشرين غرب نهر الفرات و اقتربت من مدينة منبج و جرابلس معاقل تنظيم داعش الأساسية في منطقة الشهباء .
و مع تقدم القوات الكوردية و قوات سوريا الديمقراطية باتجاه مناطق التي ما تزال خاضعة لتنظيم الدولة المتطرف حتى بدأ المسؤوليين الاتراك بتهديد الكورد مرة أخرى و بدأت التصريحات تتوالى من رئيس الجمهورية التركية إلى رئيس وزراءها التي تحمل الحقد و الكراهية للكورد حيث صرح أردوغان انه لن يسمح بالقوات الكردية باجتياز الفرات غربا و هذه ليست المرة الأولى التي يضع فيها أردوغان خطوط سمها بالحمر أمام القوات الكوردية و بصريح العبارة فان الدولة التركية تفضل داعش على الكورد و مستعدة ان تتغاضى عن داعش و جرائمها و لكنها غير مستعد لتقبل حقيقة الكورد .و من أجل عدم تحرير مناطق الشهباء الواقعة بين مناطق مقاطعتي كوباني و عفرين يحاول الاتراك و بكل امكانياتهم منع الكورد من تحقيق ذلك .و تتحجج بأنها تحاول منع تقسيم سوريا من خلال منع الكورد من تشكيل اقليم موحد تمتد من #عفرين# إلى الجزيرة .و لكن هدفها الحقيقي هو أولا بقاء مناطق حلب على اتصال مع تركيا لدعم الفصائل الاسلامية المتطرفة و الدائرة في فلك انقرة و تتأمر باوامر الجمهورية التركية. و ثانيا هو محاولة ضم حلب إلى تركيا في اي فرصة سانحة باعتبارها جزء من الأراضي الدولة التركية حسب الميثاق المللي التركي .
و لذلك فإن خيارات الدولة التركية لمنع قوات سوريا الديمقراطية و الكورد من تحرير الشهباء هي دعم الفصائل و المجموعات الاسلامية المتطرفة كحركة احرار الشام و جبهة النصرة و مجموعات تركمانية و تحريضها على الكورد لفتح جبهات ضد الكورد في مناطق عفرين و شيخ مقصود و محاولة إضعافها .أيضا زادت من تحشداتها العسكرية في كافة المناطق الحدودية و تتحركش بالوحدات و تخترق مناطق الحدود و تقصف أحيانا مواقع الوحدات في محاولات استفزازية لارباك الكورد و منعهم من دعم جبهات القتال الساخنة مع تنظيم داعش .أيضا تحاول تركيا و بمساعدة جيشها دخول مناطق #الشهباء# تحت رايات المجموعات الاسلامية المتطرفة بعد أن تأكدت أن تنظيم داعش أصبح محاصرة هنا و لم يعد بامكانها البقاء .و لذلك فهي في سباق مع القوات الكوردية لتثبيت أقدامها في شهباء قبل وصول طلائع قوات سوريا الديمقراطية إليها .
دوليا و إقليميا الاتراك يتمتعون بتحالفات يحاولون من خلالها زيادة الضغط على الكورد فهي ستقدم التنازلات للولايات المتحدة من خلال فتح المجال الجوي التركي لطائرات قوات التحالف و استخدام قاعدة الانجرليك و تنظيم هجمات لمجموعات الاسلامية بمساعدة الجيش التركي و بالتنسيق مع طيران التحالف لسيطرة على جرابلس و محيطها و كذلك تقديم كافة التسهيلات للولايات المتحدة في كل من سوريا و العراق في سبيل ابعاد الولايات المتحدة عن دعم وحدات حماية الشعب و محاولة اقناعها انها وحدات ارهابية مرتبطة لا تختلف عن داعش .
لكن عمليا فإن الوحدات الحماية و قوات سوريا الديمقراطية نقلتا المعركة كليا الى مناطق الشهباء و لم يعد يتحدث احد عن سقوط مدينة الرقة .و التركيز اليوم هو على منبج و جرابلس و مناطق الشهباء عامة .و العالم يحللون الوضع و كانه صراع بين الكورد و الترك بالدرجة الأولى ،فالكورد يسعون إلى توحيد مقاطعات عفرين و كوباني و الجزيرة في كيان واحد و الاتراك يحاولون منع ذلك و البقاء على اتصالتهم مع حلب و الفصائل الاسلامية المتطرفة المرتبطة مع تركيا .
لكن الكورد هم أصحاب مشروع وطني و ديمقراطي لا أهمية للأقاليم و الحدود في هذا المشروع .أنهم يتطلعون إلى تحقيق الإدارات الذاتية لكافة مناطق روجافا لتصبح نموذجا في سوريا الديمقراطية و الاتحادية يتمتع فيها الكورد و كافة المكونات بحقوق متساوية و عادلة دون اي إقصاء .و قد يقول البعض :”على الكورد التركيز على مطالبهم القومية فقط دون الدخول في الصراعات و دون الدخول في اي مناطق غير كردية “و هذا ما يفعله القوات الكوردية فهم يحملون معهم مشروع تقود إلى تحقيق الإدارات الذاتية و الديمقراطية للمناطق الكردية تكون نموذجا للمناطق السورية الاخرى و بإمكانيات شعوبها و مكوناتها اي باختصار الكورد لن يهاجمون اي منطقة غير كوردية ،و مهمة تحرير المناطق العربية تقع على عاتق العرب، و تحرير الرقة تقع على عاتق أهل الرقة ،و هكذا فمن يدعي أن القوات الكوردية تزج شباب الكورد في معارك الغير ،هي تهمة لا اساس لها من الصحة ،فالكورد و أن كانوا أصحاب مشروع وطني و ديمقراطي و هي مفخرة و تعظيم من شأن الكورد و ليس تقليل من شأنهم و لكنها ليست دعوة لدخول في معارك غير مجدية، فالمشروع الديمقراطي لا يناقض الحقوق القومية كما يصورها البعض من ساسة الكورد بل هي بالعكس، اي لا وجود لمشروع قومي و وطني حقيقي بدون اي يكون مشروعا ديمقراطيا يدعو إلى تعايش السلمي بين المكونات ،فالحقوق الكوردية يجب ان تصان لكن ليس على حساب اي شعب اخرى بل عبر احترام حقوق كافة المكونات و الشعوب .
فكما كان العرب أصحاب و قادة المشروع الإسلامي الذي جعلهم من أعظم الشعوب بعد أن كانوا مجموعات من العشائر و القبائل، فإن الكورد أيضا سيكونون من أعظم الامم التي تحمل و تقود مشرع ديمقراطي و الأكثر اعتدالا في المنطقة على حد تعبير احد كتاب الكورد القيمين .
و لذلك فإن خيارات الكورد ستتركز أولا على الاعتماد على الكورد و كافة المكونات و على مشروع وطني و ديمقراطي يحقق العدالة و المساواة في دولة اتحادية يتمتع فيها كافة المكونات و القوميات و الطوائف يحمي حقوقهم و يحقق لهم حريتهم و يحفظ لهم كرامتهم .
و لكن الكورد أيضا سيتحركون و هم يتحركون في كل الجبهات لتحقيق ذلك فهم ينسقون مع قوات التحالف ضد تنظيم داعش و علاقاتهم جيدة مع روسيا و لا ينجرون إلى الحروب الطائفية مثل أغلبية المجموعات المعارضة التي أدخلت نفسها في صراع طائفي بغيض و لصالح دول إقليمية لا تهمها سوى مصالحها .و الكورد يمتلكون قوة عسكرية منضبطة و مدربة و ملتزمة بالأهداف التي خلقت من أجلها و تملك تجارب و خبرات عسكرية هائلة و تتمتع بدعم شعبي في الداخل و بوقوف الكورد معها في كافة اجزاء كوردستان و معترفة عالميا و استطاعت إنجاز و تأسيس قوات عسكرية من المكونات العربية و السريانية و الكردية تحت اسم قوات سوريا الديمقراطية، و هذه القوات أصبحت القوة الأساسية الضاربة و الوحيدة القادرة على تحقيق الانتصارات على تنظيم الدولة الارهابي و لذلك فما نشاهده من صراع عسكري مباشر بين القوى العسكرية المدافعة عن الديمقراطية و الاعتدال كقوات سوريا الديمقراطية و وحدات حماية الشعب من جهة و فصائل أصولية و إسلامية متطرفة تهدف لتأسيس إمارات و فرض أحكام رجعية من القرون الوسطى باسم الدين و مدعومة من تركيا و دول اقليمية مباشرة من جهة اخرى، هو صراع قد يطول بعض الوقت و لكن المشروع الديمقراطي سيكون هو المنتصر لانه الاكثر قبولا شعبيا و دوليا .و لكن كل هذا لا ينفي المخاطر التي تهدد المشروع الديمقراطي و لا ينفي المخاطر التي تهدد مناطق و مقاطعات الإدارات الذاتية فالدولة التركية و معها دول إقليمية و مجموعات متطرفة و اصولية تسعى جاهدة للقضاء على كافة طموحات الشعب الكردي و القضاء على كل مشروع ديمقراطي يحقق العدالة و الحرية لشعوب منطقتنا .
الصراع على الشهباء ليست بداية الصراع و لا نهاية الصراع و لكنها ستغير الكثير من موازين القوى .و الأيام الشهور القادمة ربما سيكون أكثر شدة و خاصة لو فشل محادثات جنيف 3 و التي تبدوا من الآن إنها لن تغير على الارض شيء .
نورالدين عمر[1]