سوريا بوابة الحلّ أو التعقيد
إنّ الشرق الأوسط يعيش حالة تنوير وحالة مخاض مرحليّة مهمّة، لكن عقم الأفق يُفضي إلى عدم تقدير حجم التضحيات التي ستقدّمها الشعوب للوصول إلى برّ الأمان، إنها مرحلة جديدة ضمن المراحل التي قصمت ظهر الشرق الأوسط؛ الموطن الثقافيّ والتاريخيّ الخصب للعالم، وغدت سوريا بوابة الحلّ والتعقيد في الشرق الأوسط، وباتت هذه الحرب الداخلية فيها حلبة الصراع على الهيمنة الاستراتيجيّة على الشرق الأوسط، فإمّا الشعب أو النظام الليبراليّ العالميّ الذي يعيش مخاضاً في قعره الأوربيّ والأميركيّ.
إنّ خطّة اللاحل هي المنطق الوحيد الذي اتفقت عليه معظم القوى الإقليميّة والعالميّة من خلال التعامل مع الملف السوريّ بوابة الشرق الأوسط، وقد كان مؤتمرُ الرياض المُعضلة التي بشّرت بها القوى العالميّة الصدمةَ التي باتت عنوان الأفق للشعب السوريّ، وبات الفارق كبيراً بين مؤتمر الرياض الدولتيّ السلطويّ القطبويّ وبين مؤتمر سوريا الديمقراطيّة الذي يمثّل إرادة المجتمع الفعليّ، وليس النخب الوهميّة البعيدة عن الساحة، والتي تنتظر الوقت لتستلم السلطة الخياليّة، فقوى الائتلاف التي لم تُنزع عنها الصفة الدولتيّة حتّى الآن، والتي تتحرّك في الفراغ الوهميّ لا تعبّر عن الواقع، لقد أضحت القوى المسيطرة على الأرض بوّابةَ الحلّ على الأرض، بعد انهيار أسطورة الحلّ الفضائيّ الخارجيّ.
لقد كان تخبّط الائتلاف واضحاً في هذه الحرب الضروس على مؤتمر سوريا الديمقراطيّة، من خلال التلفيقات التي يلفّقونها عبر إرهابهم الإعلاميّ الإرهابيّ التدميريّ الكاذب، كادّعاءاتهم أنّ أحد رموز النظام يزور روجآفا، ومن تشويهات للرئيس المشترك (هيثم منّاع) الذي لم يرتض أن يكون تابعاً للطورانيّة التركيّة الحديثة، وهذا يدلّ على أنّ أوراقهم تتساقط، فانخراط هكذا شخصيات تسقط أقنعتهم.
إنّ مؤتمر سوريا الديمقراطيّة (مسد) الذي يعدّ الجناح السياسيّ لقوات سوريا الديمقراطيّة (قصد) مزيجٌ سوريّ بامتياز، بعيد كلّ البعد عن الطابع الدينيّ الذي تطبع به معظم قوات الجيش الحرّ، هذا عدا عن التطرّف والإرهاب الداعشيّ والنصرة وأحرار الشام، إذْ أنّه مزيج فريد من نوعه، ومشروع للغد الديمقراطيّ السوريّ؛ إذْ يحمل في طيّاته التعدّد الاثني والعرقي، وتخلو في هذا المؤتمر العبارات الدينيّة التي
أثقلت كاهل المجتمع السوريّ برمّته، ويعدّ نواة لقوّة وأمل جديدَين لتفرضا نفسيهما على الساحة السوريّة، وتميّز نفسها عن القوات الراديكاليّة في المنطقة التي لم تنتج سوى العقم المستدام، وغدا هذا المؤتمر أرضيّة خصبة للتعايش العربيّ الكرديّ الذي دمّرته العقليّة القومويّة الإسلامويّة العنصريّة في سنوات الحرب السوريّة إثر التدخل التركيّ في شأن المعارضة المسلّحة لكسر هذا التعايش السلميّ.
لقد وُضِعت سوريا بإرادة المنظومة العالميّة في خانة المدخل للحلّ والتعقيد في الشرق الأوسط، وأضحى حلّ القضيّة السوريّة المعقّدة يعني وضْع خارطة جديدة للشرق الأوسط، خارطة حلّ للخيال الذي لم تتوضَّحْ معالمه جيداً لدى اللاعبين الخارجيين الرئيسين في المنطقة، فديمستورا والإبراهيميّ على سبيل المثال لم يرسما للعالم معالم الحلّ المنشود، فهما يلعبان على حبل الإسعافات الأوليّة لا غير، وما مؤتمرات جنيف إلّا جرعات مهدّئة مرحليّة لإطالة أمد الفوضى والخراب والدمار، وإنعاش الحرب من جديد، وعدم إدراك مستقبل الحلّ هو جوهر هذا الصراع الدمويّ الذي تستلذّ الحداثة الرأسماليّة به.
إنّ الشرق الأوسط ينحو باتجاه التيارات والأقطاب بسرعة رهيبة جدّاً وهذا مؤشّر خطير، فالسعودية وإيران تصعّدان من الوتيرة بشكل فظيع، وصارت الحرب الباردة تتحوّل إلى حرب ساخنة، وهي مؤشّرات الحرب لا محالة، ومؤشّرات لإفشال المؤتمرات، واللقاءات السوريّة التي ستطيل الصراع، فجلوس النظام السوريّ مع مؤتمر الرياض سيكون على طاولة الحرب ولا بدّ، وكان سعي مؤتمر سوريا الديمقراطيّة إلى طاولة ثلاثيّة حلّاً لإنقاذ الموقف من الدخول إلى حرب جديدة، فالحيرة التي تعيشها المنظومة العالميّة في التعامل مع مشروع (مؤتمر سوريا الديمقراطيّة) واضحة جدّاً، فجلوس هذا الفصيل السياسيّ على طاولة المفاوضات باسمه يعني الاعتراف بمشروع الإدارة الذاتيّة كمشروع معارضة أو كمشروع حلّ لسوريا وللشرق الأوسط في المحصلة، كما أوضحنا أنّ سوريا باتت مفتاح الحلّ والتعقيد، وسيظلّ الصراع والحرب مستمرّين على هذه الأرض كما هو ظاهر وباد للعيان.
لكن يبدو أنّ اللاعبين الدوليين التيارين المصطنعين (السنّي؛ السعودية وتركيا وقطر، والشيعيّ؛ إيران، حزب الله، العراق، سوريا) لا يرغبون في الحلّ، وكذلك القوى العالميّة التي تساند هذين التيارين، فالحلّ بيد القوى الشعبيّة والمجتمع الأخلاقيّ السياسيّ، فهو المتضرّر الوحيد من هذه المسألة، فالدول في تمثيليّاتها على الشعب لا همّ لها إنْ ارتفع عدد القتلى إلى أضعاف هذا العدد المرعب من الشعب، أو تهدّمت
البنيّة التحتيّة أكثر فأكثر، فما يتهدّم هو بنى الشعب وليس بنى الدولة، فمازالت بنى الدولة السوريّة على سبيل المثال باقية حتّى الآن، وإن حصل تعمير جديد فسيكون من الناتج الوطني، وليس من خزينة أولئك الرأسماليين المسيطرين على زمام الحكم والسلطة، لكنّ الإرادة المجتمعيّة ومشروع الشعوب المتآلفة هو المشروع الذي يجتاح سوريا من الشمال السوريّ ومن غربيّ كردستان بالتحديد، من تلك الجغرافيّة التي كانت مهد الحضارات.[1]