مؤتمر جنيف 3 … الطريق نحو سوريا الجديدة
الكرد في المحافل الدولية
دلشاد مراد
أصبح الجميع وفي مقدمتهم السوريون أنفسهم مقتنعين بأن الصراع الدائر في البلاد منذ خمس سنوات قد أصبح رهينة بأيدي الدول المركزية المهيمنة في العالم “روسيا وأمريكا” اللتين أصبحتا الآمر الناهي في استمرار الحرب وإنهائها في سوريا. وقد استند مؤتمرا جنيف 1 و2 على خطة المبعوث الدولي لحل الأزمة السورية كوفي عنان التي تنص في بنودها الأساسية على وقف القتال وتشكيل حكومة انتقالية بالتوافق بين المعارضة والنظام, وترك مصير الرئيس السوري بشار الأسد بيد السوريين أنفسهم.
مؤتمر جنيف1 كانت حصيلة اتفاق وتوازن روسي- أمريكي بحت ولم يشارك فيه أي ممثل للأطراف السورية، وفي مؤتمر جنيف2 شارك ممثلون عن النظام السوري والائتلاف الوطني السوري كممثل عن المعارضة. أما الكرد الذين حرروا مناطقهم من نظام بشار الأسد فلم يتم دعوتهم كطرف مستقل ولذلك رفضت الحركة السياسية في روج آفا المشاركة في المؤتمر وأعلنوا أن نتائجها لا تمت للكرد بصلة وأنه لن تجد طريقها إلى التنفيذ وسيكون مؤتمراً فاشلاً، بينما شارك ممثلون عن المجلس الوطني الكردي ضمن وفد الائتلاف الوطني السوري الذي مارس الخديعة تجاه حلفائه الكرد – كسباً للصوت الكردي ومنعاً لمشاركة أي وفد مستقل يمثل الكرد وروج آفا بشكل حقيقي في المؤتمر- فحصل اتفاق بين المجلس الوطني والائتلاف على أن يتم اعتماد الفيدرالية كشكل لنظام الحكم في سوريا، ولكن عندما بدأت جلسات الحوار فوجئ ممثلو المجلس الوطني الكردي أن الرؤية السياسية للائتلاف لم تشر إلى اتفاقهم بل جاء فيه أن النظام المعتمد لشكل الحكم سيكون مستنداً على المواطنة فقط، دون أي ذكر لحقوق المكون الكردي والمكونات الأصيلة الأخرى في سوريا.
فشل مؤتمر جنيف2 وغادر وفد المجلس الوطني الكردي جنيف, وهم يجرون أذيال الخيبة جراء الخداع الذي مورس بحقهم من جانب حلفائهم.
خلال فترة ما بعد جنيف2 حدثت تغييرات كبيرة على الخارطة السياسية في سوريا، فالمكونات الكردية والعربية والسريانية أعلنت الإدارة الذاتية الديمقراطية في مقاطعات الجزيرة وكوباني وعفرين، وتم تحرير بلدات تل حميس وقرى جنوبي مقاطعة الجزيرة، وكذلك منطقة كري سبي “تل أبيض” التي شكلت فيها إدارة مشتركة بين مكوناتها، وتم تشكيل قوات سوريا الديمقراطية التي ضمت العديد من الوحدات والفصائل العسكرية من مختلف المكونات السورية التي كان من أبرز إنجازاتها تحرير بلدة الهول وعشرات القرى جنوبي الحسكة، وكذلك منطقة سد تشرين جنوبي مقاطعة كوباني، والآن تلك القوات موجودة على بعد عدة كيلو مترات من مدينة أعزاز، لتصبح أكثر من 16% من المساحة الإجمالية لسوريا محررة وخارج سيطرة النظام وتحت حماية قوات سوريا الديمقراطية، وتم بناء مظلة سياسية لتلك القوات “مجلس سوريا الديمقراطية” لتمثيل مكونات روج آفا والمناطق المحررة من قبل قوات سوريا الديمقراطية في المحافل المحلية والدولية المتعلقة بسوريا.
حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يعتبر من أكبر أحزاب الحركة السياسية الكردية والحزب السياسي الأكبر في الإدارة الذاتية الديمقراطية أصبح الآن في موقع أقوى مع حلفائه الآخرين في الإدارة الذاتية ومجلس سوريا الديمقراطية، فازدياد قوة الحزب ومجلس سوريا الديمقراطية يتناسب طرداً مع زيادة مساحة الأراضي المحررة، وبالتالي ليس هناك أي مجال لتهميش مجلس سوريا الديمقراطية وحزب الاتحاد الديمقراطي في المحافل الدولية الخاصة بالوضع السوري. وقد باتت جميع القوى الدولية على اقتناع بهذه الحقيقة وما التصريحات الروسية والأمريكية وعلى لسان كبار مسؤوليهما ومنهم الرئيس الروسي بوتين حول مصير مؤتمر جنيف3 وفشله إن لم يتم مشاركة حزب الاتحاد الديمقراطي ومجلس سوريا الديمقراطية فيه، إلا دليل على ذلك.
جاءت حيثيات انعقاد مؤتمر جنيف3 وجدول أعماله غامضاً إلى حد كبير، وحتى قبيل ساعة الصفر للموعد المقرر للبدء بالمفاوضات التي سيكون عبر عدة مراحل ولن يكون مباشراً بين الأطراف السورية، بل عبر الوسيط الدولي ديمستورا، لم يكن معروفاً بالضبط أسماء المدعوين لحضور المؤتمر.
المجلس الوطني الكردي الذي ليس لديه أي أوراق على الأرض وهو يعيش في مرحلة الإفلاس والموت السريري لم يتعلم من درسه السابق ومن خديعة حلفائه في الائتلاف الوطني، فكان همه المشاركة فقط في المؤتمر وهذه المرة حتى دون أي اتفاق مع ما سمي ب “الهيئة العليا للمفاوضات” المنبثقة عن اجتماع الرياض، ودون أي اعتبار للحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي. وقد سوق مشاركته أمام الرأي العام الكردي استناداً إلى وهم التمثيل القومي الكردي من خلال جمع تواقيع لا يعرف حتى الآن مصداقية الرقم المعلن وطريقة جمع التواقيع حيث تم خداع معظم الموقعين بأساليب ملتوية. وعلى الرغم من محاولة الائتلاف التسويق لممثلي المجلس الوطني الكردي واعتبارهم ممثلي الكرد في مؤتمر جنيف3، إلا أن الرد عليهم كانت من قبل الدول الراعية للمؤتمر أنفسهم (روسيا وأمريكا والأوروبيين) الذي أكدوا مراراً على أهمية مشاركة “الاتحاد الديمقراطي ومجلس سوريا الديمقراطية” في المؤتمر.
إلا أن عدم دعوة ممثلي الكرد في مجلس سوريا الديمقراطية وحزب الاتحاد الديمقراطي إلى المؤتمر في الجولة الأولى من المفاوضات على الرغم من التصريحات المؤيدة للمشاركة الكردية في الجولة الثانية أثارت شكوكاً حول نية روسيا وأمريكا وموقفهما من المسألة الكردية برمتها ودور الكرد في سوريا المستقبل. والزيارة التي قام بها وفد أمريكي – أوروبي إلى روج آفا واللقاء بالقائمين على الإدارة الذاتية الديمقراطية قبيل ساعات من إعلان فشل الجولة الاولى من المفاوضات وإرجاء المؤتمر إلى 25 شباط الجاري، والتي كانت هدفها طمأنة قادة الكرد وإقناعهم بالمشاركة في الجولة الثانية للمفاوضات، لا يعني انتهاء تلك الشكوك.[1]