مؤتمر جنيف 3 … الطريق نحو سوريا الجديدة
حول شرعية التمثيل الكردي والموقف التركي – السعودي
دلشاد مراد
أثار تمثيل الكرد والإدارة الذاتية الديمقراطية في مفاوضات جنيف3 جدلاً في الأوساط الإقليمية والدولية، وقد كان استبعاد ممثلي مجلس سوريا الديمقراطية وحزب الاتحاد الديمقراطي انعكاساً واضحاً لهذه الجدل غير المبرر في حقيقته.
كان الضغط التركي والسعودي واضحاً في هذا السياق، فتركيا هددت على لسان مسؤوليها بأنها ستنسحب من التحالف الدولي ضد داعش، وأنها لن تتعاون مع الاتحاد الأوروبي في مسألة اللاجئين إن شارك ممثلو الكرد من الاتحاد الديمقراطي ومجلس سوريا الديمقراطية في المفاوضات.
إن التهديدات التي أطلقتها الحكومة التركية يعتقد بأنها مجرد ضغط إعلامي، أكثر من كونها جادة في التنفيذ، والهدف إبعاد الكرد عن مفاوضات جنيف3، فانتقال هذه التهديدات إلى التطبيق العملي لن تكون لصالح الدولة التركية وحكومتها وقد تجد نفسها معزولة تماماً دولياً. ثم إن المشاركة التركية في التحالف الدولي ضد الإرهاب مشكوك في أمرها، فالدعم التركي لمرتزقة داعش وجبهة النصرة وأخواتها واضحٌ للعيان، وأكدته معظم الأوساط الدولية، وروسيا وأمريكا تدركان ذلك تماماً، أما بالنسبة لمسألة اللاجئين فإن تركيا تعتبر الأكثر استفادة من وجود اللاجئين السوريين على أراضيها، ولا يعتقد إن الحكومة التركية مستعدة لخسارة الأموال الباهظة التي خصصتها الاتحاد الأوروبي لمساعدة اللاجئين السوريين الموجودين في تركيا.
إن السبب الحقيقي للموقف التركي الرافض لمشاركة الكرد في مؤتمر جنيف 3 يعود إلى كون مشاركة الكرد من الاتحاد الديمقراطي ومجلس سوريا الديمقراطية في المؤتمر سيمثل اعترافاً دولياً بشرعية الإدارة الذاتية الديمقراطية وتمثيلها في المحافل الدولية، ويعني ذلك أن كل محاولاتها وخططها الرامية إلى إجهاض المكتسبات السياسية الحاصلة في روج آفا ستذهب أدراج الرياح. والهاجس الكبير التي تعيشه الحكومة التركية حالياً هو استمرار المكتسبات والنجاحات الكردية في روج آفا، مما سينعكس على تمدد الانتفاضة الكردية وتوسع رقعة الإدارة الذاتية المعلنة في المناطق الكردستانية في باكور تركيا.
السعودية وتركيا اللتان تنسقان مواقفهما فيما يتعلق بالمسألة السورية، حاولتا من جانبهما التمسك بقيادة دفة “المعارضة السورية” للحفاظ على نفوذهما الإقليمي المفترض، وفي الوقت الذي يشهد الائتلاف الوطني السوري بعجز وفشل في قيادة الوضع الميداني، قامت الدولتان بترتيب اجتماع الرياض لتحديد طاقم تفاوضي وحيد لتشكيلات “المعارضة السورية”.
تجاهلت السعودية وتركيا التشكيلات السياسية العسكرية السورية الحقيقية الموجودة في الداخل، وعوضاً عن ذلك، أشركتا ممثلي قوىً متطرفة مرتبطة بالقاعدة، كأحرار الشام وجيش الإسلام، وهو ما يمثل دعماً وتشجيعاً للتطرف والقوى المعادية للكرد والمكونات الأخرى في روج آفا وسوريا.
قبيل انطلاق مفاوضات جنيف3 ذكرت تسريبات إعلامية بأن ممثلي مجلس سوريا الديمقراطية والاتحاد الديمقراطي سيشاركون في المؤتمر، وعلى الفور قامت “الهيئة العليا للتفاوض” المنبثقة عن اجتماع الرياض وبتوجيه سعودي – تركي بتغيير طاقم الوفد وإشراك ممثلي احرار الشام وجيش الإسلام في قائمة وفد الهيئة العليا للتفاوض، لتقوم السعودية فيما بعد بالمساومة على هذه المشاركة من خلال الضغط على الأمريكيين والروس باستبعاد ممثلي الكرد من المفاوضات.
“الائتلاف الوطني السوري” الذي يشكل العمود الفقري للهيئة العليا للتفاوض هو الآخر ضغط باتجاه رفض مشاركة الممثلين الحقيقيين للكرد، وروج للرأي العام الدولي بأن الكرد ممثلون في المؤتمر من خلال أعضاء في المجلس الوطني الكردي العضو في الائتلاف الوطني. وقد استطاعت السعودية وتركيا من خلال تشكيل “الائتلاف الوطني السوري” اختراق الصف الكردي وربط جزء من الحركة السياسية الكردية بسياساتها العدائية للحقوق القومية الكردية والشعوب الأخرى في سوريا.
إن انضمام المجلس الوطني الكردي للجوقة المعادية لحقوق الشعب الكردي وربط مصيره بالسياسة التركية والسعودية في المنطقة، يجعله بعيداً عن روح هذا الشعب المتمسك بحقوقه وتطلعاته المشروعة. ومسألة جمع عشرات الآلاف من التواقيع ليست إلا مسرحية وكذبة لن ينطلي على أحد من الأطراف الدولية، فقط حلفائه في الائتلاف الوطني سيؤيدونهم، كونهم يحاولون تطبيق فرق تسد للحؤول دون وحدة الصف الكردي والمشاركة الكردية الحقيقة في مفاوضات جنيف3.
المحاولات الإقليمية مستمرة في سياق استبعاد الكرد وإنهاء المسألة الكردية وإفشال تجربة الإدارة الذاتية الديمقراطية، وعدم حل مسألة القوميات والشعوب في سوريا، ومشاركة المجلس الوطني الكردي في هذا الأمر يعد استخفافاً بالشعب الكردي وجريمة وخيانة عظمى لا تغتفر.
وما التصريحات السعودية والتركية الهيستيرية بالتدخل برياً في سوريا تحت حجة محاربة داعش والإرهاب بعيد فشل الجولة الأولى من مفاوضات جنيف3 والمكتسبات العسكرية الحاصلة على الأرض من قبل قوات سوريا الديمقراطية ليست سوى مؤشر على فشل أدواتها في الميدان “مرتزقة داعش والنصرة وحلفائهما” من كسر إرادة الكرد والشعوب السورية. وأحد أهداف تركيا والسعودية من وراء تصريحاتهما هو إفشال مؤتمر جنيف3 والحل السياسي، وجر الأمريكيين إلى حرب برية في سوريا، وفرض أمر واقع جديد على المنطقة يكون لصالحهما.
إن قرع طبول التدخل البري من قبل السعودية وتركيا لا يعني إن ذلك سيتحقق، فالوضع على الأرض معقد للغاية وخيوط اللعبة في سوريا متشابكة، والتوازن الروسي الأمريكي لا يزال مستمراً ويلقي بظلاله على الملف السوري. وقد يكون ذلك مرتبطاً بمفاوضات جنيف وتحصيل تنازلات من الروس والأمريكيين لجهة استمرار استبعاد الكرد، ومن هنا يأتي التصريحات الأمريكية والروسية المتتالية حول أهمية مشاركة الكرد في مفاوضات تحديد شكل الدولة السورية الجديدة.
إن المحاولات الإقليمية “التركية السعودية” لإبعاد وتهميش الكرد والإدارة الذاتية ومكونات روج آفا جارية على قدم وساق، وبالمقابل يستمر الكرد وحلفائهم على موقفهم الثابت في مشاركة مشروعة ضمن وفد مستقل في مفاوضات تحديد مصير سوريا وشكلها الجديد.
[1]