(الرابطة) (المدنية) (المستقلة)؛ طبخة بحص على جرة غاز تركية
سيهانوك ديبو
المتتبع لوقائع ما سمي بالمؤتمر التأسيسي للرابطة المدنية المستقلة في أورفا يوم أمس، إضافة لبيانه الختامي؛ يخرج بنتيجة وفي أحسن أحوالها بأنه اجتماع تأسيسي أول وأخير؛ بدءَ وانتهى في اللحظة نفسها. ومثل هذه النتيجة تؤكدها مجموعة من الأسباب؛ أهمها:
1- الجميع يعلم بأن المجتمع الدولي على شاكلته الرسمية السياسية؛ زائداً عليه في ناحيته الشعبية الأهلية المدنية؛ بات في مظهر أكثر من نصف استدارة رسمية لسلطة العدالة والتنمية وما تقوم به من مقاربات وأفعال حيال الملفات الساخنة في منطقة الشرق الأوسط خاصة حيال الأزمة السورية وتورط هذه السلطة –وفق أدلة موثقة- بدعم التنظيمات الإرهابية كداعش والنصرة واستحداثها المستمر لمجموعات مسلحة على علاقة عضوية بهما وبالتالي موقفها السلبي من حل الأزمة السورية، وأن تركيا اليوم باتت في موقع المغيّب أو الاستغياب في أي توافق سياسي سوري محتمل. بالرغم من ذلك؛ تقّصد هؤلاء (المستقلين) بأن يكون مؤتمرهم الأول في تركيا.
2- من ناحية الكلمات الملقاة والمباركِة لهذا الاجتماع له تأثير تثير منه مكامن النيّة والمقصد؛ خاصة بأن الكلمة الأولى كانت للائتلاف من قبل السيد موفق نيربيه الذي أعطى الحق لنفسه بمطلب (عودة) ما يسمى ببيشمركه روج آفا والدفاع عن جميع الأراضي السورية؛ بحسبه. الائتلاف المرتبط عضوياً وبجميع تفاصيله بشكل مباشر مع السلطات التركية، وهذا أيضاً ليس بالتحليل إنما الاستنتاج حينما هددت تركيا وعلى لسان رئيسها بالحرف: إن الائتلاف سينسحب من الجولة الأولى لجنيف السورية الثالثة في حال حضور حزب الاتحاد الديمقراطي PYD، وهذا الائتلاف ينسجم وضعه مع وضع السلطة التركية؛ حيث بات أيضاً في موقع المشتت المستلب الإرادة والإدارة. ومن المتوقع جداً أن لا يكون في أية عملية تفاوضية (حقيقية) للحل السوري؛ هذا ما يفهم من تصريحات أعضائه المرتجلة والمتناقضة مع نفسها أولاً ومع الآخرين المؤتلفين ثانياً وما يفهم قبلهما من هي الأطراف المؤثرة في الحل. رغم ذلك؛ فإن الكلمة الأولى كانت للائتلاف الذي أوحى (للمدنيين) الأورفاويين بالعسكرية بدلاً من الأمور المدنية التي من المفترض أن تكون وحدها من اختصاص الجمع المجتمع في أورفا. ثم أنه من الملاحظ قد مارس السيد نيربيه رغبة وعاطفة؛ حينما يقول بوجوب عودتهم. أي يُفهم من كلامه بأنهم كانوا موجودين (ما يسمى ببيشمركه روج آفا) وأنهم هاجروا أو غادروا.. وهذا يتناقض مع قول وزير شؤون البيشمركه قبل مدة قصيرة حينما أكد بأنه لم يسمع بهم وأنهم لم يتلقوا تدريباً من خلالهم بعكس من يؤكدون غيرها وكما يؤكد من يطلب ذلك بأنه لغاية الحرب البينية بين المكونات في روج آفا.
3- كما أن البيان الختامي لهؤلاء المجتمعين أي (الرابطة) (المستقلة) أنهت عملها بشكل كامل لا يشوبه ناقصة وحسم أمر بقائها أو عدم قانونية بقائها. إذْ حوّل البيان الختامي من (المؤتمر التأسيسي) إلى ورشة عمل –في أحسن أحوالها- خلصت إلى النتيجة التي خرج بها بيانهم الختامي أو يكاد يكون بمثابة التوصية كما عادة ورش العمل: (يعود حل القضية الكردية لبرلمان سوري مستقبلي) كما أفاد ذلك أحد إداريين (الرابطة) نفسها. إنّ تأجيل الحلول المفصلية وتقصد غيابها أو تعمُّد تأجيلها في الاجتماعات أو المؤتمرات –خاصة اليوم- دليل على اللّاحل ودليل على القصور الذي يبديه من يراه الحل. وفي حقيقته هو بمثابة الهروب إلى الأمام، وبمثابة الخلط بين القضايا الخاصة التي تبت في مصيرها المعني/ين فقط وبين القضايا أو المسائل الكلية التي هي من صلب البرلمان الوطني أو الشعب بأجمعه. والقضية الكردية يحدد حلولها الشعب الكردي وحدهم في سوريا ووحدهم من يقررون مصير الانتماء إلى سوريا بشكل ديمقراطي، وحين ذلك تتحول إلى مبدأ فوق دستوري لا يمكن المساس به وإخضاع مصيره إلى رغبة اليد المرفوعة أو المنَكسة. هذه هزلية وهراء لا يمكن القبول به؛ ومجرد التفكير به يعتبر تواطئ ضد أساسيات الديمقراطية والعيش المشترك، ومثل هذا الوضع التشككي قد أوقع فيه المجتمعون بأنفسهم، ويدل على مستوى الاملاءات المفروضة عليهم.
إنهم هم؛ إنها أورفا؛ إنهم الحضور.
4- تكاد تكون مسألة الاستقلالية معدومة لدى من حضروا وليس لمن اجتمع نصيب من المستقل أو الاستقلالية سوى اسمها، وخاصة في إعطاء الحق لأنفسهم والبت في مسائل ليست من اختصاصهم بل من اختصاص الاستفتاءات وحدها؛ فيما يتعلق بقضايا التمثيل. من خوّل هذا الاجتماع بأن تكون بقايا المجلس الكردي ممثلين للشعب الكردي في سوريا؟ من المؤكد بأنهم لن يستندوا على عريضة وُقِّعت عليها لغرض وأُبْرِزت من قبل (الممثل) لغرض آخر؛ ناهيكم فيما لو كانت بالأساس أسماء صحيحة، كما من المؤكد بأنهم لم يستسيغوا ما قاله راعيي الملف السوري وكثيرين في مجموعة الدعم الدولية السورية حينما أصروا ويصرون على ضرورة حضور ممثلي الكرد في أية عملية تفاوضية للأزمة السورية في الوقت الذي كان هؤلاء (الممثلين) حاضرين. مع العلم بأن قضايا التمثيل في صميميتها تتمثل بالأهداف والبرامج والأفعال والاستراتيجيات التي يقوم بها من وضع على نفسه قيام الدفاع عن وجود الشعب الكردي وحقوقه وجميع مكونات روج آفا؛ ومثل هذه الأساسيات لم تلاحظها أي عين أو حتى تلسكوب يراقب ما قام به المجلس الكردي طيلة فترة تأسيسه حتى اللحظة الراهنة. وفي مسألة (التمثيل) أيضاً غاب عن بال الحضور أو ربما هو غير مرصود له؛ أن يتم وصف بقايا الائتلاف على أنه (ممثل) للشعب السوري بمجمله. لو ذكروا هذا أيضاً وقتها كانت مسألة (المستقلة) بائنة على المجتمعين بشكل كبير!
من اجتمع في أورفا بدأوا وانتهوا في لحظة البدء؛ شيء أشبه بالمفرقعة لا يُشاهد منها سوى أشياء تفرقعت وتناثرت وتنتظر أول ريح -غير قوية- لغيابهم المحتم.
أؤمن بالمثل الذي يقول: اعطي الخبز للخبّاز ولو أكل نصفه. مع العلم أن كلَّ مثلاً حتى أصبح المثلُ؛ كان نتيجة تجارب متعددة في أمكنة مختلفة حتّمت ظهوره كي يكون مثلاً.[1]