تداعيات إلحاق كوردستان بالعراق.. قراءة في تحليل الواقع الحالي 1
#فرست مرعي اسماعيل#
إقليم كبير مشهور اطلق عليه العرب المسلمون اسم السواد، أثناء تحركهم لفتح العراق في بداية العهد الراشدي، حيث تراءت لهم كثرة البساتين والنخيل وكأنها أرض سوداء فأطلقوا عليها أرض السواد .وقد اختلف البلدانيون والمؤرخون المسلمون وغيرهم بشأن تسمية العراق والتفاسير التي تمخضت عن إطلاق هذا الاسم، فقد ورد عن البلدانيين ابن خرداذبة (205 - 300ﮪ / 820 - 913م) وقدامة بن جعفر(260- 337ﮪ/873 – 984م) أن ملوك الفرس تسمى السواد (دل إيرانشهر أي قلب العراق) وأن إقليم السواد يتكون من اثنتي عشرة كورة تظم ستين طسوجاً .وجاء في معجم البلدان لياقوت الحموي( المتوفى سنة626ﮪ/ 1229م) نقلاً عن الاصمعي (123-216ﮪ/ 741 - 831م) أن العراق: هو معرب عن إيران شهر، وفيه بعد عن لفظه وإن كانت العرب قد تغلغل في التعريب بما هو مثل ذلك... ، وقال قطرب: إنما سمي العراق عراقاً لأنه دنا من البحر وفيه سباخ وشعر، وقال الخليل بن أحمد الفراهيدي: العراق شاطئ البحر، ويسمى عراقاً لأنه على شاطئ دجلة والفرات حتى يتصل بالبحر على طوله.
أما الخطيب البغدادي (المتوفى سنة463ﮪ/1071م) فيقول: وإنما سمي السواد سواداً لأن المسلمين قدموا يفتحون الكوفة فلما أبصروا النخل قالوا ما هذا السواد.
بينما تطرق الآثاري الألماني هرتستفيلد Herzfeld (المتوفى سنة1948م) الى هذا الموضوع من ناحية لغوية تقترب بعض الشيء من فكرة خرداذبة والاصمعي حيث يشير إلى أن العراق معرب لفظة إيراك الإيراني، ومعناه البلاد السفلى أو الجنوب، وكانت منطقة واسط (الكوت الحالية) الى خليخ فارس (الخليج العربي) عائدة إلى هذا القسم من ممتلكات الدولة الساسانية، وتطرق كل من حمزة الأصفهاني والخوارزمي إلى هذه العلاقة بقولهم إيران العراق، ولا غرو أنها غلط والصواب -إيراك- (بالكاف الفارسية).
ولكنهم لم يعرفوا معنى إيراك وألفوا لفظة إيران، فحصروا إيراك بإيران، كما أن إبدال الهمزة من العين أمر شائع، وجاء في نص الآفستا كلمة (إيرانستان) وهو اسم كورة واقعة بين فيروزآباد وخليج فارس (الخليج العربي)، وكان يجب أن تقرأ إيراكستان (بالكاف الفارسية) وما إيراكستان إلا العراق .
في الوقت الذي يذهب أحد الباحثين إلى أن أصل كلمة العراق إنما مأخوذ من أرك المدينة السومرية القديمة، ونحن نرجح هذه الرواية.
ولكن على أية حال فإن الباحث يعتقد أن التسميات التي أطلقها البلدانيون المسلمون أرجح لانطباق تفاسيرهم على الوضع الجغرافي للعراق آنذاك، وأن لفظة السواد ربما تكون مرادفة للفظة العراق، أو بمعنى آخر أن الحدود التي يضمها إقليم العراق تكاد تكون منطبقة على حدود السواد مع اختلاف بسيط في تحديد الحد الشمالي للإقليمين.
أما الخطيب البغدادي فإنه يحدد العراق من بلد على نهر دجلة شمالاً إلى عبادان على بحر فارس (الخليج العربي) جنوباً، ومن جبل حلوان في الشرق إلى العذيب (عذيب القادسية) في الغرب، ومدينة بلد التي يقصد بها الخطيب البغدادي هي بلدة معروفة من نواحي الدجيل من أعمال بغداد (واقعة بين بغداد وتكريت). في حين يعتقد البعض أن مدينة بلد التي قصدها الخطيب البغدادي هي الموضع المعروف – بأسكي الموصل- وكانت تعرف باسم بلط ، وردت فيها أخبار تنسب إلى نبي الله يونس (عليه السلام) وتقع على بعد 40كم شمال مدينة الموصل على ضفة دجلة اليمنى . والحقيقة أن مدينة بلد التي تتبع الموصل تقع ضمن إقليم الجزيرة الفراتية بإجماع البلدانيين وليست لها أية علاقة بإقليم العراق. ينظر ابن حوقل: صورة الأرض، 187؛ المقدسي: أحسن التقاسيم، 121؛ ياقوت: معجم البلدان، 2/134، 136.
ومن جهة أخرى فلو تتبع الباحث تاريخية لفظة العراق، ومتى أطلقت على هذه البقعة فإن المصادر القديمة لا تسعف نظراً لعدم ورود هذه اللفظة عندهم، أما لفظة إيران وهي تسمية مشتقة من كلمة (آريا) (Airiya الواردة في الآفستا (كتاب الزرادشتيين المقدس) التي تعني بلاد الآريين وفي اللغة الفارسية القديمة السامي، والمجيد، ويعتقد أن مصطلح آريين استعمل منذ مجيء الأقوام الآرية إلى بلاد إيران واستقرارهم فيها منذ الألف الأول ق.م، كما أن مصطلح بلاد إيران (Ariana) ورد في كتابات الجغرافي اليوناني أراتوسشين (Eratosthenes) في القرن الثالث ق.م، ولكن الباحث العراقي طه باقر(المتوفى سنة1980م) يعتقد أن ظهور مصطلح إيران كان في العهد الفارسي الأخميني من القرن السادس ق.م حيث جاء ذكرها في التراتيل والصلوات الدينية في الآفستا .
وعلى أية حال كان العراق يطلق عليه في مطلع الألف الثالث ق.م (بلاد سومر)، وبعد الهجرات السامية القادمة من الجزيرة العربية باتجاه العراق وبلاد الشام، ظهرت إلى الوجود سلالة سامية بقيادة الملك الشهير سرجون الأكدي (2334-2279 ق.م) حيث حكمت العراق لفترة غير قصيرة، وقد سميت بلاد الرافدين في هذا العهد باسم (بلاد أكد)، كما أطلق على العراق (بلاد الرافدين) فيما بعد اسم (أرض بابل) على إثر تدفق موجة من الأقوام السامية التي سماها العراقيون القدماء باسم الأموريين، وبالسومرية مارتو الذين اندفعت بموجات كبيرة من القبائل من بوادي بلاد الشام وأسسوا على أنقاض سلالة بابل الأولى التي اشتهرت بملكها السادس حمورابي (1972-1750 ق.م).
وقد دخلت سلالات وادي الرافدين في علاقات سياسية مع القوى المجاورة، وكثيراً ما غزتها في عقر دارها وخاصة (الهضبة الإيرانية) تثبت ذلك بجلاء الآثار المدونات التي خلفها ملوك العراق القدماء في تلك المنطقة.
وبعد الغزوات المتبادلة بين سلالات العراق وبلاد عيلام (خوزستان الحالية والمناطق المجاورة) ظهرت إلى الوجود دول أقامتها الأقوام الإيرانية (الهندو-إيرانية Indo-Irani) في الألف الأول ق.م، أقدمها الميديين (Media) ما بين القرنين التاسع والسادس ق.م، ودولة الفرس الأخمينيين (في حدود 550-331 ق.م)، ثم دولة الفرس الفرثيين، (247 ق.م-226م)، وأخيراً الفرس الساسانيين (226-651م) حيث قضى على دولتهم العرب المسلمون في خلافتي الراشدين عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان(رضي الله عنهما) وأصبحت إيران ضمن دولة الخلافة الإسلامية الكبرى .
إن هذه الدول الإيرانية قد تأثرت بحضارة وادي الرافدين وأثرت فيها، حيث دخل العراق (بلاد الرافدين الجنوبي) لأول مرة تحت حكم الفرس الأخمينيين من بعد سقوط بابل على يد الملك كورش الثاني (550-529 ق.م) عام 539 ق.م فتداخل تاريخ العراق القديم مع تاريخ إيران القديم، وأصبحت مدينة بابل العراقية العاصمة الثانية للدولة الفارسية الأخمينية، بعد برسيبوليس.
ولذا لم يكن المؤرخون والبلدانيون المسلمون على دراية بالتاريخ القديم للعراق، وإنما نقلوا معلوماتهم وملاحظاتهم من – كتاب ودواوين الدولة الفارسية الساسانية - وهذا مما حدا بهم إلى تعريب كثير من المصطلحات الفارسية سواءً المتعلقة بالجغرافيا والتاريخ أو النواحي الاجتماعية والثقافية الأخرى.
وعلى أية حال فيجمع البلدانيون (= الجغرافيون) والمؤرخون على أن حدود العراق تمتد من تكريت على نهر دجلة شمالاً إلى عبادان على بحر فارس (الخليج العربي) جنوباً ومن قادسية الكوفة غرباً إلى حلوان شرقاً.
وللتفريق بين جغرافية العراق العربي والعراق العجمي لا بد م القول أن المصادر غير الإسلامية أطلقت على إقليم الجبال اسم بلاد ميدية (Media) ، فيما سماه البلدانيون المسلمون إقليم الجبال، لأن الجبال تغطي أغلب أجزاءه، وكان هذا الإقليم يشتمل حسب ما دونه البلدانيون المسلمون على المنطقة الواقعة بين مفازة فارس الملحية الكبرى شرقاً وسهول العراق العربي والجزيرة غرباً وأذربيجان وبلاد الديلم وإقليم مازندران شمالاً، وخوزستان (عربستان) جنوباً، وأطلق العامة على هذا الإقليم في عصر ياقوت الحموي (القرن السابع الهجري/ الثالث عشر الميلادي) العراق العجمي تمييزاً له عن العراق العربي، وقد ذكر ياقوت الحموي أن هذه التسمية غير صحيحة، فهو اصطلاح استحدث زمن سيطرة السلاجقة على إقليمي الجبال والعراق، أما القزويني (المتوفى سنة682ﮪ/ 1283م) معاصره فقد أطلق على هذا الإقليم (قهستان) وهو ما يرادف لفظ إقليم الجبال بالفارسية، فيما جاءت التسمية على لسان ابن خرداذبة باسم بلاد البهلويين (بالباء المثلثة)، ربما على أساس أن هذه المنطقة كانت خاضعة لسيطرة البارثيين-الأشغان (ملوك الطوائف في المصادر الإسلامية) قبل مجيء الدولة الفارسية الساسانية، فبقيت تسمية البرث سائدة في هذه المنطقة ولكنها تحولت بمرور الزمن إلى (برهوParhav ) و(بلهو Palha ) و(بهلو Pahlav )، والرسم العربي لها (فهلو)، فنقلها ابن خرداذبة من المصادر الفارسية التي كانت متوفرة لديه .
وكان إقليم الجبال ينقسم إلى قسمين: الكبير وهو عراق العجم في الشرق من مدينة حلوان غرباً الى منطقة الري (= جنوب طهران الحالية) شرقاً، وما زال اسم العراق العجمي يطلق عليه، أما القسم الصغير في الغرب فقد أطلق عليه اسم كردستان (بلاد الكرد) استناداً إلى ما ذكره المستوفي القزويني ( المتوفى سنة750ﮪ/1349م)، بأنه في نحو منتصف القرن السادس الهجري إلى الثاني عشر الميلادي اقتطع السلطان السلجوقي سنجربن ملكشاه(511-552ﮪ/1117-1157م) القسم الغربي من إقليم الجبال، أي ما كان من أعمال كرمنشاه وسماه (كردستان)، ونصب عليها ابن أخيه سليمان شاه بن محمد بن ملكشاه، وهو الذي خلف عمه فيما بعد في رئاسة البيت السلجوقي وسلطنة العراقين للفترة من سنة 554-556ﮪ/1159-1160م ، حيث اتخذ من مدينة بهار مركزاً لحكمه.[1]