هل بدات حصانة المذاهب تتساقط ؟
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 5040 - #10-01-2016# - 23:56
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لو تمعن اي منا في الدين بشكل عميق و بحرية دون قيود اجتماعية او عقلية او عقيدية، او ممانعة نابعة من اية خلفية تصد التفكير الحر، فاننا نجد ما يفرض نفسه من جهة و ينخر في الارضية التي بُني عليها الدين من جهة ثانية، و يصر على ان يعمل على بناء عوامل مؤثرة في التفكير الانساني، و ان كان بعيدا عن العلم و المعرفة، و لكنه لو نرى اي حر وهو صاحب عقليته و يملك قرار نفسه و فكره و يرى ما موجود، و هو الذي يعمل على اسقاط الدين و المذهب قبله، كما يفعل هو اي العامل الديني على اسقاط نفسه بنفسه . لو تعمق اي منا عقلانيا في ثنايا الدين و ما فيه لا يجد الا اندثاره بعد انقاء مرحلته . لقد مر الزمن الذي يزكي الدين فكرا، و كما نراه اليوم هو تضليل و ليس ما يمكن يعتمد على ماهو المناسب في هذه المرحلة، لانه لم يكن مبنيا على البداية العلمية للخلق و ما يهم الخلق والخالق، و يديره من لم يتوصل الى كيفية انبثاق الكون و يعتمد على الغيب و اللاشيء، و كما هو المعلوم لا يمكن الا للمتخصص في معرفة دقائق ما قبل الكون و كيفية مجيئه و نظريات خلق الكون و ما الى ذلك، و من اهمها الانفجار الكبير و الايمان بعملية التطور من الخلية الوحيدة للكائنات الحية حتى الوصول الى الانسان الكامل من الناحية العلمية، اي نظرية التطور واصل الانواع و الانتخاب الطبيعي و ما تعمق فيه جارلس دارون و العلماء الحديثين الذين اكدوا صحتها، و من الاعتراف به و الايمان به يمكن تغيير الواقع و منه السياسي و الثقافي .
هذا من الناحية العلمية، اما من الناحية الاجتماعية فان النقص في ضرورات الحياة الخاصة بالفرد والشعب، يوجه كل منهما دائما الى الغيب لو لم يكن قويا مستندا على قناعة علمية ثابتة، فتُغيرها صعوبات الحياة الاجتماعية الاقتصادية و خاصة عند الفرد البسيط، و لا يتمكن ان يصل الى حقيقة منشا و خلق الكون الا النخبة المتعمقة في الحياة فلسفيا و بدواعم علمية ثقافية عامة .
اما لو اخذنا تاريخ الاديان و ما فيه من الامور الخاصة بالدين ذاته او من ادعاه و غمر فيه لامور ومصالح عدة و منها شخصية من جهة و جهوية حزبية من جهة ثانية. فان الدين اتى بعد ان ياست النخبة بشكل خاص من الخرافات و الاساطير الخيالية لما هم عليه و ما يعيشون فيه و ما يرتبط بتفكيرهم ولو سطحيا بمنشاهم و اساسهم الحيوي كانت ام الكون بشكل عام . فالدين المتعدد الاله بعد عبادة الكائنات و الاشياء الطبيعية لم يطل كثيرا، و حصل تطور فيه عندما بدا دين الاله الواحد، سواء من البوذية و الكونفوشيوسية او الزرادشتية و الالاف من الاديان التي تخص مجموعات و شعوب منعزلة و التي انقرضت كما انقرضت لغات و احياء و مكونات اخرى .
فجاءت الاديان الرئيسية المتطورة لو قورنت باخرى قديمة لانها اصحاب كتب دونت فيها ما تؤمن و من المباديء الاساسية التي تؤمن بها هذه الاديان منذ اليهودية و التورات والمسيحية و الانجيل و الاسلام و القران، و لم يكن اي منهم منفصلا عن الاخر في تفاصيله و دقائق ما فيهم و استفادوا من البعض، لا بل لم ينف اي منهم الاخر بل اثبته من جوانب عديدة .
فاخر الاديان ضم الكثير من الامور المعقدة التي لم تحو الاخريات عليها، فازدادت الخلافات حول ما جاء فيه بعد طول الزمن الذي بقي، و من التطورات التي حصلت نتيجة ارتباطه بالوضع الاجتماعي السياسي الاقتصادي، و ما تطور من شان الناس و امور الادارة و السلطة و المصالح الكبيرة و الكثيرة التي ارتبطت به، بعدما اصبح الدين منهج سياسي و ثقافي و ديني بذاته على حد سواء و بالاخص في الفترة الاخيرة من حياة الناس .
اي تفرع الدين الاسلامي الى فروع شتى نتيجة مزاج المحللين و المفسرين و الخلاف الذي حصل حول ادق الامور و اكبرها، بعد تطور الحياة و المستجدات التي حصلت في ضرورات الحياة، و ما يمكن ان يتوافق مع الدين او يرفضه من كل بارز منبثق من تطور الحياة . اي اصبح المذهب وفق المفسرين و المصالح الكثيرة و يدعمها التابعون المؤمنون به و المصلحيون . فاصبح الدين و المذهب منهج سياسي قح ولا يمت باي فكر او عقيدة دينية باية صلة من جهات متعددة . بعدما تجرد الدين من الامور العرفانية و الغيبية او اهملها، و تحول الى برامج و مناهج سياسية ادارية اقتصادية كتبوها علماء زمانهم و ورثتها العناصر المصلحية باسم الدين، و يستخدم اليوم للحفاظ على القيم والمفاهيم و الثوابت التي ليس لها صلة بالدين الذي جاء به الانبياء الخبراء و علماء زمانهم و الشخصيات العظيمة مقارنة بمرحلتهم و ما كان فيه . ان اكثرهم كانوا يعتمدون على ماوراء الطبيعة و الغيب لاثبات اداعائاته، نتيجة فقر المعلومات والعلوم و ما كان معروفا حول الكون و الحياة و النشاة والخلق .
هذا حول الدين و ما فيه، و لكن ان عدنا لموضوعنا، هل تسقط حصانة المذاهب بعدما حل محل الدين في هذه المرحلة، فلم يبق من الاسلام الا المذهبين و توابعهما . و لم يبق من الامور العرفانية وا لتصوفية بقدر استغلاله في امور السلطة و الدولة و الحكم و المصالح المعتمدة لدى المهتمين به كمنهج سياسي اقتصادي و حتى ثقافي .
ان السلطة الدينية في عدد من الدول و الادعاءات التي اطلقتها باسمه طرح ما ينافي الدين او ينقض ذاته من ذاته لدى البسطاء من عامة الناس . فالحكم السعودي و السلطة الوهابية، و فترة الحكم الاخواني المصري، و كيف افرز ما كان يتسم به خلال مدة قصيرة و طوي شانه لدى شعب مثقف متيقن من قدرته في المنطقة، نتيجة ما توارثه من تاريخه العظيم قبل الاسلام . و ما تحكم به السلطة الملالية الايرانية على الرغم من انه حكم قومي في العمق والحقيقة و مدني في المظهر الا انه وضحت و بيّنت حقيقة عدم تلائم هذا الفكر والعقيدة المتخلفة في هذا العصرمع المستجدات، و لا نتكلم عن الدول الاسلامية في الشرق الادنى و كيف تتغير احوالها تدريجيا بعد التخلف المسيطر عليها خلال المئات من السنين .
ما يهمنا هنا هو الحكم المذهبي العراقي بعد سقوط الدكتاتورية الشاذة في العراق و التي لم تتسم باية صفة كي يمكننا ان نصفه ضمن المنهج او السلطة او النظام المعين، و لم يحكم الا على اساس المزاج و التوجه الشخصي لذات الدكتاتور دون اي نظرية اونظام يمكن الاعتماد عليه . فاليوم، ان المسيطر هو الاحزاب الاسلامية المذهبية، و لا يمت كل منهم باي ثوابت دينية اسلامية بل كل ما يعتمدون هو مصلحة سياسية على اسس مذهبية قحة فقط، و هي ناتجة من تربية و تاريخ طويل لترعرعهم و تاسيس احزابهم و خلفيتهم الثقافية و العائلية، و على اساس مصالح حزبية شخصية ضيقة لا تمت ما يدعون من الديانة و المذاهب بصلة باساس من الدين و المذهب الذي تفرع نتيجة الخلافات الفكرية العقيدية ايضا . اي كل ما يسيرون عليه هو الخلاف مع الاخر و ليس ما يؤمنون به و يمكن تفسيره بانه الحقيقة و لمصلحة الشعب .
من المعلوم ان المذهب اصبح عصا سحري لمسيرة حكمهم و ليس فرع من الدين كما هو الحاصل، و لا يمكن ان تتوحد السلطة بمثل هذا الاساس، و لا يمكن ان يتوحد المنهج بعد انشقاق في الدين او تفرع كل هذه الفروع منه بعد طول زمن و تعمق الالتزام به استناد على الخلاف العقيدي و الفكري و المنهجي مئات السنين، و لا يمكن ان يكون الاساس مبني على الخلاف و انت تطلب التوافق وا لتوحيد، و لا يمكن ان يرفض الفرع الفرع الاخر و انت تريد توحيد الفروع، و لا يمكن لمن يرفض الاخر جملة و تفصيلا و يؤكد على انه على خطا، ولا يمكن ان يكون هو الدين او انت تريد التعايش بينهم . فهذا من قبيل المثالية التي لا يمكن تحقيقها حتى في امور الدين .
و عليه، ان كان سقوط الحكم الاخواني المصري هو اسقاط للمذهب السني، فان سقوط السلطة العراقية واحلال البديل هو اسقاط للمذهب الشيعي حكما و مسندا للسلطة و ليس مذهبا دينيا قائما على اسس دينية . فانه قد ياخذ وقتا اطول كي يحل العلم و المعرفة مكان الدين و ما تفرع منه . و عدم توافق اي شيء مع المصالح العامة و ما يهم الانسان؛ هو السبب و العامل الكافي لزواله، اي المذهب القائم على رفض الاخر و كل ما يهمه هو انهائه و رفضه لا يمكن ان يهتم بامور الجميع على حد سواء . و هذا ما اكدته السلطة العراقية القائمة على اساس مذهبي و ليس كما هو حال ايران القائم على القومية باسم المذهب و لم تتوفق ايضا في التعايش بين القوميات . فان سقوط المذهب الشيعي من العراق كما كان سقوط المذهب السني من مصر، و لاسباب سلطوية مصلحية و هو الاساس الذي بني عليه الدين اصلا على الرغم من رفض المهتمين بالدين بهذا لحد اليوم . فسقط المذهب السني حصانته بنفسه عندما استلم الحكم في مصر، و نحن في طريق سقوط الحصانة الشيعية من حكم العراق الحالي، و لا نعلم لمتى تمتد هذه السلطة و يطول حكمها باسم الدين و المدنية و هي مذهبية حتى النخاع.[1]