شنكال ملحمة عصر وأزمة ضمير
أردوغان ودولة الحزب الواحد
ياسر خلف
ونحن نعيش في عصر باتت المواقف شاهدة على كل تصرفاتنا وأفعالنا وحتى حديثنا, هذه المواقف قد تكون مصيرية في الحياة وتجعل من صاحبها ذو شأنٍ ومكانةٍ في مجتمعه, وقد تجعله في الدرك الأسفل لمجتمعه وربما يكون الضمير وحده من يكون المعيار لهذا الشأن سواء بعلوه أو دنوه, نعم قد يتفاوت البشر في ضمائرهم وهذه طبيعة إنسانية متباينة من شخصٍ إلى آخر, ولكنها ليست ظاهرة عامة مستشرية بين المجتمعات. أو لنقل بطريقة أخرى إنها ظاهرة فردية غير معممة على مجتمعٍ بعينه, فالمجتمعات في طبيعتها الجمعية حية الضمير ولكن قد تكون وثقة بشخوص أو حالات فردية تعاني من أزمة ضمير أو أخلاق. وبطبيعة الحال الناس في أحاديثهم وكلامهم هكذا يشخصون أو يحللون بأن فلان من الناس حي أو ميت الضمير.
ولو أردنا إسقاط هكذا معيار على شخصيات بعينها من محيطنا وعلى مواقف لها تأثير على حياتنا وأحاسيسنا كبشر, وخاصة من الذين ذاقوا الألم والحزن والمرارة من لحظة انعدام الضمير, وهم كانوا بأمس الحاجة إلى هزة خفيفة وليست صحوة كاملة ينقذهم من موت محتوم أو فناء. نعم هكذا عاش أو عايش أهلنا في شنكال أزمة ضمير ومخاض أخلاق عندما تُرِكَ شعبٌ بأكمله عرضة للقتل والتنكيل والسفك والنحر والسبي والرق, فالأزمة لم تعد تتعلق باختلاف الآراء والفلسفة والأيدلوجية أو كونها أزمة سياسية أو فكرية أو صراع على النفوذ, لكنها تعدت كل هذه المفاهيم وتحولت إلى أزمة ضمير وثقة فُقدت, فالذاكرة الأخلاقية للشعوب لا يمكن اختزالها بإغراءات مادية جوفاء خالية القيم. فلم يكن درويش عبدي بهذه المكانة والقدر بين شعبه لو لم يلبي نداء الضمير, ولم تكن لعدولة أن تحبه بعذرية لو لم ينقذ آلاف العدولات من السبي والبيع في أسواق النخاسة. أجل هنا يتضح وبشكلٍ جلي من سار على نهج وخطى درويشي عبدي وأنقذ مئات الآلاف من أبناء درويش وعدولة وجدد ملحمة وذاكرة مجتمعية أصيلة بتفاني وإخلاص منقطع النظير. ربما ليس بغريب على من يحمل فكر وفلسفة القائد أوجلان هذا المنبع المنبثق للضمير والذي يقول في استذكار ملحمة درويش عبدي في كتابه (القضية الكردية وحل الأمة الديمقراطية) بكل وضوح: “آه لو كنت ودرويش عبدي على ذرى سنجار أعدو به سهل سنجار! أعدو به سهل الموصل على صهوة حصان أبيض متسلقاً جبال كردستان ودرويش الجريح على ظهري وأقول انظر, هاك الآلاف من عدولة والاثنا عشر نم قرير العين على قمم الجبال التي عرشها الإلهات تعتلي لا تغتم فأهلا بالموت أين وكيفما جاء ما دامت الكردايتية والحياة الحرة حلتنا, وغدتا حقيقة أبدية”.
إن التمعن في هذه الأبيات والكلمات يضع المرء أما حقيقة حية منسوجة بحكمة ودقة متناهية في تفاصيل قد تكون غابت, أو يراد بها أن تغيب عن ضمير مجتمعنا وشعبنا بشتا السبل والمؤامرات الدنيئة. أجل لقد كان القائد وتلاميذه على ذرى جبل شنكال في الوقت الذي هرب الآلاف من المدججين بكامل سلاحهم وعتادهم, لقد حملت الآلهة والملائكة مئات الآلاف من الدراويش والعدولات الجريحات على ظهورهم وعدو بهم سهل سنجار والموصل, وفتحوا لهم أبواب الحياة بأجسادهم وأرواحهم. وهنا يرتبط الكردايتية بالضمير بشكل وثيق لا يمكن فصله وهو المعيار الأوحد الذي يمكننا القول وبدون شك في جعل شعب أو مجتمع يختاره دون غيره ويتمسك به دون سواه. وبكل ثقة يمكننا القول إن كردايتية درويش عبدي لم تمت وهي ما تزال حية هناك على ذرى جبال كردستان على قنديل وزغروس وكابار ومتينا و… شنكال. و ينام قرير العين بعد كل نصر يحققه أبناء السماء والجبال والنور, وبإمكاننا القول إن الشعوب الحية لا يمكن أن تنخدع بسهولة بالمظاهر والشعارات البراقة, ولا يمكنها أن تصمت حيال من يتاجر بمصيره وقضيته وحياته, ولن يتخلى عن من صان كرامته وأنقذه من الإبادة.
والتاريخ الكردي يمتلك ذاكرة حية من الملاحم والبطولات التي نسجها من دماء أبنائه الأوفياء إلى يومنا هذا, ولا يزالون ينسجونها بأرواحهم وضمائرهم المنيرة, وكذلك مزابل التاريخ مليئة بأصحاب الضمائر الميتة والمواقف المتهافتة لا يُذكرون إلا ليلعنهم الجيل تلو الجيل, وقد يكون من الصواب والتوضيح أكثر وللتقريب إلى أذهان القارئ من المفيد سوق مثل أو موقف حي من أزمة الضمير في واقعنا الحالي فيمكننا ذكر هاذين السؤالين البسيطين واللذان بدورهما يحتاج إلى ضمير حي في الإجابة عليهما مهما يكن توجه القارئ وفكره وانتماؤه.
1)- أيهما دافع عن جنوب كردستان وقدم الشهداء وأنقذ عشرات الآلاف من القتل والنحر هل هو ا- حزب العمال الكردستاني؟ أم 2- تركيا؟
2)- أيهما أحق بالخروج من جنوب كردستان وشنكال : 1- حزب العمال الكردستاني الذي يحارب داعش من خانقين الى شنكال؟ 2- تركيا التي تساند داعش من خانقين إلى عفرين؟
ربما لا تحتاج الإجابة إلى الكثير من التفكير لذوي الضمائر الحية, ولكن سيستعصى على من باع ضميره وتنازل عن أرادته وكرامته وهنا ينبغي التنويه إن هذه الأسئلة هي أمثلة حية على قضية كردايتية أكثر من كونها أسئلة تحتج إلى إجابة بقدر ما تحتاج إلى مراجعة سريعة للذات ووقفة مع الضمير من الذين يراهنون على العدو وما زالوا منخرطين في مؤامراته على الشعب الكردي بأكمله.[1]