بين الهروب والصمود فكرة
الشهيد ” رستم جودي ” وتنقيبه عن الأيديولوجيا
صلاح الدين مسلم
ما أصعب أن تحاول كتابة مقالاً في زاوية أسبوعيّة، وإذْ بك بعد ثلاث سنوات تقف الأفكار عاجزةً أمامك، بل أقفُ عاجزاً متسمّراً أمام الأفكار، وأنا أرى التاريخ يمرّ أمامي في كلّ حدث، أقف برهةً وأنا أتنفّس الصعداء، وأتأمّل الكون في لحظة سكون، لأرى الكاذب المنافق المتأنّق الذئبيّ المتقنّع وهو يدّعي الملائكيّة، وأرى الأسود أبيض والأبيض أسود… حينها تعتريني الضحكة في هنيهة لا لونيّة، في لحظة قد تكون لحظة العاجز، لا أسمح لنفسي أن أقدّم نقدي الذاتي أمام انتصار مقاتلةٍ على عبوديّتها وهي تحتسي الابتسامة على قبور وائديها.
وذاك الفاني أمام شهوته وحياته وماله وجاهه في هيئة اسم قد لا يمتلكه أيضاً والذي يتبدّل في كلّ مكان يتفقون فيما بينهم على أنّه الأصلح له، من هنا تقف عجلة التاريخ، لترى ذاك الباحث في أغوار التاريخ الذي يبحث عن حلول أمام كلّ معضلة تقف أمامه، لا يتنفّس الصعداء مثلي أمام مقالة أسبوعيّة، لا يقف عاجزاً أمام أيّ شيء، إنّه المتسلّح بالوعي والقادر على أن يكون الحامي للسياسة الأخلاقيّة والمغذّي والمبدع.
إنّه التناقض القزحيّ ما بين الإقدام والإحجام، ما بين الانصياع للشهوة الصمّاء العمياء وما بين الإرادة الحرّة والتطلّع إلى الغد الذي يعتريك في كلّ لحظة مواجهة. فلا يمكن أن تنظر إلى الثورة بطريقة سيزيفيّة، ولا يمكن لأفكارك أن تكونَ بروتكسيّة قولبيّة، لا تظنّوا أنّي أبحث عن مفردات غريبة لأستعرضَ عضلاتي، بل هي اللغة التي تغتالنا كما اغتلناها ونغتالها في كلّ لحظة، فلم يبقَ شيءٌ لم نغتله، بينما وثقت بنا اللغة إلى أقصى حد، كما وثقت بنا الطبيعة، والآن تريد أن تعيد بناء نفسها من خلال التخلّص من هذا الكائن الغريب الذي يريد السيطرة على الطبيعة، ولن نقول: الكائن، لا بدّ أن نقول: إنّها الدولة، والذهنيّة الذكوريّة، والسلطة والشهوة.
أحاول قدر الإمكان البحث عن عنوان لهذه المقالة أو محور أدور في فلكه، لكن اللغة ضيّقة جدّاً، إنّها أضيق من خرم الإبرة التي لا تستوعب مقولة: إنّ الفرق بين البطولة والهروب شعرةٌ تحاول أن تخترق خرم الإبرة لتخيّط الطريق الّتي ستعتريك من أقصى حنجرة السعادة إلى أخمص الحقيقة، لهذا ترى الخائن يتباهى ببطولاته ويظنّ نفسه بطلاً، وترى البطل يؤنّب نفسه ويقدّم نقده الذاتي في كلّ لحظة.
لن يستطيع ذاك المتمسّك بذرّات أرضه أن يثبت وجوده إلّا من خلال التعلّق بفكرة، حتّى تتحوّل الفكرة إلى قنبلة تتفجّر في ذاك القابع فوق الكرسيّ، إن الفكرة تزعزع الكرسي وتزلزله وتهزّ كيانه، وظنّوا أنّهم سيسجنون الفكرة في إيمراليّ، لكنّ الفكرة تجاوزت القضبان وهزّت الأركان وزلزلت كلّ أنواع الكراسي، وهكذا انتصرت الفكرة، ومازالت تنتصر، فبروميثيوس إيمرالي؛ القائد عبد الله أوجلان يقود حربه بقلمه الذي يزرع الفكرة، ولا تنسَ؛ إنّ ما بين الهروب والصمود فكرة.
Tags: الصمودالهروبروج آفاصلاح الدين مسلمكاتبمقال[1]