(الباب) السوري؛ لمن يجبُ أنْ يُفْتَح؟ ولماذا؟
أقّل ما يُقال: كلام من شخص لم يتعرف يوماً على الديمقراطية
سيهانوك ديبو
انفكاك النصرة/ فتح الشام- جفش عن المعارضة خطوة جيدة تصب في صالح إيجاد الحل للأزمة السورية على أساس مساره السياسي. المسألة لا تقف عند هذا الحد إنما تتعداه إلى النتيجة الظاهرة الكبرى في أن تركيا هي راعية هذا الانفكاك وأنها وقطر وغيرهما التي تستطيع أن تأمر النصرة بالانسحاب من حلب والتجمع في مكان آخر، وأن المسألة تكاد تكون برمتها في أن تركيا هي التي جمّعت وحشدت ودربّت جميع آفاقيِّ العالم وشُذَذَهُ على أرضها؛ ومن أرضها وجهّتهم إلى سوريا وحصل الذي حصل. وأنها المسؤولة رقم واحد عما جرى في حلب وفي حمص وفي ريف حماه وحماه وداريا والمعضمية وقدسيا؛ أي النقاط الحمراء التي صدقها بعض القاصرين ممن تم زجِّهم واحتسابهم فيما بعد بأنهم المعارضة السورية؛ أما هؤلاء الشخوص –أدنى ما يمكن القول حيالهم- المنفذون للأجندة التركية والمعادون بقصد وبشكل مُحْتَسَب لحل الأزمة السورية ولإرادة الشعب السوري بهدف وبمطلب التغيير، وهؤلاء مع تركيا من أفادوا النظام أكثر بكثير مِنْ حلفائه الإقليميين أو الدوليين وجعلوه واقفاً حتى اليوم.
السوري الذي يغض النظر عن رفع العلم التركي في جرابلس ليس سوى مرتزق يفوق ارتزاقه من تلك العناصر التي كانت موجودة في تنظيم داعش وباتت اليوم في ما تسمى بدرع الفرات.
(بحثت مع بوتين لإخراج النصرة من حلب كي يعيش أهلها بسلام) يقولها اردوغان معترفاً متباهياً بأنه زعيم جبهة النصرة وتنظيم داعش وكل المجموعات المسلحة المرتبطة بفكر تنظيم القاعدة؛ أبرز الأسباب وأكثرها نفعاً في تمديد عمر النظام الاستبدادي ومنع سقوطه، ويبدو في الوقت نفسه بمثابة الظاهر والمُقْدِمُ من خلال (استداراته) كأنها المحاولة الأكثر جديّة في إعادة تدوير النظام الاستبدادي مع بعض التوابل والمنكهات التي لا طائل منها سوى تقديم المزيد من الدعم كي يرى السوري نفسه أمام المشهد السياسي نفسه قبل ست أعوام ومع الكثير من الدمار.
(سيصل عدد نازحي حلب إلى تركيا إلى مليون نازح) يقولها أردوغان راسماً ومنتقلاً إلى المرحلة الثانية من مأساة حلب. دون أن يسأل هنا الائتلاف نفسه –مجرد السؤال- هل هذا هو مفهوم الخط أو الخطوط الحمراء التي دوّخ نفسه السلطان قبل أي جهة وفي فترة سابقة قد كان واثقاً فيها باعتلاء سياسييِّ سوريا الأتراك إلى سدة الحكم؟ إنما من المرجح أن يستمر المتبقي من الائتلاف في معاداة جهة ما كما روسيا على سبيل المثال ودعم من ينسق معها على سيبل الحصر ويتفاوض معها باِسمهم قبل أية جهة. ويأتي سوري في هذه اللحظات وكأنه يحمل سطلاً من الدهان الوردي في مشهد الدمار السوري الأسود؛ ويقول بأن الدبلوماسية لم تمت!! حوالي ألفي كيلومتراً مربعة من الجغرافية السورية يتم احتلالها من قبل العثماني؛ والعثماني لن يكتفي بضعفها في الفترة القادمة وبأضعاف أضعافها في الفترات التي ستلحقها؛ فيما لو لم تكن قوة ردع الفرات لما تسمى بدرع الفرات. ولا نتحدث عن التغيير الديموغرافي الحاصل من محلّات سوريا متعددة؛ لو يدلنا ذلك الدبلوماسي؛ أو أي شخص مثله أين هذه الدبلوماسية؟
في الحقيقة بأن أردوغان يشير إلى الموصل ولكن عينه على مدينة الباب؛ وإذا ما نجح مرتزقته من الوصول إليها فيعني ذلك بأن عيونه وإياديه فيما بعد تلك المرحلة ستكون إلى العمق السوري حتى الموصل. إن أردوغان المستلطن لا يتذكر في التاريخ سوى الامبراطورية العثمانية. ولا وجود عنده في الأساس لإرادة الشعوب وتطلعاتها.
يجب على السوريين أن يوقفوا هذا الهراء العثماني الذي هو في حقيقة الأمر ليس ضد الكرد وحدهم وإنما ضد العرب لو يعقلون، وأنه ضد السريان الآشور وضد الدين المسيحي لو يتذكرون، وأنه ضد التنوع الطائفي المشهود له في سوريا كما الطائفة العلوية والدرزية لو يعلمون.
بدون أدنى شك ما يحدث في سوريا من حرب ما هي إلّا حرب المشاريع؛ على الرغم من تنوع المسننات الدولية التي تتضح رؤوسها يوماً بعد يوم وتبدو أكثر وضوحاً في الجغرافيا السورية. المشروع الداعشي التركي والذي يظهر اليوم على انفصال داعش والنصرة عن النظام التركي الذي يدير وحده مشروع الخلافة الإسلامية. ومشروع الدولة القومية والذي تمثله الأنظمة الاستبدادية المركزية كما الحال عليه في سوريا، ومشروع الحل الديمقراطي الذي يحقق بدوره الانتقال إلى الدولة الفيدرالية الوطنية ذات النظام البرلماني التعددي. و(لو) أبدى كلاً من النظام والمعارضة رفضهما للمشروع التركي العثماني نصف ما أبدته من معارضة للحل الفيدرالي الديمقراطي؛ لكنا وكان السوريين وكانت عموم سوريا قد وفّرت الكثير من هذه الحرب الأكثر عشوائية. ومدينة الباب السورية ليست كأي مدينة إنما هي اليوم باب سوريا الذي يصلها إما إلى الحل الديمقراطي متمثلاً بتحريرها على يد قوات سوريا الديمقراطية، وإما إلى مشروع الخلافة أي تسليم داعش للباب إلى داعشه الأكبر أردوغان وهذا هو الخراب الكبير بالرغم من أنه لن يدوم حتى لو تم احتلاله مرة أخرى، وإما إلى مشروع يفيد أكثر في تدوير النظام المركزي وهذه هي الخسارة الكبرى التي سيتمنى السوريين بأنها لم تحدث؛ لأنها ستكون كمن يقول: ست سنوات من أجل لا شيء.
لأن الكردي ليس مواطن من الدرجة الثانية بعد أن حافظ على خصوصيته وثقافته في الجغرافيات المستقطعة المستجدة التي حدثت بعد خرائط سايكس بيكو 1916؛ فإنه ليس مضطراً بأن يمضي جميع أوقاته كي يبرهن لشركائه من المفترض أن يكونوا شركاء بأنه ليس انفصالي وتقسيمي وتجزيئي؛ كل العلم من يمارس الانفصال والتقسيم والجَزْأَنَة من يمارس سياسة الوصاية والاستعلاء والسماح لنفسه بالتفكير عن الكردي في سوريا والكردي في العراق والكردي في تركيا والكردي في إيران. ماذا لو سأل هؤلاء أنفسهم: لماذا لا نقبل ما يريده الكرد طالما هدفهم هو تحقيق لحق مصيرهم كيفما يريدون الانتماء إلى سوريا والمساهمة في تشكيل الدولة الوطنية السورية؟ بينما الأمر متعلق بالأزمة وفي جميع الأزمات المزاودة والمزايدة القوميتين ترتفع بحكم الأزمة؛ وإذا ما كُتِبَت للأزمة عمراً مديداً كما هو المتوقع في الأزمة السورية؛ فإن حجم التناقض في المتناول الدولي للحرب السورية، إضافة إلى حجم القصور السياسي لأغلب الأفرقاء السوريين ودليل ذلك القصور ببساطة اقتناعهم بعد مضي ست سنوات من هذه الحرب المدمرة بضرورة انفكاك النصرة/ جفش عن المعارضة؛ وهذه المسألة بحد ذاتها لم يتم الحسم فيها إذْ لا يزال عيون غالبية الائتلاف مشدودة إلى النصرة كيفما كانت.
لماذا تحترق المدن؟
الإنسان السياسي السويِّ الذي ابتدأ كقاطف ثمار ثم كصيّاد ثم كمزارع؛ كان لا بد له أن يتوقف عند ذلك وإنْ فاق الأمر قدرته كان لا بد له أن يُبْقي تلك المرحلة مركزية، وقد كان له أن يفعل ذلك أي لا يسمح أن تتحول تلك المجتمعات/ الكِلّانات إلى مدن؛ إنما؛ أعداد هائلة من القرى حواضن المجتمع السياسي الأخلاقي. أمّا هدف الدولة يصبح، على الصعيد العام، حكم المدينة المبنية بحيث يتَّجه جميع مواطنيها نحو الفضيلة؛ فإنها مقولة لم تلامس واقع الفضيلة والهدف إليه، ويحق النظر إليه اليوم بالكثير من التشكيك حتى لو كان قائل ذلك هو سقراط. لأن كينونة المدن وسلطوية الدولة التي ابتدأت من المدينة هي نفسها منْ تُجْهِرَ على حرقها؛ أكثر من تسعة آلاف مدينة تم حرقها عبر هذا التاريخ الدموي من نيرون إلى هولاكو إلى تيمور لنك إلى هتلر إلى صدام إلى الهتلر الحديث/ أردوغان وجميع من يشبهونهم. أمّا الأخير فيظهر كقاتل ويبغي من تحرير مدينة الموصل حرقاً لها؛ ظناً منه وهراءً به أنّ بإمكانه حرق مشروع الحل الديمقراطي للشرق الأوسط بكل قضاياه الواجبة حلها ومن ضمنها القضية الكردية سواء في في إيران وفي كلاً من العراق وسوريا وبالتالي إلى عُقِر خلافته/ الدولة العثمانية.
ولأن الذي صار قد صار، ولكي لا نبدو بمظهر الرَّفَضةِ المطلقين، وكي تبدو الأمور بدون استعصاء فإن تنظيم المجتمع وتحويله إلى مئات من المؤسسات وآلاف الكومينات سيقطع الطريق أمام أي احتراق يُضمره قُطاع الطرق ومعرقلي الحلول كما حال أردوغان الذي تحول اليوم من داعشي قبل تحرير الموصل إلى عثماني داعشي بعد تحرير الموصل بكل ما ينجم عنها من متغيّرات لقواعد اللعبة السياسية التي ستستقر على رأيٍّ في نهاية الأمر بعد أن تختفي أسماء لجغرافيات تم استحداثها قبل مئة عام منذ هذه اللحظات دون ورغماً عن الشعوب.
بعيداً عن تفسير المؤامرة الذي نعيش اليوم في أصيله، لكن من الخطيئة أن يتم تفسير الأزمة في الشرق الأوسط على أنها حرب بين الشيعة والسنة، وأن يتم تفسيرها على أنها حرب بين القوميات، وأن حق تقرير مصير الشعوب في الشرق الأوسط يهدد أمن واستقرار شعوباً معينة. أو يتم تفسير التاريخ من النقطة الخطأ في اللحظة الخطأ؛ كما حال العثماني قبل خمسمائة عام والذي يظهر اليوم متشبثاً بالموصل طمعاً منه بالتوسع منعاً للتغيير القادم أو محاولة منه بأن سيُفشِّل مشروع الإدارات الذاتية الديمقراطية لروج آفا- شمال سوريا؛ مجرد كان له موطئ قدم في تحرير الموصل ولو عن طريق المشاركة من سمائها. ومصير هذه المحاولة كما حال السنوات الخمس ستكون الفشل.
كتب الفيلسوف أوجلان في بداية الألفية الجديدة وفي كتابه (أزمة المدنية وحل الحضارة الديمقراطية في الشرق الأوسط): فثمة حقيقة واقعة تشير الى ان منطقة شرق الأوسط ستشهد حرباً عالمية ثالثة على نحو خاص بها. لكن هذه الحرب تتميز بخاصيات مختلفة عن الأبعاد العسكرية والسياسية الكلاسيكية، وإلى جانب صحة تعريفها بصراع الحضارات؛ إلا أنه لا يُفسر مضمونها على الشكل الصحيح؛ حيث أنه يكشف النقاب على نحو كاف عن أبعادها التاريخية والاجتماعية، كذلك ثمة غموض في تحديد الأطراف المعنية فيها، وفي أساليبها ومآربها. ورغم كثرة التطرق الى المخططات والمشاريع المتعددة فيها؛ إلا أنها الحرب الأكثر عشوائية.[1]