واشنطن بوست : من الموصل الى الرقة ؟ .. معركة محفوفة بالمخاطر
أردوغان ودولة الحزب الواحد
إذا ما تحدثنا من منطق عسكري فإن أي هجوم على الرقة، عاصمة خلافة تنظيم “داعش” تزامناً مع الهجوم على مدينة الموصل العراقية سيصعّب عمليات نقل التعزيزات ويحرم مقاتلي التنظيم من ملاذهم الآمن. وفي هذا الصدد قال المسؤولون الأمريكيون أثناء تحضيرهم لعمليات الموصل، الصيف الحالي، إنه من المحتمل أن تكون هنالك عملية عسكرية في نفس الوقت تقريبا ضد التنظيم في الرقة، لوضع المزيد من الضغوط على المجموعة من خلال تشتيت القوات بالدفاع عن حصنين أساسيين في وقت واحد.
وفي حين بدأ هجوم الموصل الذي طال انتظاره بداية الأسبوع الجاري، لا توجد مؤشرات على أي هجوم وشيك ضد الرقة. ولعل ذلك لأن سوريا برهنت على أنها منطقة أكثر تعقيداً وخطراً من العراق. التوجه نحو الرقة يعني التحرك بشكل أعمق إلى داخل مزيج من الخصومات الدولية والإقليمية القابلة للانفجار بسهولة، ويشمل الأمر حرباً بالوكالة تحرض عليها واشنطن ضد روسيا وحلفائها. وتؤكد المعارك ضد تنظيم “داعش” في شمال شرق سوريا أيضاً اعتماد الولايات المتحدة الأمريكية على الكرد السوريين، الشريك الوحيد لهم في تلك المنطقة. التحالف مع الكرد للتوجه نحو الرقة يهدد بإشعال صراع جديد مع تركيا عضو حلف الناتو وشريك واشنطن ويشمل الصراع الكتائب السورية المتحالفة مع أنقرة.
وتقوم واشنطن في العراق بتوفير الدعم اللوجستي إضافة إلى تقديم أمور أخرى للجيش العراقي في الحرب ضد تنظيم “داعش”. أما في سوريا، فتعتبر الولايات المتحدة حكومة الرئيس السوري غير شرعية ولا تستطيع إقامة شراكة معه. ويقول نوح بونسي، خبير سوري يعمل لدى مجموعة الأزمات الدولية “حتى إذا ما تم دحر التنظيم خارج الرقة، فإن عملية إيجاد بديل لحكم المدينة ستكون إشكالية.” تعتبر الموصل التي يسكنها حوالي مليون شخص أكبر مدينة تقع تحت سيطرة “داعش”، ولا يتواجد فيها أكثر من 10 ألاف مقاتل من التنظيم. في حين يسكن مدينة الرقة – النفطية ما يقارب 200 ألف شخص، معظمهم من العرب السنة، ويديرها حوالي 5 ألاف مقاتل.
ويضيف نوح بونسي قائلاً إن “استعادة الرقة يعتبر أمرا أساسيا لهزيمة التنظيم عسكريا وهو الأمر الذي يعتبر أولوية أمريكية، ولكن لدى كل الأطراف المتحاربة في سوريا مصالح معينة التي تأخذ بدورها الأولوية بالنسبة لهم.” واستهدفت طائرات التحالف الدولي بقيادة واشنطن، خلال الأسابيع الفائتة، ستة جسور في أراضي محافظة دير الزور السورية بين مدينة الرقة والحدود العراقية. هدف الضربات كان قطع الطريق بين العراق وسورية أمام عناصر التنظيم الفارين.
ووفقاً للناشط السوري، حسام عيسى، الذي لا يسكن المدينة ولكن مجموعته التي تسمى “الرقة تُذبح بصمت” تعتمد على تقارير مسربة من مواطنين في المدينة، فإن نشاطات وتحركات تنظيم “داعش” ازدادت في الرقة، ويشمل ذلك زيادة في عدد نقاط التفتيش الليلية. وأشار عيسى إلى أن عدد من جرحى التنظيم وبعض عائلات المقاتلين وصلوا إلى المدينة قادمين من الموصل قبل بدء الهجوم. ويضيف حسام قائلاً إنه لا يوجد ما يثير القلق في الرقة، حيث أن معظم الحصون والخنادق بُنيت منذ فترة طويلة.
تقول الباحثة في مركز دراسات الحرب الذي يتخذ من واشنطن قاعدة له، جنيفير كافيريلا، إن الرقة قد تتحول إلى ملجأ لمقاتلي التنظيم الهاربين من الموصل، حتى وإن كانت عملية عبور الحدود والطرق صعبة. وتشير كافيريلا إلى احتمالية تخفي العناصر المنسحبين بين جموع المدنيين الهاربين، أو الانتقال في مجموعات صغيرة لتجنب قصف طائرات التحالف. كما قد ينسحب آخرون إلى مناطق صحراوية بين سوريا والعراق للتحضير لهجمات مستقبلية.
منذ مناقشات الصيف المنصرم في واشنطن التي دارت حول احتمالية توجيه ضربة مزدوجة ضد التنظيم، دخلت تركيا إلى النزاع. حيث بدأت أنقرة في شهر آب\أغسطس دعم مقاتلي المعارضة بالدبابات والطائرات. ما أدى إلى تعقيد التخطيط لأي حملة محتملة ضد التنظيم في الرقة إضافة إلى تهديد الكرد السوريين، الحليف الرئيس للولايات المتحدة على الأراضي السورية. وتقول كافيريلا في هذا الصدد إن المنافسات خطرة في سوريا لأن تنظيم “داعش” ذكي وسريع في استثمار الانقسامات بين أعدائه. ويعتبر المقاتلون الكرد المدربون جيداً والمنظمون جداً من وحدات حماية الشعب YPG، شركاء لواشنطن في حربها ضد التنظيم منذ عام 2015، حينما حرر المقاتلون مدينة كوباني الحدودية من التنظيم.
مقابل قيادة معركة الرقة، يطالب الكرد بالتسليح المباشر من واشنطن إضافة إلى الاعتراف السياسي بحقهم في الحكم الذاتي. وهو ما من شأنه أن يُغضب أنقرة، التي تعتبر القوات الكردية السورية فرعاً لحزب العمال الكردستاني المصنف على لائحة الإرهاب. وتقول كافيريلا إن التسليح المباشر للقوات الكردية سيسهل الأمور اللوجستية خلال التخطيط للهجوم الرئيسي. ولكنها تضيف قائلة إن احتمالية المواجهة المباشرة بين الكرد والقوات التركية إضافة إلى قوات المعارضة المدعومة من أنقرة ” سيكون لها آثار مضاعفة على الاستراتيحية” وسيكون صعباً على الولايات المتحدة أن تتدخل لتخفيف الوضع، في وقت تنفذ فيه عمليه كبيرة على الجانب العراقي.”
وحذرت روسيا يوم الأربعاء من السماح لمقاتلي تنظيم “داعش” بالهروب إلى داخل سوريا. حيث قال رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الروسي، فاليري غيراسيموف “نأمل أن يُدرك شركاؤنا في التحالف الدولي العواقب المترتبة على تجوال أعداد كبيرة من مقاتلي داعش في المنطقة. يجب أن يتم تدميرهم حيث يتواجدون، لا أن يتم دحرهم من بلد إلى داخل بلد آخر.”
وتقول إلهام أحمد، مسؤولة كردية رفيعة المستوى كانت متواجدة في واشنطن الشهر الفائت، بأن تحضيرات القوات الكردية لهذا الهجوم باتت في المرحلة النهائية مشيرة إلى أن الاعتراف السياسي والتسليح المباشر من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ليست سوى مسألة وقت. إلا أنها لم تعطي تفاصيل حول ذلك. وأدى القتال في مناطق أخرى إلى تعقيد الوضع أكثر، ومن ضمنه تقدم القوات التركية في شمال حلب ومحاولة تقدمهم نحو الباب، المدينة الواقعة تحت حكم “داعش” في تلك المنطقة. كما وينافس الكرد أيضاً للسيطرة على مدينة الباب، لتوصيل المقاطعات الكردية المنفصلة على طول الحدود السورية – التركية.
في غضون ذلك، فإن الأتراك والمعارضة السورية لديهم رؤية مختلفة حيث يقولون بأن التقدم نحو الباب سيكسر حصار الحكومة السورية على مدينة حلب، الواقعة على بعد 30 كيلومتر إلى الغرب منها، بينما سيحرم الكرد أيضاً من السيطرة المستمرة على المنطقة. يقول بونسي حول ذلك إن “كلا الطرفين يريد انتزاع مناطق أكثر بهدف منع الأخر من انتزاع أراضي أكثر وكلاهما يريد تحسين التنسيق والعلاقات مع واشنطن ضد مصالح الطرف الآخر.” منذ آب\أغسطس الفائت، أدت الجهود المدعومة تركياً إلى إجبار القوات الكردية ومقاتلي تنظيم “داعش” على الانسحاب من مساحات كبيرة على الحدود.
وتقول أنقرة إن هدف حملتها هو إقامة “منطقة خالية من الإرهاب” بمساحة تعادل 5 ألاف كيلومتر مربع داخل سوريا، لسحق الطموحات الكردية. وما يزيد التعقيد هو أن تركيا، التي تدعم القوات المعارضة للأسد، تسعى إلى علاقات أفضل مع روسيا، داعم رئيسي للأسد وخصم واشنطن في حرب الوكالة داخل سوريا. وقال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، يوم الثلاثاء الفائت، إن قواته ستكون مشاركة في أي عملية ضد الرقة. وتشارك أنقرة في هجوم الموصل رغم الاحتجاجات العراقية.
حول موقف المجموعات الكردية والعربية يقول المستشار العسكري للقوات الكردية، ناصر حاج منصور إن لا أحد منهم يقبل أي دور لتركيا في الرقة لأنه سيعني وجود تركي طويل الأمد على الأراضي السورية. وأضاف إن المناورة ربما تؤخر معركة الرقة، التي تتطلب حوالي 10 ألاف مقاتل ومن ضمنهم العرب (المنضويين تحت لواء قوات سوريا الديمقراطية) حسب حاج منصور.
ويتخوف المقيمون في الرقة من تقدم القوات الكردية، حيث أنها اُتهِمت بطرد السكان العرب وإساءة معاملتهم سابقاً. “الظروف السياسية غير مواتية، والقوة العسكرية الموجودة لاستعادة المدن معقدة في أفضل الأحوال.” تقول كافيريلا.
ترجمة: المركز الكردي للدراسات[1]