حملة الرّقة وضرورات التّحرير
تناقضات، مُرادها الهيمنة
آلدار خليل
إنّ الضربات التي يتلّقاها داعش في سوريّا وبالتحديد في مراكز قراره يحاول تلافيها بالتعاون مع الداعمين له من قبل الدولة التركيّة؛ بالإعداد لإستراتيجيّات من شأنها إعاقة تقدّم قوّات سوريّا الديمقراطيّة والفصائل الثوريّة، وما تشهده اليوم مناطق الشهباء والتدخّل التركيّ بالطائرات والمدافع هو إعادة ضخّ الدماء في الشرايين المبتورة لمرتزقة داعش ومحاولة إعادة التوازن له في سوريّا، بالإضافة إلى أنّ تركيّا لا تكفّ أبداً عن خلط الأوراق والعمل على فرض هيمنتها ووجودها في كلّ من سوريّا والعراق، والعمل على خلق فتنة طائفيّة سنيّة – شيعيّة.
مدينة الرّقّة لها أهمّيّتها من حيث الموقع وكذلك تأتي كأكبر مدينة ومركز قرار لمرتزقة داعش في الانطلاق نحو العالم الخارجيّ والمحيط المحليّ والإقليميّ، وإنّ سقوط هذه المدينة هو بمثابة انتهاء الوجود العسكريّ لداعش وبالتالي ما تقدّم عليه الدولة التركيّة من تصريحات من قبيل التعاون في محاربة داعش في الرّقّة ليس إلا نوعاً من الدعاية وتجميل للصورة التركيّة المشوّهة لدى كلّ من أدرك حقيقة الدولة التركيّة وأردوغان في دعمه للمتطرّفين، وما إلحاح أردوغان على المشاركة ضدّ داعش في حملة الموصل إلا بهدف خلق إرباك في توجّهات الحملة، وليس من البعيد أن تقوم تركيّا بعد الاطلاع على سير المخطّط العسكريّ من تزويد داعش بما هو مهمّ من أجل تفادي ما يتمّ الإعداد له عسكريّاً في الموصل، وما إلحاح تركيّا بالنسبة للرّقّة كذلك إلا لنفس الهدف.
إنّ حملة الرّقّة والإعداد الجيّد لها بالاعتماد على القوى الداحرة لداعش في سوريّا، سيكون لها ترتيبات ونجاحات عسكريّة مبهرة، فتحرير الرّقّة سيساهم في تفادي زيادة الثقل العسكريّ للدواعش الفارّين من الموصل، بالإضافة إلى أنّه سينجز – دون شكّ طبعاً – بالاعتماد على الفصائل والقوّات المحاربة لداعش عمليّاً في إيقاف ووضع حدّ للتدخّل التركيّ في الملفّ السّوريّ وآليّات الدعم التي توفّرها تركيّا للمرتزقة، ومن جهة أخرى فإنّ العمليّة العسكريّة في الرّقّة ستضخّ الحياة مجدّداً في الفرات ومناطقه، هناك سيتبدّد التطرّف وسيتمكّن الأهالي من العودة إلى الحياة الطبيعيّة حيث الكلّ يعيش وفق لونه وتوجّهه ويمارس حقّه في الحياة بسلام وأمان وهذا حقّ طبيعيّ لهم، ففي المشروع الديمقراطيّ الذي تطرحه مكوّنات روج آفا يحمل في جوهره تحرير الإنسان وتوفير الإمكانات الحيويّة للعيش كبشر وليس كعبيد أو كأفراد يتمّ رسم خطّ حياتهم وكلّ من يخرج عن المسار يتمّ نحره أو إعدامه.
ولا شكّ أنّ المشروع الثوريّ في روج آفا وكذلك المشروع الفيدراليّ الديمقراطيّ لروج آفا – شمال سوريّا يبحث عن الأرضيّة الحقيقيّة التي تتوافق مع النهج الديمقراطيّ الذي يحمله، والعمليّات العسكريّة التي تهدف إلى إبادة الفكر المتطرّف وتدمير مراكز قراره العسكريّ والأيديولوجيّ هدفها خلق الحياة الديمقراطيّة اللائقة بمكوّنات روج آفا وعموم الشعب السّوريّ، وما الإعداد لعمليّة الرّقّة وتحريرها إلا ضمان أساسيّ من ضمانات نجاح ثورة الحرّيّة ودعم الخطّ القائم على حماية المجتمع السّوريّ من أن يكون ساحة تعبث فيها الدول وفق مصالحها.
حملة الرّقّة وتحريرها سيكون لها تأثير هام، إذ إنّ حملة منبج وكري سبي وكوباني ساهمت في قطع صلة داعش مع الداخل وكذلك مؤخّراً مع العالم الخارجي، كلّ هذا أدّى إلى اعتماد مرتزقة داعش بشكل أساسيّ على الخطّ الممتدّ الرّقّة – جنوب دير الزور – الموصل، وبالتالي بالتزامن مع حملة الموصل فإنّ تحرير الرّقّة سيكون النهاية الحتميّة لداعش في المنطقة. وهنا لا بدّ من إدراك العمل من الآن لكيفيّة المواجهة مع مرحلة ما بعد داعش، وهنا أقصد الأيديولوجيّة والفكر المتطرّف التي ساعدت العديد من الدول الإقليميّة ومنها تركيّا على نموّها في سوريّا.
موقف مكوّنات روج آفا في الالتفاف حول ثورتها وتكريس الواقع التنظيميّ هو أمرٌ وهدفٌ أساسٌ، وبالتالي فإنّ عمليّة تحرير الرّقّة وبعد المقاومة التي أبدتها هذه المكوّنات على الأرض لن تكون في الإطار الصحيح إذا لم تتمّ برؤية من روج آفا والدعم اللازم لذلك، وعلى هذا فإنّ إصرار الدولة التركيّة على المشاركة في تحرير الرّقّة الهدف منها إعطاء داعش الفرصة لإعادة إستراتيجيّته من خلال المخابرات التركيّة التي تعمل ضمنها، وهذا ما لا يمكن قبوله وما لا يمكن أن يتمّ، فمدينة الرّقّة تحتاج إلى إرادة حقيقيّة ومقاومة جادة، وهذا ما لا يمكن لتركيا وغيرها أن تقدّمها، فالمسبّب لمرض ما لا يمكن أن يكون دواءً له.[1]