في سوريا من الذي سينتصر؟
سيهانوك ديبو
مهما وسّعت تركيا الأردوغانية من خطواتها؛ فإن الأرجل التركية التي يحاول أردوغان زرعها في مسافات متعددة يبغي منها قضم مساحات جغرافية سوريّة وعراقيّة ولو بشكل بطيء؛ كما عادتها المعروفة حيال البلدان الجارة لها؛ فإن هذه الأرجل لن تكون سوى على رمال متحركة لن يُسمح لها بالثبات كما السابق؛ إضافة إلى أن خطواتها لن تكون سوى قفزات في الهواء لن تجني من ورائها إلا المزيد من الارتطام والتكسر خِلاف ذلك في السابق.
مع العلم أن تركيا الأردوغانية تعلنها على الملأ ويرددها رهطه السياسوي باستمرار كما حال رئيس وزرائه بن علي يلدرم؛ بأن تركيا تنطلق من (ميثاقها الملي) بأنها حكمٌ لكل خصمٍ وتنظر من خلال بعض موادها إلى أراضي مهمة من سوريا والحال نفسه في العراق على أنها أجزاء من أرضها، وإن هذا الترداد المستمر لا يحرك ساكناً في الموقف الرسمي لمعارضة الائتلاف وغيرها من أسسوا ما يسمى بالهيئة العليا للمفاوضات التي بدأ عليها التآكل لحد الاختفاء تماماً في القريب المستعجل؛ إنما على العكس فإنهم باتوا نواطق ومحاججين وذرائعيين أكثر من الباب العالي- الحديث- نفسه. يتعدى الأمر أن يكون الحنين إلى المرحلة العثمانية، ولا يمكن لتعقيدات الأزمة السورية والانعطافات المستمرة في التوازنات التي من المرجح أن تتوارد تخبطاً لمدة شهرين قادمين على الأقل أن يكون سبب هذا الصمت بل أن التغييرات المستمرة باتوا من خلالها بمدافعين ودافعين للتركي ومباركين له علاوة على صمتهم المعلن في احتلال تركيا لأية جغرافية سوريّة، ولا يمكن أن تكون متعلقة بحلب التي باتت باحتمالية كبيرة في يد النظام وحلفائه الإقليميين والدوليين وبالتالي تحجيم مساحة المعارضات السورية وتبخر أغلبها على أية طاولة مرتقبة لمفاوضات الأزمة السورية بمجرد ذهاب حلب إلى حوزة النظام.
لا إرادة لهؤلاء؛ لا مشاريع ديمقراطية عندهم؛ هم فقط يلهثون وراء السلطة التي بانت لهم وهماً من قبل من همس في عقولهم وآذانهم بأنهم ممثلين لشعب سوريا في الفترة الأولى من ضياع سوريا؛ لا علم لهم وبهم ومنهم لحقيقة التعددية وماهية سوريا التاريخية والمعاصرة؛ وكيف يجب أن تكون وفق إرادة مكوناتها؛ وأنهم أسرى الكتاتيب المزورين للتاريخ؛ وأنهم يعلنون على الدوام بالخوف من التغيير ويظهرون بأنهم الأسوأ حتى لمسببات الأزمة السورية (النظام المركزي الاستبدادي وما نتج عنه من إرهاب واستجلاب له).
لم يعير هؤلاء أي اهتمام لما حدث في كوباني من صيف 2014 ولمقاومتها التاريخية التي دحرت داعش وأنقذت ما أمكن من سويّة لمعنى الحراك الثوري السورية وشرعية المطالب، ولا يعيرون اليوم لما يحدث في عفرين المحاصرة منذ ثلاث سنوات وهي التي استقبلت ولم تزل مئات النازحين السوريين من مناطق الدمارات المتعددة الداعشية وفتح الشام/ النصرة وغيرها من المجموعات المسلحة في صراع مع النظام الذي نجح إلى حد كبير في زعمه إما هو وإما الإرهابيين ويرددها الروسي اليوم أيضاً، وليس من جملة اهتماماتهم ما يحدث في مناطق الشهباء والاستبسال الذي يبديه مكوناتها من كرد وعرب وغيرهم في منع الاحتلالات التركية لسوريا ومقاومة الفصائل الثورية التي تحارب ثلاثية هي واحدة في الأصل والفصل؛ جيش تركيا الأردوغانية ومرتزقتها من الفصائل العشرين المتيّمة بالعثمانيتين القديمة والجديدة وكذلك داعش، وهؤلاء حينما وجدوا العلم التركي المرفوع في جرابلس؛ أدركوا بأنهم قد وصلوا الغاية ونالوا الهدف.
المشاريع هي التي تتحارب؛ والانتصار للمشروع الفيدرالي الديمقراطي لسوريا الذي تخشاه تركيا كما غيرها من الأنظمة الاستبدادية كمهددات للأمن والاستقرار في عموم منقطة الشرق الأوسط ومن ثم منطقتها. ومشروع فيدرالية روج آفا- شمال سوريا هو أكثر ما يخشاه العثماني بكل من يجد في مائه الدواء.
اختلافات كثيرة بين مشهد الألفية الثالثة التي نعيشها وما كان عليه المنظر قبل مئة عام؛ الكثير من الأمور والمسائل تغيرت؛ وحدها المتحجرة/ عصيّة التغيير هي ذهنية العثماني؛ التي ستشهد إزالة حتمية لأنها ببساطة ضد الطبيعة وضد المجتمعية وببساطة أكثر لأن الشعوب طالما لها الحق في تقرير مصيرها حينما تملك الإرادة المستندة على مشاريعها الديمقراطية؛ والأخير بيت القصيد وخيمة تتسع للجميع وتلفظ خارجاً بعيداً من هو ضد الجميع، والأخير سيبقى هو المنتصر في سوريا.[1]