أردوغان ودولة الحزب الواحد
الباحث الأمريكي مايكل روبن (معهد AEI)
وصف الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان المحاولة الانقلابية الفاشلة في #15-07-2016# ب “هدية من الله”. الحكومة التركية اتهمت وعلى الفور حليف أردوغان السابق عدو اليوم، الداعية التركي فتح الله غولن بالوقوف وراء المؤامرة، التي لا تزال المعلومات المتعلقة بها وبتاريخ بدئها غير واضحة ولكن الحقيقة الواضحة البسيطة هي أن جميع الأدلة المُقدمة من قبل المسؤولين الأتراك لشركائهم الأمريكيين لا ترقى لمعيار البرهان أو الدليل – ناهيك عن الأدلة الدامغة – لدعم اتهامات أردوغان ضد غولن. الجدير بالملاحظة هو أن الإعلام التركي يستمر بوصف رد الفعل الأمريكي على أنه قبول بالملفات والمعلومات المقدمة من أنقرة، ولكن حتى الآن لا يوجد مسؤول أمريكي واحد صرح قائلاً شيئاً مماثلاً أو قريبا لما ينقله الإعلام التركي. في الواقع الروايات البديلة عن المحاولة الانقلابية قوية ومن الصعب التشكيك بها.
الشيء الوحيد المؤكد هو أن محاولة الانقلاب تحولت إلى ذريعة احتاجها أردوغان أو صنعها هو ببراعة بهدف تطهير المؤسسات والحكومة من المعارضين والغير متحمسين لأجنداته وسياساته. معظم هذه الأمور تم التطرق لها من قبل الإعلام الغربي والتركيز يجري على التطهير المستمر للمعلمين وأساتذة الجامعات. بشكل مؤكد هنالك مفارقة جديرة بالذكر حول شخص يبدو أنه يحمل شهادة جامعية مزورة ويعطي الحق لنفسه لتعيين رؤساء الجامعات من خلال مجلس أنشئه هو بنفسه مع مجموعة من أصدقائه في الدولة. ولكن ما فعله أردوغان ضد مؤسسة الشرطة التركية في الآونة الأخيرة هو ما يجب أن يشعر أولئك الحريصين على مستقبل تركيا وحول نوايا تركيا بالذعر والقلق.
عيَّن أردوغان الأسبوع الفائت رؤساء جدد لقوات الأمن التركية في 61 محافظة من أصل 81. كما وأرسل أردوغان 55 من رؤساء الشرطة إلى الأقسام الرئيسية التي تعمل كمؤسسات أمنية محترفة. في الصفحة 105 من كتابه “أخلاقيات الإرهاب” يشرح الأكاديمي التركي والمختص بشؤون مكافحة الإرهاب، أحمد ييلا أن هذه المناصب الرئيسية المذكورة أعلاه تتعلق بمكافحة الإرهاب في تركيا أي أنها ليست ذات عمل شُرَطي فقط. بعض مسؤولي الشرطة الذين طَرَدَهم أردوغان كانوا متدينين وبعضهم دعموه وساعدوه. لا أحد منهم كان من أتباع غولن، لأنهم وبكل بساطة لو كانوا أتباع الداعية المقيم في بنسلفانيا لتم التخلص منهم منذ زمن طويل. معظم رؤساء الشرطة الجدد الذين عيّنهم أردوغان هم قوميين متطرفين من الفئة الشابة ويفتقدون للخبرة نسبياً، وبالتالي سينفذون أوامر أردوغان بسهولة أكبر. المشكلة ليست في أن أردوغان كان يعتقد أن المطرودين هم غير موالين بل على العكس ولكنه كان يعتبرهم يتصرفون بليونة وغيرا راغبين باستخدام العنف المفرط وهو ما يعتقد أردوغان أنه سيكون ضروري للاستخدام ضد الكرد في تركيا وضد العديد من الأتراك الليبراليين أو الغير منخرطين في السياسة تزامناً مع تعزيز قبضته وسلطاته في تركيا.
ما يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار هو قيام أردوغان مؤخراً بتمديد الفترة التي يمكن للسلطات احتجاز المواطنين إلى ستة أشهر قبل إمكانية توكيل محامي لتمثيلهم. والهدف هو تمهيد الطريق لعمليات تعذيب متزايدة في المعتقلات لانتزاع الاعترافات بالقوة، وهو الأمر الذي أصبح شائعاً في تركيا منذ تموز الفائت.
وبدأ حزب أردوغان الحاكم بإصدار تراخيص سلاح للموالين لهم، وبشكل خاص من خلال سلطة الشباب العثمانيين (Osmanli Ocaklari). وذكرتُ في تقرير سابق لي قيام أردوغان بتعيين الجنرال السابق عدنان تانريفردي (Adnan Tanriverdi)، وهو الرئيس السابق لشركة (SADAT) الأمنية الخاصة، كمستشار عسكري له. وهو الشخص الذي طَرَدَتهُ قيادة الجيش والأركان العامة التركية من العمل خلال فترة الانقلاب الناعم عام 1997 ويبدو أنه مصمم على الانتقام من النظام العِلماني. عملت شركة (SADAT) على تدريب قوات شبه عسكرية وقوات خاصة والتي تتحول وبسرعة إلى ما يسبه الحرس الثوري الإسلامي التابع لأردوغان. في الحقيقة يبدو أن (SADAT) تقف خلف كثير من عمليات قتل المدنيين ولكن إعلام أردوغان يحمّل، وفي ظل غياب الأدلة خارج سياق الاعترافات تحت التعذيب، المسؤولية لمؤيدي حركة غولن.
وكل هذا يلمح للعبة أردوغان الطويلة الأمد. يبدو أنه يعزز حكمه الديني عبر مؤسسة بناء الشباب والتعليم التركية (TÜRGEV) وهي مؤسسة خيرية يترأسها نجل الرئيس التركي وحيرتن كارامان، القيادي الإسلامي المحلي المحبوب لدى أردوغان.
ولكن تزامناً مع سعي أردوغان لتغيير الدستور، يريد أيضاً الانتصار عن طريق السلاح في أمر لا يمكن فعله شعبياً. القضية ليست مرتبطة بالرأي العام التركي – أردوغان يعتقد أنهم مذعورين ولا يشكلون تهديداً – ولكن المشكلة هي في دوغو بيرنجك (Doğu Perinçek)، الماوي السابق والقومي المتطرف. يعتبر بيرنجك أكبر المستفيدين من حملة التطهير التي نفذها أردوغان داخل مؤسسات الدولة، حيث أنهم تخلصوا من كثيرين كانوا معارضين ل برنجيك. اليوم يُعتبر بيرنجك وزير الدفاع الفعال الذي يحكم في الظل. صرح برنجك قائلاً إنه لن يسمح بالتعديلات الدستورية، وهو ما يعني أن المواجهة باتت واضحة الآن.
أيا كان المنتصر هنالك شيء واحد مؤكد هو أن تركيا تتجه إلى حمام دم. الأسئلة التي تطرح الآن هي متى سيحدث ذلك وإذا ما كان أردوغان قد حضر نفسه بشكل أفضل من بيرنجك أم أن الأخير أفضل تحضيراً.
ترجمة: المركز الكردي للدراسات[1]