غضب الفرات … بداية نهاية داعش
دلشاد مراد
منذ أواخر الشهر المنصرم وبالتزامن مع بدء حملة تحرير الموصل في العراق، ازداد الحديث والتصريحات من جانب قيادات الإدارة الذاتية الديمقراطية في روج آفا- الشمال السوري ومجلس سوريا الديمقراطية وقوات سوريا الديمقراطية وكذلك من جانب قيادة التحالف الدولي لمحاربة داعش ممثلة بالولايات المتحدة الأمريكية حول الاستعدادات لحملة تحرير الرقة من مرتزقة داعش.
تحرير المناطق السورية مهمة مقدسة ل قسد
تأسست قوات سوريا الديمقراطية “قسد” أساساً بغرض تحرير المناطق السورية من المرتزقة وإعادة إدارة تلك المناطق إلى أهاليها، وهو ما يعتبر أحد المبادئ الأساسية التي ترتكز عليها مهمة هذه القوات و ووظيفتها ، وهذا الأمر جلي في العديد من المناطق المحررة خلال السنتين الأخيرتين كتل أبيض/ كري سبي التي أُنشئ فيها مجلس أعيان ومنه انبثقت لجنة تنفيذية “بمثابة حكومة محلية مصغرة” لإدارة المنطقة، وكذلك في منبج التي تشكل فيها مجلس منبج المدني والذي استلم مهام الإدارة في المدينة من كل النواحي.
وقوات سوريا الديمقراطية كما في نظامها ليست ملكاً أو حِكْراً على أي مكون بعينه، فمنذ تأسيسها ضمَّت وحداتٍ وألويةً عسكرية كردية وعربية وسريانية، تشارك في عمليات التحرير جنباً إلى جنب، وهناك ألوية عسكرية عربية جديدة انضمت إلى “قسد” تضمُّ أبناء المكون العربي في منطقة الفرات بعد معاناتهم المريرة في ظل حكم مرتزقة داعش والنصرة وغيرهما، بعد ما رؤوا أن الإدارة الذاتية لمناطقهم هي البديل الحقيقي للنظام البعثي وكذلك لحكم المرتزقة.
وعليه فإن تطهير المناطق السورية من رجس مرتزقة داعش وأخواته وإرجاع إدارة تلك المناطق لأبنائها والتي هي التجسيد العملي لفكر وفلسفة الأمة الديمقراطية وشكلها الإداري “الإدارة الذاتية الديمقراطية” هي مهمة مقدسة لقوات سوريا الديمقراطية، وهي ما تطبقها “قسد” على أرض الواقع.
لماذا توجهت قسد نحو الرقة لتحريرها؟
كون منطقة الرقة جزء من الأرض السورية، فإنه من الطبيعي أن تدخل في حسابات “قسد” لتحريرها من المرتزقة، وقد أطلقت “قسد” بالفعل حملة في شهر أيار المنصرم واستطاعت تحرير الريف الشمالي للرقة تمهيداً لإطلاق عملية تحرير الرقة.
ولحملة تحرير الرقة أهمية استراتيجية كبيرة في الحملة الجارية لتطهير منطقة الشرق الأوسط بكاملها من مرتزقة داعش، كون الدواعش اتخذوها المعقل الرئيس “وعاصمة” لهم في سوريا، ليفرضوا أحكامهم الإجرامية بحق أهالي المدينة الذين باتوا رهائن بأيدي المرتزقة، حتى أنهم طالبوا “قسد” والعالم الحر من خلال قنوات خاصة تخليصهم من حكم المرتزقة.
وبالتالي صار لزاماً على “قسد” تلبية نداء أهالي الرقة لتخليصهم من مرتزقة داعش، وهو واجب إنساني ووطني لابد من العمل لتحقيقه، بل إن الهدف الرئيس من تأسيس (قسد) كما قلنا سابقاً هو تحرير المناطق السورية من المرتزقة ونشر الفكر الديمقراطي.
إن مرتزقة داعش اتخذوا من مدينة الرقة قاعدة لعملياتهم ولنشر إرهابهم في المناطق السورية الأخرى وبخاصة المناطق الشمالية “روج آفا” والشمالية الغربية “ريف حلب” والغربية “البادية وحمص” والشرقية “البوكمال وديرالزور”، ولذا فإن إنهاء وجودهم في الرقة، سيكون ضربة موجعة للمرتزقة وسيحد من وجودهم وعملياتهم على مساحات واسعة من الأرض السورية، بل ستكون بداية نهاية داعش في المنطقة، وعلى هذا الأساس أخذ تحرير مدينة الرقة اهتماماً كبيراً لدى قوات سوريا الديمقراطية.
غضب الفرات… سبب التسمية
لم تأتِ تسمية حملة تحرير الرقة ب “غضب الفرات” عبثاً، فالجرائم التي ارتكبها مرتزقة داعش ولايزالون يرتكبونها، والهجمات على القرى والبلدات في روج آفا والشمال السوري ومختلف أرجاء البلاد، أحدثت غضباً كبيراً في نفوس أبناء المناطق السورية عامة، ولدى أبناء روج آفا والشمال السوري و الرقة بخاصة، لذا جرى إطلاق تسمية “غضب الفرات” على عملية تحرير الرقة كانعكاس لتمثيل قوات سوريا الديمقراطية مقاساة الأهالي وتلبيةِ طموحات أبناء سوريا وأمانيهم عامة في تحرير مناطقهم من مرتزقة داعش.
المرأة وقيادتها لحملة تحرير الرقة
كما لم تأتِ قيادة المرأة لحملة تحرير الرقة ممثلةً بالقيادية روجدا فلات وجيهان شيخ أحمد كناطقة باسم غرفة عمليات غضب الفرات عبثاً أيضاً، فالمرأة عانت كثيراً من بطش مرتزقة داعش والقوانين والإجراءات التي مارسوها بحقها والتي وصلت لحد جعلها عبدة للرجل وبيعها في أسواق النخاسة، كما أن نشر الفكر الثوري الديمقراطي “فلسفة الأمة الديمقراطية” التي أنتجها قائد المرحلة والفيلسوف #عبدالله أوجلان# يعني في الوقت ذاته تحقيقاً لحرية المرأة المنشودة، ولهذا فإن المرأة ترى أن من واجبها قيادة المرحلة الثورية الراهنة للوصول إلى حرية المرأة والتي تعني في الوقت ذاته حرية المجتمع ككل.
تركيا … ومحاولات التشويش
قبيل إطلاق حملة تحرير الرقة كانت حكومة العدالة والتنمية الأردوغانية تطلق تصريحات رافضة لتوجه قوات سوريا الديمقراطية نحو تحرير الرقة، بل وتحذرها من مغبة ذلك حتى أنَّ دباباتِها تمركزت على الحدود المقابلة لكري سبي/ تل أبيض مهددة باقتحام المنطقة واحتلالها.
إنَّ الموقف التركي والنوايا التركية واضحةٌ للعيان، فكل همها إيجاد ذرائع للتدخل بالشأن السوري واحتلال المنطقة الشمالية، فأردوغان يصرح علناً بأن هدفه السيطرة على ما يسمى الأراضي الواقعة في الميثاق المللي (في عهد الاحتلال العثماني) وهو يقصد أراضي الشمال العراقي والسوري.
والاحتلال التركي ومرتزقته لمناطق من الشهباء (ريف حلب الشمالي) والاعتداءات المتكررة على الحدود مع روج آفا ودخول المرتزقة التابعين لتركيا في مدينة حلب والاعتقالات الجارية بحق نواب وقياديي حزب الشعوب الديمقراطية وإغلاق المؤسسات الإعلامية واتباع سياسة كم الأفواه يدخل في سياق الطموحات الهيستيرية لأردوغان والذي يبدو أنَّه يعيش حالاً من جنون العظمة كما عانى منها قبله الدكتاتور العراقي المخلوع صدام حسين وغيره والذين سرعان ما سقطوا في مزابل التاريخ نتيجة سياساتهم الهيستيرية والرعناء.
إن التشويش التركي الأردوغاني واعتداءَاته ليس لها أيُّ تأثير على حملة تحرير الرقة التي تقودها قوات سوريا الديمقراطية وبمساعدة أبناء مدينة الرقة أنفسهم، فالشعوب السورية تدرك جيداً النوايا التوسعية التركية في المنطقة، وترفض أي احتلال تركي لمناطق الشمال السوري.
تداعيات حملة غضب الفرات
لقد بدأت غرفة عمليات “غضب الفرات” بالفعل المرحلة الأولى من حملتها لتحرير الرقة التي تهدف إلى عزل المدينة محاصرةً مرتزقة داعش في المدينة في الخامس من الشهر الجاري وأعلنت عنها بشكل رسمي في اليوم التالي وقد تقدمت خلال يومين فقط حوالي عشرة كيلومترات على محوري جبهات الحملة (عين عيسى- سلوك).
إن نجاح مهمة قوات سوريا الديمقراطية في تحرير الرقة من المرتزقة يعني بداية نهاية مرتزقة داعش في سوريا والشرق الأوسط ككل، ووضع حد لاعتداءات المرتزقة على مساحات واسعة من المناطق السورية ويعني في الوقت عينه نشر الديمقراطية الحقيقية في المناطق المحررة.[1]