اللاعودة
خالد عمر
في كافة مجالات الحياة وعبر السياق المنطقي للأمور في العلاقات ما بين الأفراد فيما بينهم وبين الشعوب والحكومات ( السلطات )، هناك خطٌ اسمهُ اللارجعة أو اللاعودة, بمجرد تخطي هذا الخط تولد مرحلة جديدة بطرازٍ جديدٍ وأسسٍ جديدة للعلاقة ما بين الطرفين سواءً كانا (فرد – فرد) أو ( سلطة – مجتمع أو شعب وشعوب ), تختلف المرحلة الجديدة ( ما بعد خط اللاعودة ) عن المرحلة السابقة لها بأغلب مكوناتها من طراز وأسس وأهداف وغيرها من مكونات المرحلة, وتكمن الإثارة في مسألة الانتقال ما بين المرحلتين في مدى الجاهزية والاستعداد للمرحلة الجديدة, هذا الاستعداد يعبر في شكله ومضمونه عن مدى وعي الطرفين ودقة حساباتهما ودراستهما للتاريخ والحاضر والمستقبل ويعكس الصورة الحقيقية لهما؛
ليس بالضرورة أن يكون تخطي خط اللاعودة نابعاً عن حسابات صحيحة ووعيٍ كافي أو حتى أن يكون هذا التخطي مُقرَّراً بذاته في أن يتم, فقد يكون نتيجةً لانعدام فرصِ النجاح وتحقيق الأهداف في المرحلة السابقة, وقد يأتي الانتقال كاستمرارية للمرحلة السابقة ودون وجود خط فاصل أو مميز بين المرحلتين, كما يمكن أن يأتي على هيئة خطأٍ مقصودٍ أو غيرَ مقصود، و يمكننا هنا أن نقول بأنه يأتي نتيجة غباء, بالنتيجة يكون الانتقال في أغلب المرات بمثابة المقامرة ولعب الورقة الأخيرة أو فلنقل بمثابة الانتحار, لأن تجاوز خط اللارجعة يأتي كفرصة أخيرة فإما أن يتم تحقيق الأهداف المنشودة أو أن يحصل الفشل في ذلك، فيتمخض عن ذلك الانتقال المرحلي واقعٌ جديدٌ لا محالةَ أنه سيكون في عكس طموحات وأهداف الطرف المنتقل.
إن عدم استجابة حكومة العدالة والتنمية للنداء الأخير للقائد عبدالله أوجلان من أجل العودة إلى طاولة المفاوضات واستئناف عملية السلام كانت بمثابة تجاوز هذه السلطة لخط اللارجعة، وإن كل ما حصل بعد – عدم الاستجابة – وصولاً لإغلاق وسائل الإعلام الكردية واعتقال السلطات التركية لقيادة وأعضاء حزب الشعوب الديمقراطية HDP جاء وليؤكد بالدليل القاطع إن حزب العدالة والتنمية قرر أن لاعودة للسلام وبالتالي العودة إلى المفاهيم التي كانت موجودة في مرحلة التسعينات لحد إنكار وجود القضية الكردية.
إن حزب العدالة والتنمية وبعد أن فشلت كل مماطلاته بعد أن تم رمي الكرة في ملعبه بالنسبة لعملية السلام الداخلي في تركيا، وبعد أن فشلت كل محاولات انضمام تركيا للاتحاد الأوربي، وبعد أن فشلت أداته من الإخوان المسلمين والتنظيمات الإسلامية المتطرفة في أن يسيطر ويهيمن على العالم الإسلامي، وبعد أن باتت علاقته بالتنظيمات الإرهابية وأُبوّته لها واضحةً وجليةً وأضحت من البديهيات التي لا تحتاج لبراهين وإثباتات وأدلة، بدأ بالدخول في عزلةٍ دوليةٍ وأصبح منبوذاً من أغلب المجتمع الدولي.
لقد جُنَّ أردوغان وأصبح يتخبط, وهو بجنونه هذا يُدخِل تركيا وشعوبها في أتون حربٍ ستأتي بالدمارِ والخرابِ على كافة مجالات الحياة، وسيكون ضحايا هذه الحرب من الأبرياء وغير الأبرياء بعشرات الآلاف, كل ذلك في سبيل تحقيق مطامح شخصية.
لقد أصبح أردوغان وحزبه وحكومته كالكرة بين أرجل الأمريكان والروس واليهود, لقد أحكموا قبضتهم عليه.[1]