تخبطات اردوغان السياسية والعسكرية، قد تشكل له نوعاً من الانتحار العاجل
iحسينة عنتر
إن حملات التقدم العسكري في الآونة الأخيرة ضد داعش من جانب التحالف الدولي وقوات سوريا الديمقراطية والقوات الأخرى المشاركة في سورية والعراق، مرحب بها من قبل الدول الاقليمية والدول المعنية بالقضية السورية، فتحرير منبج كان من أولويات الحملات العسكرية، مما أدى إلى تفاوت الآراء بين القوى المختلفة حول آلية تحرير المدينة سابقاً وخصوصاً أن ذلك لم يحظ برضى الطرف التركي، وشكَّلَ نوعاً من عدم القبول لديه.
وكانت بعض الدول الاقليمية وفي مقدمتها السعودية وقطر تؤيد تركيا في تدخلها في سورية، ولكن تصميم قوات سوريا الديمقراطية وقوات حماية الشعب على تحرير منبج من إرهاب داعش، وما يحظى به موقع المدينة من أهميةٍ استراتيجية نظراً لموقع منبج على خطِ إمدادٍ مهمٍ للتنظيم الإرهابي داعش والذي يمتد من الحدود التركية إلى معقل التنظيم في مدينة الرقة. وهذا ما أدى إلى اختلاط الحابل بالنابل وانكشاف نوايا بعض الدول وتم تغيير بعض الاستراتيجيات الدولية، وما لبث إن كشف أردوغان عن حلمٍ قديمٍ يراودهُ، فهو يعيش أوهامَ الامبراطورية العثمانية، فكان رده اجتياح مدينة جرابلس المتاخمة للحدود التركية السورية، فما لبث أن جرت زيارات واتفاقيات وخاصة من الجانب التركي مع أطراف أخرى بعد محاولة الانقلاب الفاشلة، والمحاولات الجارية من الجانب التركي وما قدمته من الدعم للجماعات الإرهابية ودخولها بلدة الراعي التابعة لمدينة الباب، التي تشكل مع منبج خط إمدادٍ رئيسيٍ لداعش، كل هذا سد الطريق أمام أطماع اردغان والتي تشكل الاستمرار فيها نوعاً من الانتحار العاجل، وخصوصاً بعد الاعتقالات المشينة والغير قانونية للرئاسة المشتركة لحزب الشعوب الديمقراطية وعدد من البرلمانيين، وهو الحزب الثالث في ترتيب البرلمان التركي.
فلم يكتف اردوغان بتجميد نشاطات الحزب بل لجأ إلى اعتقال قادته وبرلمانييه أيضاً، وهذه قد تكون نوعاً ما آخر رسالة موجهة إلى فيدرالية روج آفا شمال سوريا، وخاصة حزب الاتحاد الديمقراطي والدول الحليفة للكرد، التي لطالما وقفت ضد أطماع وسياسات اردوغان وحزب العدالة والتنمية، ونشير إلى أن الأهمية التي تعلقها أنقرة من مشاركتها في تحرير الباب ليس من باب حرصها على الشعب السوري ولا لمحاربة داعش، بل لغاية في نفس يعقوب ونوايا مبيتة لتحقيق الحلم الاردوغاني الأثير على قلبه، أي لتحقيق وصية الامبراطور العثماني سليم الأول في إعادة أمجاد الامبراطورية العثمانية، أو لربما قرأ أردوغان مذكرات كمال أتاتورك فوجد فيها ما يأمره بإعادة احتلاله واستعادة ميراثه القديم الذي فقده، ولكنه اصطدم بمقاومة قوات سورية الديمقراطية كشوكة في حلقه وعائقاً أمام تحقيق حلمه، ولكن لا زال اردوغان يقنع نفسه بأطماعه التاريخية في الموصل على أنها امتدادٌ لأراضي الدولة التركية. ونفس الكلام ينطبق على حلب وأغلب مناطق الشمال السوري، ظناً منه أن السلطان العثماني قد أورثها له ووصاه بها، وهذا ما أدى إلى نشوبِ صراعاتٍ في المنطقة، ونتيجةً لهذه التدخلات البهلوانية والمغامرات الغير محسوبة النتائج انكشفت أوراقه الخفية وأساليبه الملتوية، وما رسمه في الخفاء وتحت الطاولة، فكان يلوح دائماً بإنشاء منطقة حظر جوي فوق شمال سوريا، ولكن إنشاء المنطقة الآمنة حسب ادعائه دفعته إلى استكمال مهمته في الاحتلال والأطماع الاستعمارية في المنطقة. لذلك يعمل جاهداً للمشاركة في معارك مناطق الشهباء نظراً لما تبدو حلب عليه اليوم كمحورٍ للجهد العسكري في شمال سوريا، وأصبحت حلب محطة أنظار العالم.
وما نعلمه هو أن تركيا الاردوغانية لا تستهدف في ضرباتها العسكرية داعش، بل تبتغي استخدامه في اغراضها ومصالحها، ومَن يتابع وسائل الإعلام التركية يلاحظ اهتمامها الشديد، وبإيعاز من حكومة اردوغان بمشاركتها في معركة تحرير الرقة والباب، وبالرغم مما حصل بين أنقرة وموسكو وطهران وما كان بين روسيا وأمريكيا وأنقرة، لكن المفارقة في أن موسكو كانت توصّلت إلى تفاهمٍ غير معلن مع انقرة على إبقاء مدينة الباب خارج تحركاتها، غير أن التطورات التي حدثت في المنطقة وخصوصاً في معركة تحرير الموصل كشفت مرة أخرى عن أن الغاية التركية ليست المشاركة ضد داعش بل لحماية مصالحها ونجدة الإرهابيين وتهريبهم إلى الرقة والباب، لكن كان للروس والامريكان حسابات أخرى، ومن هذا المنطلق أعلنت روسيا قلقها من خروج داعش بأسلحته الثقيلة إلى الرقة، لهذا لم توافق بشكل جدي مع تركيا للمشاركة في تحرير الباب ومن ثم الرقة، وكذلك أبدت الولايات المتحدة الامريكية قلقها بهذا الشأن، وفي البداية كان هذا موقف قوات سوريا الديمقراطية التي أعلنت ومنذ البداية بأنها ستدافع عن المناطق المحررة ضد أي تدخل خارجي، لذلك كانت قوات سوريا الديمقراطية الطرف الأنسب والاولى في مشاركة عملية تحرير الرقة من الإرهاب.[1]