تركيا وترامب
خورشيد دلي
يحفل مكتب الرئيس الأميركي الجديد، دونالد ترامب، بتحدياتٍ عديدة، تواجه العلاقات الأميركية – التركية، على الرغم من التحالف القوي بين البلدين في إطار حلف شمال الأطلسي “الناتو”، ولعل سبب هذه التحديات جملة أزمات الشرق الأوسط التي أثرت على علاقات البلدين، والمخاوف التركية من السياسة الأميركية، ولا سيما بخصوص القضية الكردية والتحالف الناشئ بين واشنطن وكرد سورية، ومن خلفهم حزب العمال الكردستاني، في إطار الحرب ضد “داعش”. ثمّة في تركيا من يعلق أهميةً على وصول ترامب إلى البيت الأبيض، ويرى هؤلاء أن ترامب الذي يسعى إلى تحسين علاقات بلاده بروسيا بوتين سيجد سبيلاً إلى حلٍّ للأزمة السورية، بعد أن فاقمت السياسة الأميركية من هذه الأزمة، واستنزفت الجميع. ويرى هؤلاء أن تركيا التي حسنت من علاقاتها مع روسيا، أخيراً، ستجد في هذا المسار أو السلوك مخرجاً لتسوية الأزمة السورية، وبما يساهم في تحسين العلاقات التركية – الأميركية، إلا أن مثل هذه الرؤية تصطدم برؤية فريق آخر، يرى أن سياسة ترامب هذه ستطلق يد روسيا، ليس في سورية فقط، وإنما في عموم منطقة الشرق الأوسط، وهو ما قد يؤثر سلباً على الاستراتيجية التركية والمشروع التركي الذي خططه الرئيس رجب طيب أردوغان، في إطار رؤيته لتركيا عام 2023.
ويرى هؤلاء أن أولوية ترامب ليست إسقاط النظام السوري، أو رحيله، وإنما محاربة “داعش”، وأن مرحلة ما بعد “داعش” ستكون على شكل اهتمام كامل بالداخل الأميركي. مستندين في ذلك إلى قناعةٍ تقول إن حجم الخراب في سورية والعراق وليبيا واليمن سيشكل حافزاً لترامب في انتهاج مثل هذا السلوك، اقتصاديا وسياسيا وعسكريا، خصوصاً أن ترامب ينظر إلى وضع أوروبا بحذرٍ شديد، حيث الخروج البريطاني من الاتحاد وتداعياته، وملامح التفكك الأوروبي والأزمات الاقتصادية المتداخلة بقضايا اللاجئين، وغيرها من القضايا الكفيلة بدفع ترامب إلى إعادة النظر في سياسات بلاده.
بغض النظر عن أثر هذه القضايا على العلاقات التركية – الأميركية، ثمة قضيتان حسّاستان ستحدّدان مسار العلاقات بين البلدين في المرحلة المقبلة. الأولى: التحالف الأميركي – الكردي والدعم الأميركي لكرد سورية، وتحديدا وحدات حماية الشعب وقوات سورية الديمقراطية، ولعل تصريحات ترامب السابقة حول كرد سورية، وإشادته بمقاومتهم ومحاربتهم “داعش”، وتأكيد أهمية مواصلة تقديم الدعم لهم، بما في ذلك السلاح، يشكل مؤشراً سلبياً بالنسبة لتركيا التي بدأت تنظر بكثير من الغضب والخوف إزاء الصعود الكردي على حدودها الجنوبية. والحديث التركي هو أن كلفة عدم التدخل العسكري لضرب هذه القوات الكردية بات أكثر من كلفة الانتظار لوضع حد للصعود الكردي الذي بات يشكل خطراً على الأمن القومي التركي.
الثانية: إن قضية تسليم واشنطن الداعية فتح الله غولن ستبقى تظلل العلاقات التركية – الأميركية في المرحلة المقبلة، ولاسيما أن الموقف الأميركي ينظر إلى هذه القضية من منظار قانوني، وليس سياسياً، وهو ما قد يعرقل تسليم غولن، وهو ما قد يؤزم العلاقات بين البلدين، في ظل إصرار تركيا على تسليم غولن، بوصفه المتهم الأول بالوقوف وراء محاولة الانقلاب العسكري.
من دون شك، ستكون هذه القضايا من أهم تحديات العلاقة التركية مع الإدارة الأميركية الجديدة، من دون أن يعني ما سبق توقع حصول تغييرات جذرية في هذه العلاقة، لطالما أن الذي يتحكّم بها هو العلاقة التاريخية المتينة بين البلدين، وموقع تركيا الاستراتيجي في السياسة الأميركية منذ الحرب العالمية الثانية، فضلا عن عضويتها في حلف شمال الأطلسي.[1]