الكرد لا يغدرون ولا يحملون الحقد لأحد …. والشيخ مقصود خير دليل
رياض يوسف
تعرضَ الشعبُ الكرديُّ في روج آفا (في #قامشلو# بالتحديد) إلى مؤامرةٍ اجتماعيةٍ سياسيةٍ قذرة، حُضِّرَتْ لها في مطابخ عربية بعثية، لضرب الكرد وقتل ما يمكن قتلهُ، وتشريدِ وتهجيرِ الباقي، وتحريضِ الدولة البعثية بعناصرها العربية ضد الشعب الكردي، فكان اليوم الأسود يوم 03-2004، وخلالَ مباراة كرة قدم بين نادي الجهاد في قامشلو ونادي الفتوة في دير الزور على أرض ملعب قامشلو، بدأ ذلك اليوم عندما قامَ جمهور نادي الفتوة بالهجوم بالحجارة والعصي على جمهور الفريق الثاني (الجهاد)، وعند بدء الاشتباك بدأ العد التنازلي لتلك الخطة القذرة التي نالت من العشرات من الكرد ممن استشهدوا على يد قوات الأمن الداخلي، التي استخدمت بدورها الذخيرة الحية في ضربِ الكردِ العُزَّل لعدة ساعاتٍ في البداية، وبعدها بدأت حملات الاعتقال في صفوف الكرد في جميع محافظات سوريا، وتم زَجُّهم في سجون النظام حيث تعرضوا لأسوأ أساليب التعذيب والقمع التي أدت إلى استشهاد الكثير من ابناء الشعب الكردي في السجون وتحت تعذيب الأفرع الأمنية؛
عموماً لن نسرُدَ تفاصيلَ القصة كاملةً، لأنها أصبحت حقيقةً جليةً لأي إنسانٍ عاش تلك الأيام وقرأ عنها أو من يهمه ماحدث ذلك اليوم.
كل هذا الظلم والتعذيب والسجن الذي تعرض له الكرد على خلفية ذلك الحدث المُدبَّر، وكل هؤلاء الشهداء الذين فقدوا حياتهم على أيدي أخوتهم العرب من جمهور فريق الفتوة، ومن ثم على يد عناصر الأمن أيضاً العرب من الفروع الأمنية، كل هذا النهب الذي تعرضت لها محلات ومنازل الكرد في قامشلو على يد من يقيم معه في نفس المدينة والحي ومن مدن أخرى من العرب أيضاً.
كل هذا لم يقف عائقاً في وجه الكرديِّ الذي استقبل ابناء نفس المدينة، وأهالي من شاركوا في ذلك اليوم الأسود في تاريخ الكرد المعاصر في سوريا عموماً وفي قامشلو على وجه التحديد، لم يمنعه من استقبال ابناء دير الزور في مدينتهم، وتأمين المسكن والملبس لهم، واشراكهم في لقمة عيشهم، عندما بدأت قوات النظام البعثي التي قتلت من الكرد بشراكتهم من قبل.
واستقبلتهم بين أحضانها كأخوة يتشاركون العيش والمصير.
بدأت حرب النظام على مدن ومناطق سوريا واستمرت سنواتٍ عديدةٍ، كثيرٌ من المناطق استوت مع الأرض جراء قصف الطيران والمدفعية، كل مدينةٍ أو قريةٍ دخلت فيها ما يدعي أنه (الجيش الحر) لم يتوانى النظام في قصفها وتدميرها وحصارها واتباع سياسة التجويع لإخضاعها.
هنا تيقن الكرد إن الخط الثالث هو المُنقذُ من التدمير والإبادة، فعمد إلى حماية نفسه بنفسه لأن ما يسمى بالجيش الحر منذ البداية كان يتبع اجنداتَ دولٍ جارةٍ واقليميةٍ لمصالح خاصة بتلك الدول، فكان يقوم بعملياتِ سلبٍ ونهبٍ في بعض المناطق، وقتلٍ وخطفٍ في مناطقَ أخرى، فوقف الكرد في وجه هذه الأفعال وهذه الأجندات التي حالت دون تدمير مدنهم وقراهم، التي أدت بالنتيجة إلى تحريض تلك الدول لعناصرها وميليشياتها للعمل ضد مصالح الكرد، فكان حي الشيخ مقصود بعد الكثير من الأمثلة والمدن والقرى إحدى تلك المناطق التي تعرض فيها الكرد لقصفٍ متواصلٍ لعدةِ أشهر، تعرضت للقصف بالأسلحة الكيماوية ومدافع جهنم المحلية الصنع، تعرضت للقصف من مناطق وأحياء تحيط بالشيخ مقصود، بالإضافة إلى الحصار الخانق من قبل الفصائل الإسلامية المتشددة التي كانت تعمل لصالح اردوغان.
اتفقت عدة فصائل بقيادة زهران علوش تحت راية (لبيك يا أختاه) وقتها متذرعين بحجة إن أحدى نساءهم قد تعرضت للضرب من قبل القوات الكردية المتواجدين في حي الشيخ مقصود، فهاجموا الكرد المحاصرين أصلاً من قبلهم بالأسلحة الثقيلة ومدافع جهنم، وقاموا باعتقال بعض الأطفال والرجال الطاعنين في السن ووضع الأحذية في أفواههم وتعرضهم للتعذيب والشتم، لم يكونوا مطلوبين أو فارين أو من عناصر الجيش وشبيحة النظام الذين كانوا يدعون مقاتلته، لم يكن لهم أيُّ ذنب، ذنبه الوحيد والذي عرضه لكل هذا الضرب والشتم والإهانة هو أنه كردي … خلقه الله كردياً.
دافع الكرد في حي الشيخ مقصود عن أنفسهم وأعراضهم وأرضهم حتى ضعفت الفصائل الإسلامية التابعة لتركيا وللميت التركي، أمثال داعش وجبهة النصرة (فتح الشام ) لاحقاً وكتائب الزنكي واستقم كما أُمِرْت، دافعت عن حيها وعن أرضها وصمدت حتى قامت ما تسمي نفسها المعارضة والجيش الحر بخيانة أهالي حلب والشعب السوري ككل، عندما باعتهم تركيا بأبخس الأثمان، هربت من أحياء حلب ومنهم من سَلَّمَ نفسه معلنين استسلامهم، راكبين الباصات الخضراء التي أمنها لهم النظام لنقلهم إلى مناطق وأماكن آمنة (حسب زعم النظام)، تاركين ورائهم النساء والأطفال والشيوخ وبعض الرجال الذين شاركوا هم أنفسهم في قصف حي الشيخ مقصود، تاركين النساء والشيوخ الذين كانوا يصفقون لأولئك الذين كانوا يحضرون مدافع جهنم ويخلطونها بالمواد الكيماوية لقصف هذا الحي، يهللون عند سقوط كل قذيفة هاون في ذلك الحي الكردي الذي كان جرمه أيضاً أنه يحوي كرداً خلقهم الله كرداً.
6 آلاف نازح كحصيلةٌ أوليةٌ من الأحياء المحيطة والمجاورة لحي الشيخ مقصود يقصدون الكرد لحمايتهم ورعايتهم، وتأمين المعيشة اليومية وتأمين قوت يومهم ومعيشة أطفالهم.
كل هذه النساء والأطفال والشيوخ وبينكم الشباب والرجال لا تحملون عتاداً عسكرياً تحمون بها أنفسكم؟!!!!
واتجهتم إلى عدوكم (المفترض) حسب ما تعاملتم معهم، وحسب من فقدوا حياتهم من وراء قصفكم لهم وضربكم لهم بالأسلحة الكيماوية ومحاولتكم لإبادتهم عن بكرة أبيهم، اتجهتم إلى من كنتم حتى قبلَ فترةٍ قصيرةٍ جداً تقتلونهم وتهدون بيوتهم على رؤوس قاطنيها، ابنائكم وأزواجكم جزوا الكثير من رقابهم، فصلوا رؤوسهم عن أبدانهم، واليوم تتوجهون إليهم مطالبين منهم الحماية والأمان والرعاية …. لماذا….؟!!!!!
هل لأنهم خائفون منكم … كلا فهم على حق ولا يخافون، ويملكون الجرأة الكافية لذلك، فمن يدافع عن أرضه وعرضه وكرامته لا يخاف.
ألا يملكون السلاح للرد عليكم أو الانتقام منكم … كلا فهم يملكون السلاح الكافي للانتقام وأنتم تعملون هذا الشيء جيداً.
إذاً هم يملكون السلاح والقوة والجرأة، وأنتم الآن أهدافٌ سهلةٌ بين أيديهم، لماذا لا يفعلون بكم ما أنتم كنتم بهم فاعلون؟
هناك شيئاً واحداً يبرر هذا التصرف الذي أذهلكم كما أذهل أهل مدينة دير الزور هو إن الكرد ليسوا أناساً متوحشين لا يعرفون الرحمة والرأفة … بل هم أناسٌ طيبون لا يعرفون الانتقام ولا يحملون الحقد والكراهية لأحد مهما كانت فعلته ومهما كان حجمه وقوته، ثقافة الكردي الذي ارتوى بفكر وفلسفة القائد والمفكر والفيلسوف عبد الله أوجلان، هي ثقافة الأخوة والشراكة والإيمان بالعيش المشترك والتعددية والديمقراطية وأخوة الشعوب، ونحن ملتزمون بتطبيقها ونحن سعداء وفخورون بهذا الفكر وهذه الفلسفة التي قل نظيرها.[1]